“صرصار” الجلاد.. و”صراصير” الكتاب الكبار!

صلاح سليمان*
شبه الكاتب المصري مجدي الجلاد نفسه بالصرصار، وذلك في مقال له بصحيفة “الوطن” المصرية، منتقداً الحالة المصرية الحالية شديدة البؤس،  التي تحول بينه وبين أن يعيش ويموت في وطن يحترم الإنسان، قائلاً :”إن المصريين يولدون ويتم معاملاتهم كـ”حشرات”. في حين ينتهي المقال بقوله “أنا صرصار سيموت بلا ثمن.. وستشيعه الصراصير بصفير الجبناء” .
في هذا المقال حاول الصحفي الذي يسير في ركب الإعلام المصري المريض، أن ينأى بنفسه عن واقع البلاد الأليم، فقرر بأنه ليس أكثر من “صرصار” خرج إلى الدنيا في بلد لا يراه أغلى من ذلك.. وحسب قوله :نعم سأموت صرصارًا لأنني عشت صرصارًا.. سواء شيعتموني في جنازة عسكرية أو جنازة تتقدمها فرقة حسب الله أو جنازة سُكِّيتى لم يمش فيها سوى ثلاثة مساطيل.. صدقوني.. والله ما بتفرق.. طالما الموتة مجانية تبقى صرصار بصرف النظر عن النعي والعزاء”.
تشبيه الإنسان بالصرصار جاء في روايات كتاب كبار مثل فرانز كافكا، وتوفيق الحكيم،  والروائي الروسي العظيم ديستوفسكي. وقد استطاعوا جميعاً في بلاغة أدبية راقية، أن يصفوا كيف يمكن للقهر والمعاناة أن تساوي بين الحشرة والإنسان.  فالإنسان في روايات كل هؤلاء قد أجبرته الظروف وقسوة الحياة علي الدخول في النفق المظلم ليتساوى بالصرصار كحشرة .
مثلاً بطل رواية “المسخ” لفرانز كافكا كان إنسانا تحول إلى صرصار نتيجة للقهر والظروف المعيشية السيئة التي يعاني منها، في حين أن كافكا طول روايته حاول أن يجعل من تحول الإنسان إلى صرصار أمر يجب التعامل معه بعقلانية، مستخدماً في نفس الوقت حواراً شديد الواقعية بين الصرصار والمحيطين به، وليس كصرصار مجدي الجلاد الذي لا يفكر!.
كتب توفيق الحكيم كذلك مسرحية فكاهية اسمها ” مصير صرصار” تدور أحداثها عن زوج يخاف من زوجته مثل خوف الصرصار من الخادمة التي تمسك “بالمكنسة” وتهدد بقائه حيا. أما ديستوفسكي الروائي الروسي العظيم فقد كتب رواية “الإنسان الصرصار” وهي واحدة من أكبر الروايات تأثيراً في الأدب الروسي، حيث يظهر بطل الرواية بالشخص المريض والجبان،  ومن خلال فلسفة راقية في السلوك البشري يستخدمها ديستوفسكي في حوارات روايته، يظهر ذلك التداخل في العلاقة بين الإنسان الجبان والصرصار.
أيضا ظهرت قبل 5 سنوات رواية اسمها” الصرصار” في ألمانيا،  مؤلفها هو “راوي الحاج”، وهو  لبناني هاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية في سنة 1982 هرباً من الحرب في بلده.  لقد شعر كما وصف في روايته بأنه صرصار في بلاد الهجرة،  لعوامل عدة منها البحث المستمر عن مصدر للرزق،  وعدم انفصاله عن ذكريات الحرب الأليمة، والغربة التي تغيب فيها العاطفة،  لكنه رغم ذلك  يحاول أن يتحدى هذه الصعاب،  فيدرس في الجامعة فن التصوير الفوتوغرافي، إلا أنه لا يشعر بالاستقرار فيهاجر مرة أخرى إلى كندا، وتظل حياته تسير من صعب إلى أصعب حتي ينتهي به المطاف إلى إحساسه بأنه أصبح جثة بلا روح.. عندئذ يلجأ إلى دخول عالم السرقات من أجل الحصول علي ما يسد به رمقه في ذلك المجتمع الذي لا يرحم. وفجأة وفي ظل هذه المعاناة يدخل في حوار مع النفس ويتساءل لماذا هو هنا ؟ وماذا يفعل؟ لماذا الشئ الوحيد الذي يرافقه هو الخوف ؟ إنه يشعر بأنه مثل أي صرصار خائف!.
إذن “صرصار” مجدي الجلاد ليس بمثل صراصير هؤلاء الكتاب الكبار،  فهو “صرصار” مرفه ترعرع في بيئة فاسدة،  لكنه رغم ذلك يحاول أن ينحاز إلى صراصير الشعب فيسير في سياق وفكرة الشعور بالقهر والمعاناة  التي تساوي بين الحشرة والإنسان كما جاء في رويات الذين كتبوا عن الصرصار من قبل، فالإنسان في رواياتهم قد أجبرته الظروف وقسوة الحياة علي الدخول في النفق المظلم ليتساوى بالصرصار كحشرة .
لم يحاول مجدي الجلاد أن يشرح لماذا هو مصرعلي أن يعيش ويموت كصرصار؟!،  في حين أن “راوي الحاج”  علي لسان بطل روايته التي يجسدها الصرصار يتردد علي طبيب أمراض نفسية ليكتشف أمر نفسه بعد محاولة فاشلة للانتحار،  ويخبر الطبيب أنه نصف صرصار ونصف بني آدم،  ويتماشي الطبيب النفساني معه في ذات الإطار،  للبحث عن إمكانية الشفاء،  لكن الرواية تدخل في فلسفة جدلية حول قيمة الإنسان أمام المعاناة، والعذابات التي قد تحيط به،  فالمريض في الرواية هو الذي يطرح الأسئلة علي الطبيب النفساني، فهو يقول للطبيب مثلا إنني أشعر بأنني لست إنساناً كاملاً.. ومن ثم يباغت الطبيب بسؤال آخر ماذا تعني الإنسانية؟ ولماذا تتولد كل تلك المعاناة عند البشر إذا كانت الإنسانية بالفعل موجودة بيننا؟! .
 لا يستطيع الطبيب النفساني الإجابة علي كل تلك الأسئلة، ويقول للمريض: “إنك قد وقعت في الفخ وأصبحت مثل الحشرة المحبوسة التي تحاول أن تبحث عن مخرج”، وهذا ما أكده المؤلف أنه بالفعل يشعر كحشرة أو صرصار، فهو دائم الانطواء والعزلة وحب الأماكن المظلمة والستائر المغلقة .
فهل يأتي شعور مجدي الجلاد بأنه صرصار بعد وقوعه في الفخ  مثل الحشرة المحبوسة ولا يعرف أين المخرج؟!.
_______________________

*كاتب مصري مقيم في ألمانيا 
 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه