سجن الوزير الأول الجزائري.. نهاية سارة لـ”رجل المهام القذرة”

أمر قاض في المحكمة العليا بالجزائر بإيداع رئيس الوزراء السابق أحمد اويحيى الحبس المؤقت بعد التحقيق معه في قضايا فساد

رغم إصرار الحراك الشعبي في الجزائر على رفض عرض السلطة الفعلية مقايضة مطلب تنحية رموز نظام بوتفليقة وتغيير النظام، بملف محاربة الفساد، فإن اعتقال الوزير الأول السابق أحمد أويحي صنع الحدث في البلاد، واستأثر باهتمام الجميع.
مبدأ “الامتياز القضائي” المتضمن في قانون العقوبات للشخصيات السامية لم يشفع للوزير الأول، ولم يحصنه من التدرج نحو قاضي التحقيق بالمحكمة العليا الذي أثبت أن ثمة ما يقتضي الاتهام والمتابعة فأمر بإيداعه الحبس المؤقت بسجن الحراش أشهر السجون الجزائرية المخصصة لمجرمي القانون العام.
أحمد أويحي الذي تداول على الوزارة ورئاسة الحكومة ثم الوزارة الأولى على مدى ربع قرن، هو أول رئيس حكومة سابق يودع الحبس المؤقت. أويحي رجل المهام القذرة، كما كان يصف نفسه، متابع في تهم فساد ثقيلة تتعلق بتبديد أموال عمومية وإساءة استغلال الوظيفة ومنح منافع غير مستحقة خارج القانون.

سجن أويحي حدث غير مسبوق

إيداع أويحي السجن ورغم أنه ضمن الحملة الثالثة من الاعتقالات، فإنه كان الأثقل وقعا والأكبر تأثيرا على الرأي العام الوطني، والأكثر ترحيبا.

فقد سبق أويحي إلى السجن في الخامس من مايو/أيار الماضي، من أسماهم قائد الأركان رؤوس العصابة: شقيق الرئيس السعيد بوتفليقة ورئيس المخابرات السابق الجنرال طرطاق، والأسبق الجنرال توفيق بتهمة “المساس بسلطة الجيش.. والمؤامرة ضد سلطة الدولة”، ثم بعد أربعة أيام ضُمت إليهم رئيسة حزب العمال لويزة حنون وبالتهم نفسها.
 بعد ذلك اعتقل تباعا جمع من “رجال الأعمال” المنتفعين من حكم بوتفليقة: علي حداد ويسعد ربراب والإخوة كونيناف ومحي الدين طحكوت بتهم مختلفة.
وتبقى قائمة المسؤولين المحتمل إيداعهم الحبس طويلة على ضوء الاستدعاءات الموجهة لعدد من المسؤولين السابقين على  رأسهم الوزير الأول الأسبق عبد المالك سلال الذي تحوم حوله جملة من التهم والشبهات بالفساد والاختلاس والمحاباة، إلى جانب عديد الوزراء والولاة المتهمين بالتورط في قضايا فساد مشابهة.

وبالنظر لقرارات المنع من السفر التي طالت مجموعة كبيرة من رجال الأعمال والمقاولين المحليين عبر الوطن.

المسؤول الأكثر مقتا لدى الجزائريين 

ويُعد أويحي المسؤول السامي الجزائري الأكثر مقتا في الأوساط الشعبية نظرا لحجم الألم الذي سببه للجزائريين والظلم الذي سلطه على الكثير منهم.
الرجل الذي ساهم في تنفيذ كل السياسات وفي مختلف المراحل من الحل بالحرب وسياسة الاستئصال أثناء الحرب الأهلية في العشرية الحمراء، إلى ما يسمى المصالحة الوطنية مرورا بما عرف بالوئام المدني، اقترف من التجاوزات في حق الجزائريين ما تشيب له الولدان.
رئيس الحكومة أثناء حكم الرئيس زروال في التسعينيات متهم بتخريب الاقتصاد الوطني وتصفية المؤسسات الاقتصادية وبيعها بالدينار الرمزي، وظلم الإطارات أثناء ما عُرف بحملة الأيادي النظيفة التي سجن على إثرها أكثر من ثلاثة آلاف وستمائة إطار جزائري ظلما وبهتانا وفقّر عائلاتهم وشرّد أبناءهم. 
كما استغل الرجل منصبه ليقترف العديد من الجرائم في حق الجزائريين، منها اقتطاع أيام من أجرة الموظفين عنوة، وفرض جملة من الرسوم على الجزائريين، ليختمها بطبع النقود بكميات كبيرة دمرت الاقتصاد الوطني تدميرا شاملا.. ولعل نظرته الدونية للجزائريين وازدراءه لهم لا سيما عندما صرح بأنه ليس ضروريا أن يأكل كل الجزائريين علبة زبادي، وعبارته المهينة “جوع كلبك يتبعك”، سبب له مقت الجزائريين وكرههم الكبير لشخصه، ما يفسر نشوتهم غير المسبوقة وفرحهم باعتقاله وإيداعه الحبس، واستقبال خبر سجنه بالتكبير والتهليل والزغاريد.

نهاية حلم قصير.. وبداية كابوس طويل
 

أويحي كان يراوده الحلم بأن يصبح رئيس الجمهورية خاصة عندما كان رئيس المخابرات الأسبق الجنرال توفيق يذبح بالريشة، فقد كان يُقَدّم على أنه دلفين المؤسسة العسكرية. وحتى بعد إصابة بوتفليقة بالجلطة الدماغية انتعش حلمه من جديد واعتقد أنه أصبح قاب قوسين أو أدنى من كرسي المرادية، ليعصف الحراك الشعبي بكل أحلامه وطموحاته ويتحول حلم الرئاسة إلى كابوس في زنزانات سجن الحراش سيئ السمعة.
وبقدر ما أثلج حبس أويحي قلوب الجزائريين بقدر ما أثار مخاوفهم من أن تكون هذه المتابعات بالجملة لعدد كبير من رموز الفساد والفتنة في الجزائر حملة ظرفية كسحابة صيف..  على غرار ما حدث من تجارب ليست بالبعيدة في بعض الدول العربية
يتوجس كثير من الجزائريين المتحمسين منهم لخطوات قائد الأركان أو المتحفظين على حد سواء من تكرار النموذج المصري في محاسبة المفسدين وسط صخب كبير وإدانات سارة تشفي الغليل، ثم سرعان ما ينقشع غبار الصخب ويتلاشى الحلم وتسقط التهم تباعا لغاية البراءة الكاملة وكأن شيئا لم يكن، كما حدث مع الرئيس المخلوع حسني مبارك وأبنائه، وأتباعه ورجال أعماله، ومقربيه.

توجسات وشكوك تسندها الوقائع

وتتعاظم مخاوف الجزائريين كلما لاحظوا أن العدالة التي كانت تتستر على الفساد والمفسدين أمس، وتجرم  – بالإيعاز – كل من يتجرأ على فضح الفساد أو تقديم شكوى بذلك بحجة الإساءة للكفاءات الوطنية، هي نفسها التي تحاكم المفسدين اليوم وبالطريقة نفسها.. مشهد قديم لم يطرأ عليه أي تغيير يثير كما كبيرا من القلق.
ويتساءل الكثير من الجزائريين عن سر تمتع الكثير من الأسماء التي لا تقل فسادا وسوءا عن أترابهم المحبوسين، بحصانة ومناعة غريبتين..

فالكثير من المسؤولين مسؤولية مباشرة عن تدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية للبلاد، والمتهمين بالنهب في فترات سابقة من المقربين من العصابة، ظلوا خارج دائرة الشبهات أو المتابعات القضائية يتمتعون بحماية تجعلهم في منأى عن حملة متابعة الفساد، وهذا ما يعتبره المتوجسون مدعاة للتشكيك في النوايا وعدم الإفراط في التفاؤل والحلم بقيام دولة الحق والقانون.
يخلص المتشائمون إلى الاعتقاد بأن حملة الاعتقالات والمتابعات على أهميتها والترحيب الذي حظيت به من لدن الجزائريين حملة أكثر منها سير للعدالة في مجراها، وليست ظاهرة صحية ولا تؤشر على تحرر العدالة من التوجيهات بالإيعاز والمهماز بقدر ما هي استثناء فرضته ضغوط وتطورات ظرفية، لكنها تبقى مؤهلة لتكون بداية جنينية لميلاد دولة القانون كلما كانت النوايا جادة والإرادات صادقة.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه