سليم عزوز يكتب: لماذا يهاجمون الرئيس مرسي إلى الآن؟

*سليم عـزوز
شغلني هذا السؤال: لماذا لم يتوقف من شكلوا غطاء ثورياً للثورة المضادة في 30 يونيو 2013 وما قبل هذا اليوم، عن الهجوم على الرئيس محمد مرسي إلى الآن، رغم مرور عامين ونصف العام على عزله بقوة السلاح، واختطافه، ومحاكمته أمام دوائر قضائية غيرعادلة وتفتقد الحد الأدنى للعدالة؟!
يُسأل “علاء الأسواني” عن أحواله الآن؟.. فيقول مرسي!.. ويمن الله على الدكتور “محمد البرادعي” بأن يفتح فمه ليتأكد من قدرته على الكلام بعد طول صمت، فيكون أول الكلام: مرسي، الذي يتدرب “البرادعي” بذكر اسمه على النطق. ويبدأ “باسم يوسف” كلامه وينهيه بمرسي!.
ثلاثي أضواء المسرح يمثلون ظاهرة جديدة في النقد السياسي، عندما يهرب المعارض من الحاضر إلى الماضي، مع أن الماضي لم يشردهم، فقد هاجر “البرادعي”، وخلفه “باسم”، وتبعهما “يسري فودة”، وفي الطريق إليهم “الأسواني”، الذي ضاق به الحال حتى تمنى الهجرة ولو إلى “جزر القمر”.
وبدلاً من أن كان السفر للخارج، قراراً اتخذه الذين رفضوا الانقلاب العسكري منذ البداية، فراراً من نظام عسكري غشوم، يسجن، ويقتل، ويلفق القضايا، وانجازه الوحيد، ومشروعه القومي الذي أثبت فيه “كرامة” يتمثل في زيادة عدد السجون، فإن الهجرة أصبحت قرار الذين أيدوا هذا الانقلاب، وتقربوا إليه بالنوافل، واستخدمهم لقطع المسار الديمقراطي، ممن مثلوا غطاء مدنياً لحكم العسكر!
الأسواني
“الأسواني”، ممنوع من الكتابة ومن الظهور التلفزيوني، على حد قوله، ولم يُمنع في عهد مرسي من الكتابة، فضلا عن أنه كان من نجوم الفضائيات يخرج من قناة إلى قناة ومن أستوديو إلى أستوديو، ومن “الجزيرة مباشر مصر” إلى “أون تي في”، ويكمل المسيرة في اجتماعات وندوات تدعو لإسقاط الرئيس المنتخب، فلما لم تؤوب الجماهير معهم استدعوا العسكر، أو هكذا ظنوا، ولم يكونوا يعلمون أن السيسي هو من يستخدمهم لتحقيق “مناماته”، فقد حلم بأنه أصبح رئيساً للبلاد.. ومع هذا الحصار فإن الأسواني لا يتوقف عن الهجوم على مرسي!
والبرادعي
و”البرادعي”، تحرك ضد الرئيس المنتخب بكل مخزون الغل المحمل به منذ أن كان طفلاً يمارس عليه والده الاضطهاد فأحدث لديه  أزمة في النطق لم يعالج أثارها إلى الآن، لينتقم من الرئيس الذي رفض طلباً أمريكياً بتعيينه رئيساً للحكومة، وقد فاق بعد فوات الأوان فقد كان يريد أن يجعل من الجيش “كوبري” للتمكين، ووسيلة للانتقام، وفي الوقت الضائع اكتشف أنه كان “كوبري” للسيسي ليعبر به إلى “مناماته، فقد وظف “البرادعي” دون أن يدري، كل علاقاته الدولية، وثقله العالمي في تمكين قائد الجيش المتمرد من أن يكون رئيساً للبلاد، وبعد أن فاق على الخديعة فإنه يترك كل هذا ولا يشفي من مشكلات النطق، إلا وهو يهاجم الرئيس محمد مرسي، وعندما يتطرق للأوضاع الحالية وللحاكم الذي يحكم بالحديد والنار، فإذا هي همهمات وكلمات تائهة في المجال الجوي، تحتاج إلى من يلتقطها كلمة كلمة، ويقوم برصها ثم يستدعي أساتذة علم التأويل، للوقوف على ما ترمي إليه!
وباسم يوسف
و”باسم يوسف”، الذي تحققت نجوميته في ظل ديمقراطية الحكم المنتخب، وعندما كانت السماء هي سقف الحرية في مصر، ووصل به الحال حد التطاول على الرئيس، والعمل على إهانته، ولم يمكن من مجرد الهجوم على من هم حول السيسي، ثم أوقف برنامجه، ولم يجد بداً من الهروب للخارج، فلم يستطع العودة لتشييع جنازة والده وتلقي العزاء فيه وهو ابنه الوحيد، ومع هذا عندما يبدأ مقطوعاته الشعرية، يكون بهجاء محمد مرسي، ولضيق الوقت المحدد له، لم يحدث مرة أن تمكن من هجاء السيسي أو حتى نقده!
ويسري فودة
و”يسري فودة”، الذي كان نجماً يُحتفى به في فضائية “نجيب ساويرس”، “أون تي في”، وحول برنامجه إلى منصة لإطلاق الصواريخ على الحكم المنتخب وعلى الرئيس مرسي، تم وقف برنامجه في العهد الجديد والحكم التليد الذي ساهم في مجيئه، ومع ذلك لا يزال مرسي هو الشخص الوحيد الذي يتأكد “يسري” من الهجوم عليه من أن لا تزال لديه القدرة على أن ينتقد وأن يهجو، وللشهادة لله فقد جرب أيضا قدراته هذه في الهجوم على مذيعة قناة “النهار” ريهام  سعيد، وقد استعرض ضدها “عضلاته اللغوية”، وكان يمكن أن يستخدمها ضد السيسي وعلى وعد بأنه لن يمسه السوء، لأن السيسي لن يفهم ما يقول، ولكن من الواضح أن “يسري” شعاره: “من خاف سلم”!
التورط في خيانة الثورة
عذراً، فقد بدأنا بثلاثة، وفي الطريق تحولوا إلى أربعة، ويمكن أن يصبحوا خمسة أو ستة، أو عشرة، أو عشرين، فلا تعنينا هنا الأسماء بذاتها، ولكن تشغلنا الظاهرة، عندما نكتشف أنه رغم مرور عامين ونصف العام على اختطافه وعزله، فلا يزال مرسي هو الموضوع عندهم.
قبل أن أقلب الموضوع على كافة الوجوه، كنت أعتقد أن مرد هذا إلى أن حالة الخوف تتملكهم فلكي يمررون كلمة، أو جملة، أو شطر تويته، ضد نظام السيسي، فلا بد أن يهاجموا مرسي قبل الأكل وبعده. وقد يكون هذا صحيحاً، وأن الخوف من حكم لا يرقب في الناس إلا ولا ذمة، هو السبب في مواصلتهم الهجوم على الدكتور محمد مرسي إلى الآن، لكن الصحيح أيضاً، أن هذا ليس كل الموضوع!
لقد تورط هؤلاء في خيانة الثورة، وتعروا أمام الرأي العام، الذي كان ينظر إليهم على أنهم “أصحاب مبادئ”، فإذا بالأيام تثبت أنهم كانوا يخفون في أنفسهم ما الله مبديه، في رحلة بحثهم عن سفر قاصد وعرض قريب!
كانوا يقدمون أنفسهم على أنهم ضد الاستبداد فإذا بهم يسقطون رئيساً ديمقراطيا منتخباً، ويأتون بحكم تفوق على جميع الطغاة الذين حكموا مصر.
وكانوا يهتفون بسقوط حكم العسكر، وإذا بهم  يساهمون في مجيء حكم عسكري غير مسبوق في تاريخ البلاد، وصل الحال به، إلى السيطرة على البر والبحر، ومن الاستحواذ على رسوم التحرك في الطرق، إلى إنشاء شركة لتربية أسماك التونة، وهو الحكم الذي انتقل بالجيش إلى أن يصبح أداة الحكم الوحيدة، فإن اضطر للاستعانة بمدنيين في أي منحى من مناحي الحياة، فعلى قواعد استخدام المجندين “عساكر مراسلة” للسادة الضباط!
كانوا ضد مبارك الذي أمات السياسة، فإذا بمن أيدوه يبعد السياسة عند المجال العام تماماً، ويعيد دولة مبارك بكل رجالها، وشخوصها، وفسادها، وانتهاكها لحقوق الإنسان!
كانوا يقولون أنهم ضد مبارك لأنه أقام دولة الفساد، فإذا بالفساد بحسب تقارير جهاز رقابي رسمي تبلغ فاتورته 600 مليار جنيه، عداً ونقداً!
دولة مبارك التي لفظتهم
وفضلا عن هذا فالحكم، الذي لم يكن لديهم ما يمنع من الاستمرار في تأييده، بعد أن تبدت لهم سوءاته، هو الذي لفظهم ولم يبادروا هم بلفظه، وإذا كان “البرادعي” بعد فض “رابعة” و”النهضة”، خاف على سمعته الدولية، وعلى جائز نوبل، فاستقال وغادر، فإن مجزرة أخرى ارتكبت في عهده “نائباً للمؤقت” ولم يدنها ولم تؤرقه هي مجزرة الحرس الجمهوري!
وإذا كان “الأسواني” والذين معه لم يؤرق وجدانهم هذه الجرائم، لأنهم رأوا أن عزتهم قد تكون في دولة مبارك التي عادت بهم، وهناك أدباء وإعلاميون تمكنوا من مواقعهم الأدبية والإعلامية بقربهم من السلطة، فقد كانت المفاجأة أن دولة مبارك هي التي لفظتهم، فقد كانت تريدهم كما كتبت في بداية الانقلاب، لمسافة السكة، وإلى أن تعود، وقد عادت، فلم تنس لهم، ولم ينس لهم السيسي نفسه، مشاركتهم في ثورة يناير التي حملت الأب الروحي لهم وهو حسني مبارك على التنحي!
لقد خسروا الجلد والسقط وانتهوا تماماً، فلا طبقة الحكم قبلتهم، ولا طبقة المعارضة والنضال السياسي نسيت لهم ما فعلوه في حق الثورة، وإذا كان “علاء الأسواني” استمد حضوره وتوهجه، من موقع “المناضل السياسي”، وهو الموقع الذي استمد منه مكانته الأدبية عالمياً، فقد خسر كل هذا الآن، ولا ننسي أنه استخدم “التلسين السياسي” على نظام مبارك في روايته “عمارة يعقوبيان” وربما راجت لوجود شخصية أحد مراكز القوى في نظام مبارك فيها هو “كمال الشاذلي”، أو “كمال الفولي” كما في الرواية، وهو رجل كان فوق النقد، وربما لم يكتب ضده هجوماً سوى ثلاثة من الكتاب أزعم أنني أحدهم، وعندما يتم “التلسين” عليه في رواية، فإن هذا كاشف عن نضال صاحبها، وغفر له الناس هذه “المباشرة” التي تتعارض مع قواعد الكتابة الأدبية.
إرباً.. إرباً
لم يكن “الأسواني” هو “نجيب محفوظ”، الذي قبل الناس أدبه “عال الجودة”، وتجاهلوا مواقفه السياسية المستأنسة في العلاقة بالسلطة، أو المخالفة للإجماع الوطني في موقفه من إسرائيل. فالأسواني تم أخذه “جملة” وليس “قطاعي”، ويُرفض الآن “جملة”، وهذا ينطبق على الآخرين، فلو ظل “يسري فودة” هو المذيع الذي عرفه المشاهد في برنامج ” سري للغاية” على قناة “الجزيرة”، صاحب الموهبة المتوهجة، لحافظ على مكانته، لكنه قدم نفسه بعد الثورة على قواعد الزعيم السياسي.
وهذا الكلام يسري على آخرين، كانوا كالمُنبَت الذي لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى، فلا طالوا بلح اليمن ولا حافظوا على عنب الشام، وعندما ينظر كل منهم على مستوى الخسارة، فإن هذا يبرر استمرارهم في الهجوم على مرسي، الذي مزق البلد إرباً، إرباً، على حد تعبير “البرادعي”، وإن كنت لا أعرف من أوحي له بـ “إرباً” هذه؟!، فالشح اللغوي المطاع الذي يعد من خصاله، لا يمكن أن ينتج “إرباً، إرباً” البتة.
هم يريدون بالتركيز على الهجوم على مرسي أن يؤكدوا أن مشاركتهم في إسقاطه كان لها ما يبررها، فاتهم أن الناس كلما مرت الأيام تأكدوا من خطيئة ما جري.
لقد استوت الثورة على الجودي وقيل بعداً للقوم الظالمين.
_________________________________

* صحفي مصري 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه