سر العداء الأوربي لتركيا

قوات تابعة للمعارضة السورية قرب مدينة تل أبيض

ليس بمقدور أوربا فعل شيء لمواجهة التحالف التركي–الروسي الذي أخرجها من المعادلة في سوريا، كما أنها ليس لديها الكثير لتقدمه لعناصر حزب العمال الكردستاني.

مع بداية عودة الهدوء النسبي إلى مناطق الشمال السوري، عقب اتفاق سوتشي الذي وُقع مؤخرا بين كل من أنقرة وموسكو، بشأن إخراج عناصر تنظيم ” قسد” المسلحين من المنطقة، وتسليم أسلحتهم الثقيلة، أطلقت وزيرة الدفاع الألمانية أنغريت كرامب – كارنباور تصريحا مفاجئا، طالبت فيه بنشر قوات دولية لتأمين منطقة شمال سوريا، مؤكدة أن المنطقة الآمنة التي تسعى تركيا لإنشائها ستعمل على تقويض جهود أية قوة دولية بما فيها القوات الأوربية في الحرب ضد الإرهاب.. 
فيما صادق البرلمان الأوربي تحت الضغط الألماني، على قرار يدين عملية نبع السلام، كونها ألحقت أضرارا بأمن واستقرار المنطقة، وجاءت مخالفة للقوانين الدولية، منددا بالوجود التركي في المنطقة الآمنة، ومطالبا مجلس الأمن بإصدار قرار يقضي بإنشاء منطقة أمنية في شمال سوريا بموجب تفويض من الأمم المتحدة، ومهددا بفرض عقوبات جديدة على تركيا، وداعيا المجتمع الدولي إلى العمل على إجراء تحقيق حول ما سموه ” انتهاكات تركية بحق المدنيين”. 

التصريح الغريب

السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان يدور حول الأسباب التي دعت الوزيرة الألمانية فجأة إلى إطلاق هذا التصريح الغريب في مثل ذلك التوقيت تحديدا، والذي لا يقل غرابة عن التصريح بحد ذاته؟! وذلك بعيدا عن أن نبع السلام تمت وفقا للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تمنح حق الدفاع المشروع عن النفس، والقرار رقم 2254 الصادر عن مجلس الأمن بشأن مكافحة الإرهاب في سوريا، وهو ما أقرت به كل من المنظمة الدولية في تصريحات لأمينها العام، وكذلك الولايات المتحدة.. 

والتأكيدات التي صدرت من المسؤولين الأتراك باتخاذهم كافة التدابير اللازمة لحماية المدنيين وعدم إلحاق الضرر بالبنية التحتية خلال العمليات التي استهدفت معسكرات ومخازن الذخيرة ومخابئ العناصر المسلحة. 
والرفض المطلق الذي قوبل به المقترح الألماني من جانب روسيا التي طالبت كافة الدول الأجنبية بالخروج على الفور من الأراضي السورية.

أوربا والتنصل من مسؤوليتها

المدقق في الأمر يجد أن تصريح الوزيرة الألمانية جاء في أعقاب تنصل دول الاتحاد الأوربي من استلام مواطنيها الذين سبق لهم الانخراط في القتال ضمن صفوف تنظيم الدولة ( داعش)، حيث تم إلقاء القبض عليهم، وإيداعهم في سجون كانت تسيطر عليها قوات قسد بالشمال السوري، ومع خروج تلك القوات من المنطقة بدأت تركيا سلسلة من الاتصالات مع الدول التي ينتمي إليها هؤلاء لاستلامهم ومحاكمتهم على ما اقترفوه من جرائم بحق الإنسانية، إلا ان الرفض كان الجواب الذى تلقته أنقرة، من كل من ألمانيا وفرنسا وهولندا، وهو الأمر الذي يعني أن أوربا ليست مستعدة لتحمل مسؤولياتها في الحرب ضد داعش، وأنها ترغب في إيجاد بديل دولي لها يتحمل عنها عبء تلك المسؤولية، وهو أحد الأسباب الهامة التي تقف وراء ذلك الموقف الألماني.

ألمانيا واللعب في الوقت الضائع

إلى جانب أن الحكومة الألمانية تحديدا، والتي يبدو أنها استفاقت من سُباتها على وقع الاتفاق التركي – الروسي، أدركت فجأة خطورة هذا الاتفاق على الدور الأوربي في الأزمة السورية، مما دفعها بحكم كونها اللاعب الرئيس داخل الاتحاد الأوربي إلى القيام بمحاولة تخفيض حجم الخسائر الأوربية التي يسببها  هذا الاتفاق، نتيجة تقاعسها عن المشاركة بفاعلية في التوصل إلى حلول سياسية منطقية للأزمة السورية، خصوصا بعد أن تخلت الولايات المتحدة الأمريكية أو كادت عن دورها في هذه الملف، وإحجام حلف الناتو عن المشاركة فيه بأية صورة من الصور، الأمر الذي ترك الساحة في الشمال السوري خالية تماما أمام كل من روسيا وتركيا. 

بينما اكتفت أوربا خلال الفترة الماضية بلعب دور المتفرج على التطورات المتلاحقة التي تشهدها الأزمة السورية، ووضعت جل تركيزها في ملف اللاجئين خشية تدفقهم عبر الحدود التركية إلى داخل دول الاتحاد الأوربي، الأمر الذي من شأنه يسبب إزعاجا لمواطنيها من الأوربيين!!

أوربا وهزيمة العمال الكردستاني

ويمكننا أن نفهم بشكل أعمق أحد الأسباب الأخرى وراء ذلك الموقف الأوربي إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الدعم المطلق الذي تقدمه أوربا عموما لعناصر تنظيم حزب العمال الكردستاني المسلحة وقياداتها، المطلوبين أمنيا من جانب الدولة التركية، والسماح لهم بممارسة أنشطتهم على أراضيها، من إقامة المؤتمرات الجماهيرية إلى تنظيم التظاهرات أمام مقر البرلمان الأوربي، الذي يشارك بعض أعضائه في تلك الفعاليات كناية في تركيا، مع التأكيد الدائم على أن تنظيم حزب العمال الكردستاني لا يُشكل خطرا على الاتحاد الأوربي. 
حزن أوربا على ما تلقاه التنظيم من هزيمة في نبع السلام وتعاطفها معه، استدعى قيامها بالعمل على مواساته، والتخفيف عنه، عبر رفع صوتها بالتنديد بالعملية العسكرية التي أصبحت في حكم المنتهية فعليا، مع إعادة الحديث مجددا عن ملف حقوق الإنسان في تركيا، ومشاكل الأكراد داخلها، والمطالبة بمنع سيطرة تركيا على المنطقة الآمنة. 

الخوف من مغامرة غير محسوبة العواقب

إلا أن المسؤولين الأوربيين نسوا أو تناسوا في خضم حماسهم لإدانة تركيا، صعوبة تحمل دولهم لتبعات المشاركة في أي معارك من شأنها تعريض حياة جنودهم للموت في هذه المنطقة من العالم، الأمر الذي لن يغفره لهم ناخبيهم، الذين سيحاسبونهم على ذلك في أول انتخابات يمكن أن تجري في أية دولة من دول الاتحاد، وهذا هو العائق الذي يكبل أيدي سياسي أوربا جميعهم، ويمنعهم من التفاعل مع الأحداث والتطورات على الساحة السورية خشية هزيمتهم السياسية نتيجة اقدامهم على مغامرة غير محسوبة العواقب. 

أوربا والخروج من المعادلة السورية

الأمر الذي يعني أن أوربا ليس بمقدورها حقيقة فعل شيء لمواجهة التحالف التركي – الروسي الذي أخرجها من المعادلة في سوريا، كما أنها ليس لديها الكثير لتقدمه لعناصر حزب العمال الكردستاني في ظل استمرار التهديدات التركية بفتح الحدود أمام اللاجئين والمهاجرين السوريين للتوجه صوب الأراضي الأوربية إذا استمرت مواقفها العدائية ضد تركيا. 
 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه