سمير العركي يكتب: الحركة الإسلامية ودولتها العميقة!
كان يجب على تلك الدولة العميقة أن تنتهز فرصة رحيل مبارك لترحل هي الأخرى بكل هدوء، لتترك جيلا جديدا يقرر مصيره ويرسم مستقبله ويخوض التحدي. لكنها قررت البقاء.. فكانت المأساة. يتبع
*سمير العركي
بقدر ما كانت ثورة يناير 2011 كاشفة عما اصطلح على تسميته بالدولة العميقة، بقدر ما كان انقلاب يوليو 2013 فاضحا بالقدر ذاته عن تمددها داخل الحركة الإسلامية .
مصطلح الدولة العميقة – كما عرفته الخبرة التركية – يعبر عن مجموعة من التحالفات المناهضة للديمقراطية والتي كانت تتألف من مجموعات داخل الجيش والشرطة والقضاء إضافة إلى رجال الأعمال والإعلام .
مثل هذه التحالفات شقت طريقها داخل الحركة الإسلامية عبر سنوات طويلة في هدوء وتؤدة بحيث شكلت في النهاية مجموعات مصالح ضاغطة تعمل على منع أي إصلاح حقيقي داخلي سواء على المستوى الإداري أو الفكري ، كما تمكنت هذه الشبكة من الإطاحة بكثير من الكفاءات– ومنهم من أصبح بعد ذلك ملء السمع والبصر – تحت ذرائع أخلاقية وتربوية وإدارية متعددة بعد تحقيقات شكلية ، كانت غالبا ما تنتهي إلى الطرد من جنة ” التنظيم ” .
وقد تمكنت الدولة العميقة داخل الحركة الإسلامية من أن تصبح عالما منفرداً يتمتع بمجموعة من الخصائص المميزة على النحو التالي:
– كثير من أفراد وأعضاء هذه الشبكات لا يتمتعون على المستوى الشخصي بأي قدرات أو كفاءات تؤهلهم للمناصب القيادية التي يتولونها، فمنهم من أوصلته وصعدت به مواقف تاريخية معينة، ومنهم من اعتمد على التقرب من أصحاب النفوذ للدخول في دائرة المقربين أولي الثقة، ومنهم من انحصرت كفاءته في إتقان لغة أجنبية رغم أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على سبيل المثال ـ والذي يعتبر واحداً من أهم الرؤساء الفاعلين في العالم اليوم لا يتحدث سوى اللغة التركية فقط، لذا ظل كثير من هؤلاء متمترساً خلف صمته والذي أكسبه مزيدا من الوقار والهوية، لكن ثورة يناير أجبرت كثير منهم على الحديث فسمعنا ورأينا عجبا لم نتوقعه. ومن هنا يمكن فهم الإصرار المتوارث على ملاحقة أصحاب الكفاءات والإجهاز عليهم معنوياً.
– عدم خضوع هذه الدولة العميقة للمساءلة والمحاسبة الحقيقية، لذا نادرا ما تجدهم يحاسبون على مآلات قراراتهم وأفعالهم، والتي دائماً ما يتم الهروب منها تحت لافتة السمع والطاعة، والثقة في القياد ، وربانية ” الجماع ، والمؤلم أنه وكما صورت أنظمة الاستبداد لشعوبها الثورة والتغيير على أنها مرادف الضياع الدولة وانهيارها ، فقد نشر هؤلاء بين الاتباع أن المحاسبة طريق الشقاق والخصام والتنازع ما يفضي إلى انهيار الجماع ” في نهاية المطا ، وكما خدعت أنظمة الاستبداد شعوبها بمثل هذه المقولات فإن هؤلاء ضللوا أتباعهم بمثل هذه الأطروحات التي كانت تهدف إلى الحفاظ عليهم هم لا الجماعة ولا التنظيم.
– ارتباط أعضاء الدولة العميقة بروابط أسرية، وعلاقات اقتصادية قوية ما أسهم في تمتين آصرة الولاء فيما بينهم نتيجة توفر الثقة بصورة طبيعية، والذي أدي إلى نشوء مراكز وبؤر ضغط لم يكن من الممكن تجاوزها أو تجاهلها، وغالباً ما وجد الوافدون الجدد إلى محيط هذه الأسر “الحاكمة” مكاناً لهم وسط النخبة أو الصفوة المؤثرة اعتمادًا على المكانة الاجتماعية الجديدة التي اكتسبوها .
– الكراهية الشديدة لدعوات التغيير أو الإصلاح، واعتبارهم كل صيحة إصلاح خصما منهم وتحديًا لهم، لذا سرعان ما كانوا يسارعون إلى احتواء أصحاب هذه الدعوات بمحاولة ضمهم إلى مجموعاتهم، أو طردهم بعد اغتيالهم معنويًا، وذلك ليقينهم أن ترك دعوات الإصلاح دون وأدها معناه محاسبتهم وإعمال قواعد الشورى الحقيقية لا الشكلية وهو ما يفضي نهاية المطاف إلى انهيار شبكات المصالح التي تضمهم .
– تعمد الدولة العميقة إلى قيادة “التنظيم” و “الجماعة” بطريقة أبوية، فهم أهل الفهم والثقة والكفاءة! هم الربانيون الذين أوتوا نصيباً من العلم! هم المؤهلون لحفظ كيان الجماعة والتنظيم! بل كثيرا ما اجتهدت الدوائر المحيطة بهم والمستفيدة منهم في ترويج قصص أقرب ما تكون إلى الأساطير عن قدراتهم الخارقة والتي اتضح لاحقاً أنها لم تكن سوى مجموعة من الأكاذيب الممنهجة، والعجيب أن كثيراً من هؤلاء لديه قناعة وصلت إلى حد اليقين بأن غيابهم عن مركز القيادة يعني أفول شمس التنظيم والجماعة، لذا تم استبعاد أجيال بأكملها لصالح قيادات بلغت من العمر أرذله وهي تظن أنها تملك القدرة الذهنية والبدنية، ما أدى إلى نتائج كارثية فيما بعد.
الدولة العميقة داخل الحركة الإسلامية ليست نسج خيال، بل هي حقيقة يدركها الجميع داخلها، وقد لعبت دورا كبيراً في إجهاض الثورة المصرية عبر مجموعة من القرارات الكارثية، وعدم إدراك لطبيعة الثورة وتحدياتها الكبرى التي كانت توجب عليها أن تترك القيادة لجيل أكثر شبابًا وحيوية لديه القدرة على مد جسور التواصل مع الجميع، ومجابهة الأخطار التي شكلتها الثورة المضادة .
كان يجب على تلك الدولة العميقة أن تنتهز فرصة رحيل مبارك لترحل هي الأخرى بكل هدوء، لتترك جيلا جديدا يقرر مصيره ويرسم مستقبله ويخوض التحدي .
لكنها قررت البقاء .. فكانت المأساة …
المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه