صلاح سليمان يكتب: اللاجئون السوريون والإسلام في ألمانيا

صلاح سليمان*
في الوقت الذي تصّعد فيه حركة بيجيدا المعادية  للإسلام في ألمانيا من  عدائها الظاهر للجالية المسلمة وتتظاهر ضد اللاجئين السوريين، نجد أن هناك أصواتا عاقلة تنظر للأمر بشكل آخر،  فالصحفية الألمانية “كريستين هيلبرج”  اعتبرت في حوار بثه راديو ” فيزن البافاري”: أن اللاجئين السوريين سيتمكنون من تغير الصورة النمطية المرتبطة في أذهان الألمان قبل أربعين سنة عن الإسلام ،  إلى صورة جديدة إيجابية بعيدة عن العنف والتعصب و الإرهاب الذي ما فتئت كل وسائل الإعلام الغربية تستخدمه عند الحديث عن الإسلام
المراسلة الصحفية التي عاشت في دمشق في الفترة من  سنة 2001 إلى 2008 ترى أن السوريين هم أهل إيمان، وهم متدينون بالفطرة،  ولم يرغبوا في الهجرة أساسا،  إنما الحرب هي التي أجبرتهم على ذلك، وهم لا يحملون مناهج فكرية تضر بألمانيا ولا بالمجتمع الألماني.

 تصف “هيلبرج” في حديثها الإذاعي النساء السوريات اللواتي وصلن إلى ألمانيا بالمثقفات المتعلمات بغض النظر عن ارتداء الحجاب من عدمه،  فكلهن لديهن القدرة على اتخاذ القرارات الصعبة الخاصة بتحديد مصائرهن ومصائر عائلاتهن،  وهن قادرات علي الاندماج في المجتمع الألماني بشكل بسيط وغير معقد نظرا لثقافتهن العالية .وتقول: إن وجود السوريين المسلمين في ألمانيا سيصحح الكثير من المفاهيم المغلوطة عن الإسلام في هذا البلد.
عائلة سورية بهرت الحاضرين في الأستديو أثناء بث برنامج تليفزيوني مخصص لمناقشة أوضاع اللاجئين الجدد في ألمانيا، فقد تحدث الزوج بلغة انجليزية سليمة،  أما زوجته فكانت تتحدث الفرنسية بطلاقة مما آثار إعجاب المشاركين في البرنامج، وأعجب حديثهم المنظم الحضور،  خاصة عندما أكدوا أنهم لا يرغبون في أن يصبحوا عالة على المجتمع الألماني الذي استضافهم، فظروف الحرب هى التي أجبرتهم على ترك بلادهم.

لا خوف من المسلمين ولا تهديد لألمانيا من الإسلام، هكذا قالت المستشارة الألمانية في لقاء لها مع صحيفة ” البيلد تسايتونج” ، وتزامن هذا التصريح مع ضغوط متزايدة عليها من قبل التيارات الألمانية الرافضة لسياسة الهجرة التي تتبعها، ونشرت الصحف الألمانية استبيان رأي أفاد أن واحدا من ثلاثة ألمان معارضون لسياسة الهجرة يرغب في أن تقدم ميركل استقالتها.
من جهة أخرى أعلنت مجموعة دول أوروبا الشرقية التي يتدفق عليها اللاجئون (التشيك وبولندا والمجر وسلوفاكيا) رفضها صراحة لقبول لاجئين مسلمين،  بل إن الرئيس التشيكي  “ميلوس زيمان” اتهم خلال لقائه مواطنين في منطقة لوشنيك “اللاجئين المسلمين بعدم الالتزام بالقوانين” قائلا: “سنخضع للشريعة الإسلامية التي ترجم الزوجات وتقطع أيدي المجرمين” مضيفا “لا أتخيل أن أرى مسلمة ترتدي النقاب، وهو بذلك يتفق مع مبادئ حركة بيجيدا العنصرية الممقوتة.

ألمانيا لم تقبل توجيه أي اتهام إلى الإسلام، فبينما كان هذا التصريح المقيت للرئيس التشيكي يتردد صداه في وسائل الإعلام،  فإن المستشارة الألمانية  حرصت على الالتزام بالقيم الألمانية، وقالت :إن ألمانيا لن تخرج عن قيمها الدستورية المتمثلة في احترام حرية الرأي والحرية الدينية للأفراد،  كما أكدت على أن ألمانيا دولة قانون، ونظم،  وهذا أول ما يتعلمه اللاجئ في بلادنا، لهذا وجب على كل من يحترم القوانين الألمانية خاصة في شأن المساواة بين الرجل والمرأة الترحيب به وحمايته ،فيما قالت أيضا في حوارها مع جريدة “بيلد تسايتونج”: إنها متفائلة  بشأن إدماج المهاجرين السوريين الجدد في المجتمع الجديد وأنهم سيحترمون القانون الألماني .
الجالية المسلمة في ألمانيا تعرف واجباتها وهي ملتزمة بنص الميثاق الإسلامي الذي اصدره المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا والذي ينص على أن جميع المسلمين في ألمانيا ملتزمون بالقانون الألماني والأوربي، كما أنه يشدد في إحدى فقراته على إقرار الميثاق بقبول المسلمين قوانين البلد الذين يعيشون فيه ومن ثم يدينون بولائهم لهذا البلد.
من ناحية أخرى تري الصحفية “هيلبرج” أنه لا يمكن وصف كل المسلمين بالتطرف، فهذا أمر غير معقول، فالتطرف في الأساس ينتج عن ثلاثة عوامل وفق تعريفها،  التنشئة الاجتماعية المنغلقة، ومناطق العيش البائسة، والمستوي التعليمي المتدني، أما السوريون الذين وصلوا ألمانيا فهم قد اعتادوا العيش وسط تنوع ديني يخلط بين طوائف عدة مثل السنة والعلويين وطوائف المسيحيين وغيرها، وهذا بالتأكيد سوف يساعدهم في العيش في المجتمع الألماني المختلف عنهم دون مشاكل.
تصل نسبة الألمان غير المتدينين إلى حوالي 27 مليون مواطن  أي لا يعتنقون أي دين، لذلك فهم غير راغبين أصلا في الحديث عن المواضيع الدينية، وعندما يثار أمر المسلمين في ألمانيا من الناحية الدينية فالأمر لا يعنيهم في شئ.
كثير من المراقبين يرون أن المهاجرين المسلمين يريدون العيش في سلام، وهم راغبون في الاندماج في المجتمع، لأنهم ينظرون إلى المستقبل ومستقبل أولادهم، كما أن سماح ألمانيا بالتنوع الإسلامي والعرقي هو أفضل الطرق لتجنب الصراعات،  فالانعزال والضغط علي المسلمين، ولفظهم خارج المجتمع سيؤجج الصراعات الطائفية داخل المجتمع .
 اشتكي سكان إحدى القري الألمانية من وصول عدد من اللاجئين يفوق عدد سكان القرية، وكان الأهالي خائفون لأنهم مسلمون،  وهذا بالتأكيد استمرار للخوف الألماني القديم والراسخ حول الخوف من الأقليات الدينية في المجتمع ،  لكن المجتمع الألماني في أغلبه مجتمع منفتح، وقد قام لأول مرة التليفزيون البافاري هذا العام ببث صلاة عيد الأضحى بثا حيا علي الهواء مباشرة مما يعد سابقة في الانفتاح علي المسلمين في هذا البلد. 
____________________________

*كاتب مصري مقيم في ألمانيا 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه