سامية علي تكتب من الهند: إنهم يقدسون “أميتاب باتشان”

ذهبت معهم لمحاولة فهم الهندي في رؤيتة للممثل وكيف سنفهم قصة الفيلم من دون فهم لغته؟ ذكرني الحال بالشيخ حسني في فيلم الكيت كات “أعمى يمسك بيد أعمى”.. يتبع.

سامية علي*

كنت في طريقي لزيارة بعض المعالم السياحية بمدينة بانجالورمع مجموعة من الأصدقاء الهنود، عندما طلبوا أن يتوقفوا قليلا أمام أحد ستديوهات التصويرالسنيمائي لرؤية نجمهم  المفضل، فوافقت اعتقادًا أنني سأري أحد نجوم هوليوود.
عندما دخلنا وقفوا أمام قبر محاط  من كل الجوانب بصور لممثل قديم ، فسألتهم من هذا؟ قالوا إنه “فيشنو فاردان” النجم  المفضل لدينا رحل عن عالمنا في 3 من ديسمبر/كانون الثاني  2009  وتم حرق جثته  في ستوديو “أبهيمان” الذي يقع علي الطريق من مدينة  بانجالور إلي مدينة ميسور.
وعندما سألت عن سبب دفنه في هذا المكان، قالوا: إن معظم أفلامة تم تصويرها هنا لذالك تم دفنه في هذا الموقع.
وقالوا لي أيضا إنه عندما توفي أعلن رئيس وزراء كارناتاكا السيد “يودي يورابا” أن الدولة سوف تخصص فدانين من الأراضي و 10 كرور من الروبية، لبناء نصب تذكاري تخليدا لذكري الفنان الراحل، والكرور يساوي عشرة ملايين روبية.
وكانوا يتحدثون بغضب عن أن الحكومة أهملت المكان ولا تعطي تقديرا لازما لممثل يستحق أكثر من هذا.
فتساءلت باستغراب وما دخل الحكومة بممثل من ضمن آلاف الممثلين لديكم ؟ قالوا الممثل لدينا يشبة الإله حتي أن لدينا معابد للممثلين من أجل عبادتهم !!
معابد للممثلين؟ !
مرحبا بكم في بلد الخرافات والأساطير، الأرض التي تحمل أسراراً بمثابة مفاجآت للعالم كل يوم، والعجيب أن الخرافات هنا تقابل بحماسة شديدة وتقديس بالغ.
إقامة معبد لممثلي السينما، ليس من أجل تكريمهم، لكن بغرض العبادة، هو شيء خارج عن الصواب وخارج حدود العقل. وقد قرأت مرة أن أحد معجبي “مادري ديكسيت” اقترح تقويما تبدأ فيه السنة بيوم ميلادها، وطالب الحكومة بإعلان هذا اليوم عطلة رسمية. وهذا في الهند يسمي عبادة أبطال ممثلي السينما، فالناس يعشقون الممثلين ويعتبرونهم قدوة لهم وملهميهم أيضا.
إن فكرة بناء المعابد ليست هوسا قاصراً علي المعجبين، لكن بعض الممثلين أيضا لديهم نفس الهوس، فقد قرر الممثل والمخرج “راجيف لورانس” بناء معبد لأمه في مسقط رأسها في ولاية تاميل نادو.
وقال “راجيف لورانس” إنه كان  يحلم ببناء معبد  لها وهي علي قيد الحياة لأنه في هذا العالم بسببها، وهو يهدي هذا المعبد لجميع الأمهات الذين يضحون بحياتهم من أجل أولادهم.
الاعتقادات في الهند، أو بلد العجائب كما أحب أن أسميها، هي واحدة من أكبر القوى التي تقود البشر هناك، وغالبية المعتقدات ليست تقليدية.
وربما السبب في عبادة الممثلين أن الهند مليئة بالفقر والفساد والتدهور، ولا أحد يفعل شيئاً إيجابياً لحل المشكلات، والجميع يتمني أن يكون مثل نجوم السينما.
قبل أسبوع دعاني بعض الأصدقاء إلي السينما لمشاهدة فيلم لنجمهم المحبوب، فسألتهم بأية لغة هذا الفيلم؟ قالوا “بالتيلوغو”. والتيلوغو هي اللغة الرسمية في ولاية أندرا برديش في جنوب الهند.
قلت لهم: لكنكم لا تتحدثون التيلوغو، لأن لغتهم الرسمية في ولاية كارناتاكا هي الكانادية. فقالوا لي: اللغة ليست مهمة، المهم هو الممثل.
ذهبت معهم لمحاولة فهم عقلية الهندي في رؤيتة للممثل، وكيف سنفهم قصة الفيلم من دون فهم لغته، ذكرني الحال بالشيخ حسني في فيلم الكيت كات “أعمى يمسك بيد أعمى أخر” .
الفيلم يحمل اسم “بروس لي المقاتل” وفيه قصة البطل الخارق للعادة الذي لايهزم أبدا، وعندما يأتي مشهد يضرب فيه البطل أحدهم، يصفق الناس بحرارة ويرقصون فرحا.
كنت أسمع نقاش الناس خلفي وهم يقولون إن البطل قوي جداً، وإنه هو مثلهم الأعلى ويتمني أحدهم لو كان مثله. وسمعت مبالغات لا تحصى.
كنت أسمع كلماتهم باستغراب، فالفيلم لا يدخل عقل طفل في السابعة من عمره، ناهيك عن قصة الفيلم المكررة، والبطل الخارق للعادة، وخرجت من السينما وأنا مذهولة من عقلية شعب وصل للفضاء ومازال يعتقد أن (الضرب في الأفلام) حقيقة!
ولأن الممثل في نظرهم ليس شخصا عاديا، بل  له مميزات إضافية، فهو يمكن أن يفعل أشياء لا يمكن للإنسان العادي أن يفعلها، ولهذا بنوا العديد من المعابد لنجومهم المفضلين باعتبارهم آلهة، فيوجد في كولكاتا معبد السوبر ستار “أميتاب باتشان” وهم ينظرون  إليه كإله وهو الأكثر تبجيلا في الهند ويقيم رئيس الكهنة ـ يوميا ـ الصلوات المخصصة له.
وفي حي كولار بولاية كارناتاكا يوجد معبد للممثل “راجينيكنس” والناس ينتظرون طوال الليل في طوابير من أجل الحصول علي تذاكر لرؤية العرض الأول لأفلامه التي تبدأ في الصباح الباكر، وفي تارونلويلي بولاية تاميل نادو يوجد معبد للنجمه “ناميثا كابو” وناميثا ولدت في ولاية غوجارات، وتحظي بشعبية جارفة.
ألم أقل إن الهند بلد العجائب؟!

_____________________________

*كاتبة مصرية  

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه