سمير طاهر يكتب: السويد من دولة اللجوء الى العنصرية

سمير طاهر*
للشعب السويدي طريقته في التعاطي مع الظواهر التي تهدد قيمه. وتتمثل هذه القيم في كون السويد ولعقود طويلة ملاذاً للخائف والمطارد والمهدد، من شتى بقاع الأرض. وأما الطريقة السويدية فتلخصها الأحداث الأخيرة حيث هاجم عنصري مسلح مَدْرسة أغلب تلاميذها من المهاجرين وقتل تلميذاً ومعلماً، وعلى أثر ذلك خرج آلاف المواطنين في مسيرات منددين بالجريمة ورافضين للعنصرية وداعين الى حق الأمان لكل من اتخذ أرض السويد موطناً.
نفس الأسلوب أبداه مواطنو هذا البلد قبل عامين عندما نظم العنصريون فعالية في إحدى مناطق ستوكهولم فنظم الجمهور مظاهرة مضادة شارك فيها عدة مئات للتنديد بالعنصريين، فعمد الأخرون الى مهاجمة المظاهرة بالأسلحة البيضاء وأصابوا عدداً من الناس، وعندها حصلت ردة الفعل الكبرى: عشرات الآلاف يخرجون في مظاهرات معادية للعنصرية وداعمة للتعددية الثقافية، منهم 16 ألف متظاهر في المنطقة التي حصلت فيها الأحداث.
خلاصة أسلوب السويديين هو – ببساطة – ألا يسمحوا للأفكار اللا إنسانية بأن تفرض وجودها عليهم، وإنما يقفون بوجهها بعناد، ليسوا فرادى وإنما متوحدون، وبذلك يغلبونها في كل مرة غلبة مذلة. والخلاف الجوهري في هذه القضية هو أن العنصريين يعتبرون الهجرة تهديداً لهوية السويد الثقافية، “النقية” كما يزعمون، بينما يرى الواعون من الشعب أنه إن كان ثمة تهديد حقيقي للهوية السويدية فهو العنصرية لا غيرها، وأن التسامح والانسانية هما القيمتان اللتان تفخر السويد بهما عبر الزمن. وما تزال المعركة بين الطرفين مستمرة، وقد بلغت في عنفها درجات قياسية حيث لا يمر يوم من أيامنا هذه دون أن يتعرض واحد أو أكثر من المساكن المخصصة للاجئين لاضرام النار. وكان أكبر الأحزاب العنصرية قد نشر على موقعه عناوين هذه المساكن ليسهل على مشعلي النيران الوصول إليها، مما اضطر دائرة الهجرة الى استحداث مساكن لاجئين سرية، وتخصيص طائرات هليكوبتر لتحلق حول المساكن الموجودة حالياً ومراقبتها. أشياء لم يكن أحد قبل اليوم يتخيل حدوثها في السويد، رمز التسامح والتحضر.
لا شك في أن ما يحصل في هذه الدولة متعلق بما يحدث في عالمنا ككل، و كأن هذا البلد يدفع ثمن الاضطرابات والحروب في العالم دون أن يكون له ذنب في اندلاعها. وكان هذا هو الحال منذ عقود طويلة ولا جديد هذه المرة سوى ضخامة أعداد اللاجئين. فأثناء وبعد الحرب العالمية الثانية استقبلت السويد أعداداً ضخمة من اللاجئين من فنلندا وألمانيا والدانمارك، وفي عام 1954 أعلنت السويد نفسها رسمياً بلد لجوء. وفي حقبة النهوض الاقتصادي في الستينيات عقدت اتفاقيات مع تركيا ويوغسلافيا حول القوى العاملة أدت الى انتقال 50 ألف من مواطني البلدين الى السويد، هذا بالاضافة الى مواصلة استقبال اللاجئين الهاربين من الملاحقة بسبب دينهم أو ميولهم وكذلك بسبب الحرب في الهند الصينية. وفي السبعينيات وصلت البلاد موجة لاجئي أمريكا اللاتينية، خصوصاً بعد الانقلاب العسكري في شيلي والحروب الأهلية في الأرجنتين وأوروغواي، فيما حملت الثمانينيات أفواج اللاجئين من الحرب الأهلية اللبنانية والحرب العراقية الايرانية وحرب  القرن الأفريقي، والذين كانوا غالباً من أصحاب التعليم العالي واستقروا في المدن الكبرى. أما في العقد الأخير من القرن الماضي فكان اللاجئون هم الفارون من حرب البلقان ومن الحصار الاقتصادي الدولي على العراق. وفي المجموع استقبلت السويد في عقدين من الزمن فقط (1984- 2003) نحو نصف مليون لاجئ، مع إن سكانها لم يتجاوزوا حينها تسعة ملايين نسمة. إن هذا التاريخ الطويل من الترحيب باللاجئين وتبنيهم هو مبعث فخر للسويديين وهذا هو الذي يدفعهم الى الخروج في مظاهرات حاشدة ليتبرأوا من الجرائم والممارسات العنصرية ومن  الخطاب الفاشي.
ومنذ 2003 بدأت تصل الى البلاد موجة جديدة من اللاجئين العراقيين، وبعد أقل من عقد أضيف إليهم  السوريون، وما تزال الموجات مستمرة. فإذا كانت السويد دولة محايدة (في العلن على الأقل) ولا تدخل في صراعات فان الصراعات نفسها تأتي إليها وتقتحم حدودها، ففي هذه الأيام يصل إليها ما معدله 2000 شخص يومياً ويطلب اللجوء. فاذا أضفنا الى هذا ربط اسم المسلمين في وسائل الاعلام بكثير من الصراعات الدائرة في العالم حالياً، وصعود النزعات القومية المتطرفة في كل أنحاء العالم، بما فيها النزعة العنصرية في السويد، والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة في البلاد وأهمها البطالة، سنفهم لماذا أظهر أحدث استطلاع للرأي أن شعبية الحزب المعادي للمهاجرين بلغت رقماً قياسياً لم تبلغه عبر كل تاريخ البلاد (23% من المشاركين في الاستطلاع) ليصبح الحزب الأكثر شعبية على الاطلاق. وقد أثار إعلان نتائج الاستطلاع هبّة فكرية شارك فيها كتاب ومثقفون وصحافة لادانة التيار العنصري والتذكير بقيم إنسانية صارت اليوم على المحك.
كاتب عراقي يعيش في السويد
 ____________________________

* كاتب عراقي مقيم في السويد 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه