سامي كمال الدين يكتب: لماذا أكتب؟!

هيكل برمزيته ومكانته التي صنعها لنفسه، والتي يعرفها كل من مارس العمل الصحفي جعل الاقتراب منه، يبدو جادا ورزينا، لم يخلو في بعض منه من سخرية وبعض الضحك. يتبع

                           سامي كمال الدين*

كنت دائما أردد مع ألبرتو مورافيا ” إنني سمكة وحشية تعيش داخل قارورة حبر”، هذه أيام الحبر والدواة وألبرتو، لكن منذ وصل السيسي إلى حكم مصر، وشهيتي إلى الكتابة تتراجع، ربما إلى الحياة نفسها، لم تعد للكلمة طازاجتها، ولا للجملة جرسها الموسيقي المتراقص فوق الصفحات.

ليس لدي تفسير حقيقي أمام مرحلة مرتبكة في تاريخ الوطن، وأعلم أن مقاومة الاستبداد لها عدة أدوات منها المقاومة المسلحة، وهي خارج رؤيتي، ومنها المواجهة عبر التظاهر في الشوارع والميادين، وهو ما لم أعد امتلكه، لأني خارج وطني ” مؤقتا”، ومنها عبر شاشات الفضائيات التي تصل لأقصى عشة مختبئة في أقصى الدلتا أو الصعيد، وهذا أمارسه كلما وجدت لدي ما أعتبره مفيدا للناس وللثورة، مؤمنا بقول الأستاذ محمد حسنين هيكل” لأن يسأل الناس لماذا لا يكتب فلان، خير من أن يسألون لماذا يكتب”ربما سقوط قيمة الكاتب في عيني ، ومساندته للاستبداد، وصمته عن قتل أبناء الشعب المصري أفقدني شهوة الكتابة وجماليتها، فقد شاهدت الأستاذ هيكل، وقد تحول إلى آلة لمساندة الأستاذ عبد الفتاح السيسي في وصوله إلى حكم مصر، بأنه الرئيس الضرورة، والرجل الأسطورة، وهو من سيعيد تاريخ ومجد جمال عبد الناصر.

النار المقدسة
وكان هيكل بالنسبة لي النار المقدسة والكاتب السياسي الخصوصي لحضرتنا منذ تعلمت قراءة الكتب، ثم اقتربت منه حين أراد عمل مدرسة لتعليم النشء الصحافة من جديد، فظللنا فترة طويلة في محاضرات ونقاشات معه في مبنى القرية الذكية، وانتقلنا بعد ذلك معه إلى مبنى الجامعة الأمريكية في القاهرة، ثم إلى لندن، وكنت فخورا حين كان الصحفيين البريطانيين يردون على سائلهم: هؤلاء جاءوا من مصر عبر مؤسسة الأستاذ محمد هيكل، فاسم هيكل كصحفي مصري معروف عالميا يخلق داخلك نشوة بالفخر، ثم بيني وبين الرجل لقاءات وزيارات وأسئلة، فقد كنت دائما وأنا غر صغير غرير (!) أحرص على الاقتراب  من شيوخ المهنة، مثل محمود السعدني وكامل زهيري ومحمد عودة وطوغان وخيري شلبي … إلخ.
لكن هيكل برمزيته ومكانته التي صنعها لنفسه، والتي يعرفها كل من مارس العمل الصحفي جعل الاقتراب منه، يبدو جادا ورزينا، لم يخلو في بعض منه من سخرية وبعض الضحك، أيضا موقف هيكل العظيم من ثورة 25 يناير ، وحديثه المطول في صحيفة الشروق، ثم كتابه الصادر بعد ثورة يناير 2011 من ثلاثة أجزاء عن مصر من أين وإلى أين وعلى فين(!) جعلتني أظن بأنه لن ينحاز إلى انقلاب عسكري!

فهل سقوط رمزية الكتابة ممثلة في هيكل، جعلتني أنصرف عن الكتابة، كما انصرف هو، وأعلنها في أهرام ابراهيم نافع ذات عام؟!

خادم مطيع
سقوط رمزية الكتابة في صلاح عيسى أيضا كانت علامة وعاملا هاما، فقد تربيت على كتبه من ” مثقفون وعسكر” إلى ” تباريح جريح”، وعايشت أيامه في الزنازين عبر كتبه، وعملت معه في صحيفة القاهرة، وعلى الرغم من معرفتي بقصة المجلة التي تحولت إلى صحيفة، وكيف تدخل لدى الوزير الفنان فاروق حسني(!) و” نتر” صهره رجاء النقاش رحمه الله، وتولى رئاسة تحرير الصحيفة بدلا منه بعد صدور عدد تجريبي عليه اسم رجاء النقاش، أقول رغم هذه النذالة، لم أتوقع أن يبيع صلاح عيسى قلمه وتاريخه السياسي والصحفي ضد العسكر ويتحول إلى خادم مطيع لهم!

ربما صرفني عن الكتابة صدمتي في الصديق د علاء الأسواني في دعمه للقتل والفض بشكل همجي، وتأييده للسيسي بهذا الشكل المخزي، وتصويره بأنه ايزنهاور، وعلاء يعرف جيدا أن ايزنهاور قاد حربا كونيه لصالح بلاده!
رغم كل شيء تبقى المقاومة بالكلمة النجمة الكهربية التي تلمع وسط الضباب، أو هي حسب قول محمود البدوي في نهاية إحدى قصصه – عامل المطبعة- الذي أصابه العجز والوهن في ظل سيطرة القهر: ” وكان يعرف أنه الضوء الذي يبقى حين تطفئ جميع المصابيح. فظل يعمل ويعمل”.

لماذا أكتب؟!
كان هذا هو السؤال الأكثر الحاحا، بعد هذه الدعوة الكريمة للكتابة في موقع الجزيرة مباشر، وقد كتبت فيه قبل ذلك مقالات متفرقات، بعد أن كنت أكتب باستمرار في موقع مصر العربية ، وأنا داخل مصر بعد 30 يونيو/حزيران 2013 وكنت أنقل ما أراه في مظاهرات رابعة والنهضة والفتح ورمسيس، وقبل ذلك في المصري اليوم بعد ثورة يناير، وقبلها في ” المصريون” منذ عام 2008 قبل أن تتحول إلى صحيفة ورقية، وكانت تتوالى كتبي إلى المطابع حتى وصلت لأكثر من عشرة كتب فلماذا لا أكتب الآن؟!
قد يكون إقبال القارئ على الكتابة لم يعد كما كان، وقد تحول إلى قارئ عجول ، ربما لا يتوقف طويلا أمام ” بوست” طويل على الفيسبوك، يهتم بقراءة 140 حرفا في تويتر، ربما تحولت أنا بفعل السوشيال ميديا إلى كتابة النفس القصير.
لا يوجد كاتب لا تؤثر فيه العوامل المحيطة به، من مجتمعه، والنظام الذي يحكم، والمناخ الموجود، فكيف تكون كاتبا في ” شبه دولة”؟ هذا هو السؤال المحير. لكن دفقة الكلمات المتناثرة من بين أصابعي، والتي جعلتك تستمر في القراءة حتى هذه الجملة التي أكتبها الآن تحرضني أكثر على أن أكتب.
سأكتب لأجلي ولأجلك، ولأجل الكتابة، في محاولة لاستعادة قيمة الكاتب وقيمة الكلمة.
سأكتب.. لأحيا.
____________________

* كاتب وصحفي مصري

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه