شوقي غولن يهاجم أردوغان!

 

توقعت أن ينشط الإعلام المصري في مهاجمة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عقب المبادرة أحادية الجانب التي طرحها السيسي بحضور أميري الحرب خليفة حفتر وعقيلة صالح بشأن الصراع في ليبيا.

علما بأن الإعلام المصري لم يقصر يوما في مهاجمة الرجل، خاصة الإعلام ممدود الصلة بالإمارات والسعودية أصحاب صاحب اليد الطولى اليوم على الساحة الإعلامية في مصر.

لكن لم أكن أتوقع أن يأتي الهجوم من قبل دار الإفتاء التي يديرها شوقي علام لصالح قصر الاتحادية، خاصة أن كثيرين أكدوا لنا في مسوغات الانقلاب على محمد مرسي أنه لإنقاذ مصر من براثن “الحكم الديني” الذي كان سيدشنه الإخوان ومعهم الإسلاميون، بل لا يزال فريق من هؤلاء المبشرين مصرا على ذلك! فإذ بنا نكتشف أننا أمام أسوأ نموذج للدولة الثيوقراطية “الدينية” تلك المشمولة بالقوة العسكرية الباطشة والمتعطشة لسفك الدماء عند أول بادرة خلاف تحت مظلة واسعة من التأويل الديني والفتاوي “المعولبة” سابقة التجهيز.

يبدو أن مفتي الديار المصرية شعر بالحرج من عدم المشاركة في هوجة الهجوم على أردوغان وتركيا فأراد أن يضرب بسهم وافر فأعد بيانا أو تم إعداده له، للنيل من الرئيس التركي حمل عنوان ” أردوغان يواصل استخدام سلاح الفتاوى لتثبيت استبداده في الداخل وتبرير أطماعه الاستعمارية بالخارج”

وإذا ما تجاوزنا السؤال البديهي عن مدى أحقية دار الإفتاء المصرية في دس “أنفها في الشؤون الداخلية لتركيا، فإن الحياة الحزبية والديمقراطية في تركيا لديها رصيد كبير لدى عموم الشعب التركي، بل وشهد العالم – عدا فضيلة المفتي – بنزاهة وشفافية الانتخابات التركية، حتى أن متوسط المشاركة لا يقل عن ٨٥٪ ممن يملكون حق التصويت، ورأينا كيف استطاعت المعارضة انتزاع رئاسة كثير من البلديات الكبرى كإسطنبول وأنقرة وأزمير وأنطاليا وديار بكر.. إلخ من الحزب الحاكم، بل وتبشر المعارضة مؤيديها بالإطاحة بأردوغان في انتخابات عام ٢٠٢٣ المقبلة، وتخرج استطلاعات الرأي تباعا لنشر أحدث النتائج والفارق بين أردوغان وبين أقرب منافسيه سواء رئيس بلدية إسطنبول المعارض أكرم إمام أوغلو، أو رئيس بلدية العاصمة أنقرة المعارض منصور ياواش، أو غيرهما، كل ذلك ولم يخرج أردوغان يوما ليحمر وجهه ويبرق بعينه ويلوح بيديه في الهواء ويهدد من يقترب من الرئاسة بأنه “هيشيله” من على الأرض!!

تدين أردوغان ومسجد أيا صوفيا

لا يحتاج البيان “الفضيحة” لدار الإفتاء المصرية إلى كثير جهد لإدراك مغزاه الأساسي من محاولة هدم الجانب الديني في شخصية الرئيس التركي كونه قادما من أوساط المحافظين “الإسلاميين” الأتراك، وأثبت أنه يمكن لشخص أن يحكم وينجح ويواجه المؤامرات ويفشلها ويحقق نهضة غير مسبوقة في بلده.

فسلاح التكفير المبطن الذي أجادت النخب العلمانية المتوحشة في العالم العربي استخدامه ضد الإسلاميين وظفته دار الإفتاء المصرية مجددا في الهجوم على أردوغان.

فإسلامه مشكوك فيه!! وتدينه مغشوش!! والدين لديه وسيلة لكسب التأييد الشعبي!! وعندما يتحدث عن إعادة فتح “آيا صوفيا” للصلاة ويشارك في قراء القرآن فيها فكل ذلك حسب دار الإفتاء “موضوعات استهلاكية لكسب الطبقات المتدينة.”

رغم أن أردوغان ينتمي لأسرة محافظة ونشأ متدينا محافظا على الصلاة وفرائض الإسلام ودرس في مدارس الأئمة والخطباء، وقرأ في الثقافة الإسلامية الكثير سواء ما كتبه العلماء الأتراك أو العرب وتمت ترجمته إلى اللغة التركية، ومن يعرف التركية ويستمع إلى خطب الرجل يدرك فورا مدى إلمامه بالأدب والشعر والتاريخ، بل ويرتل القرآن الكريم أفضل من كثير من أصحاب الجلالة والفخامة من أصحاب اللسان العربي المبين!

وإذا كان من الممكن تفهم السياق الذي صدر فيه البيان وأنه يأتي في إطار “كيد النسا” الذي برع فيه الإعلام المصري، لكن كان من المحزن أن يجد ذلك “الكيد” طريقه إلى هيئة دينية -من المفترض أنها تتمتع بالوقار- نزعت ورقة التوت التي تستر سوأتها أمام الناظرين، وقررت قطع الشوط إلى نهايته.

حيث عقدت العزم على مجاملة دولة الروم البيزنطيين بعد ٥٦٧ عاما من زوالها، وخوض الجدل الدائر حول إعادة فتح “آيا صوفيا” للصلاة مرة أخرى بعد تحويلة إلى متحف عام ١٩٣٥ حيث أكد مؤشر دار الإفتاء أن “قضية تحويل أيا صوفيا إلى مسجد طُرحت منذ عقود، بيد أنها ظلت أداة وسلاحًا دعائيًّا بيد مختلف السياسيين في حملاتهم لاستقطاب الناخبين، لا سيما المتدينين منهم. وقد بُنيت أيا صوفيا، كنيسة خلال العصر البيزنطي عام 537 ميلادية، وظلت لمدة 916 سنة حتى احتل العثمانيون إسطنبول عام 1453، فحولوا المبنى إلى مسجد. وفي عام 1934، تحولت أيا صوفيا إلى متحف بموجب مرسوم صدر في ظل الجمهورية التركية الحديثة”.

الضرر الواقع على دار الإفتاء

وإذا كان من حقنا أن نتساءل ما الذي يضير دار الإفتاء في منطقة “الدارسة” بالقاهرة من تحويل أيا صوفيا إلى مسجد للصلاة؟ بل إن المنطق يقول بعكس ذلك، لكن يبدو أنها أرادت مجاملة دولة اليونان “العظمى” إرضاء لسيد قصر الاتحادية الذي زار اليونان وجنوب قبرص منذ استيلائه على الحكم أكثر من زياراته لمحافظات مصر!

لكن الذي صدم الشعور العام للمسلمين في مصر وغيرها وصف دار الإفتاء الفتح الإسلامي للقسطنطينية بـ”الاحتلال العثماني” وهو وصف لا يخرج إلا عن الكنائس الشرقية في موسكو وأثينا، خاصة وأن فتح القسطنطينية تحديدا وردت فيها بشارات من النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور” لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش” وبغض النظر عن الخلاف المعروف حول صحة الحديث، فإن الثابت أن محاولة فتح عاصمة الدولة البيزنطية أنذاك، كان حلما يراود المسلمين عقب وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث بدأت الحملات المختلفة لفتحها واستشهد فيها آلاف المسلمين في مقدمتهم الصحابي الجليل أبو أيوب الأنصاري الذي يحظى قبره ومسجده إلى يومنا هذا بمكانة عالية لدى الشعب التركي، وحرص السلاطين العثمانيون على الذهاب إلى مسجده فور تقلدهم السلطنة للحصول على الشرعية “الروحية” من أبي أيوب أو أيوب سلطان كما يسميه الأتراك احتراما له.

لقد أصر أبو أيوب على أن يحملوه على الخيل حملا للمشاركة في حملة فتح المدينة وقد جاوز حينها الثمانين من عمره، ولما وصل الجيش أسوار القسطنطينية مرض أبو أيوب رضي الله عنه، فذهب إليه قائد الجيش يزيد بن معاوية ليتفقد أحواله، فقال له: “يا أبا أيوب، ما حاجتك”؟ فأوصى -رضي الله عنه- أن يُحمل جثمانه بعد وفاته على فرسه ويُدفن في أبعد بقعة في أرض العدو، حتى يسمع صوت حوافر الخيل إذا زحف جيش المسلمين فوق قبره، فيعلم أنهم قد حقّقوا النصر والفوز” وعندما مات في مرضه حفروا له قبرا وتركوه وحيدا ورحلوا.

لكن أبا أيوب لم يكن يعلم أن يأتي يوم يصف فيه شبيحة دار الإفتاء المصرية ضمنا فعله هذا بأنه “احتلال” إذ لا فرق بين الاحتلال العربي أو العثماني!

وإذا كانت دار الإفتاء قد قررت في لحظة بئيسة موبوءة النيل من تاريخ أمتنا واعتباره “احتلالا” فما الذي يمنع أن نسمع غدا أن فتح مصر على يد عمرو بن العاص كان “احتلالا” عربيا، وفتح القدس كان عدوانا “حجازيا” وأن الفتوحات التي وصلت إلى آسيا الوسطى وحدود الصين تستوجب الاعتذار!

عباءة فتح الله غولن

البيان “الرقيع” الذي صاغته دار الإفتاء المصرية، وشحن بالسب والافتراء ليس ضد أردوغان وحده بل في حق شخصيات علمية وسياسية في العالم العربي يجمعها عدم رضى أبوظبي والرياض عنها، هذا البيان يشعرك وكأن شوقي علام خلع العمامة الأزهرية “الوقور” وارتدى عباءة رجل الدين التركي فتح الله غولن الهارب في بنسلفانيا تحت رعاية المخابرات الأمريكية.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه