رمضان في إسبانيا

يمثّل مسلمو إسبانيا 3 % من مجموع المجتمع الذي يبلغ حوالي 46 مليون ساكن حسب إحصائيات شهر مارس 2015. أي أن تعدادهم يقارب المليون و 700 ألف نسمة.

عبير الفقيه*
يمثّل مسلمو إسبانيا 3 % من مجموع المجتمع الذي يبلغ حوالي 46 مليون ساكن حسب إحصائيات شهر مارس 2015. أي أن تعدادهم يقارب المليون و 700 ألف نسمة ما بين مغاربة (784000) و إسبان (525000)من ذوي الجذور العربية أو الباكستانية، وأيضا إسبان سبتة و مليلة المسلمين. أمّا البقية فمتفرّقة بين مهاجرين مسلمين عربًا و أفارقة و آسيويين. وبعض معتنقي الإسلام من أصل اسباني “أباً عن جد”، وعددهم لا يتجاوز إجمالا ألف شخص.

وإذا ما اتّبعنا انتشار المسلمين بالمقاطعات الإسبانية فأرقام ” اتحاد الجالية الإسلامية بإسبانيا” تعتبر “كاتالونيا” المقاطعة الأكثر احتواء لهم بـ 450 ألف شخص تقريبا، تليها الأندلس ب 267 ألف، فمدريد بحوالي 250 ألف، ثم فالنسيا بـ 176 ألف، وأخيرا مورسيا ب 86 ألف مواطن. وتتفرّق البقية على باقي المقاطعات. أمّا باعتبار توزيعهم على المحافظات، فإنّ برشلونة تُعدّ نقطة التّمركز الأولى، وتحديدا ببادالونة، ترّاسة، أوسبيتالات…تليها مدريد ثمّ مورسيا و سبتة و مليلة. و تمتد ساعات الصيام على اختلاف توقيت الشروق و الغروب في هذه المناطق بين 16 و 17 ساعة في اليوم تقريبا.

ارتفاع عدد المسلمين بمقاطعة كاتالونيا على حساب مقاطعة مدريد، رغم اعتبارها عاصمة إسبانيا ، وارتفاع نسبة المهاجرين عموما في كليهما، يعود إلى أن مدريد تستهوي الجاليات اللاتينية أكثر. مع توزيع يكاد يكون معتدلا لبقيّة الجنسيّات. أمّا مقاطعة الأندلس التي تأتي في المرتبة الثانية، فأسباب التمركز فيها يكاد يكون فيها نفسياً اجتماعياً بحتا في جانب كبير منه. فالمسلمون هناك من أصل عربي و أفريقي خصوصاً، يستأنسون جدا بأثر ثمانية قرون من التاريخ الإسلامي على تلك الأرض، و ما يمكن أن يقفوا عليه من بقايا سلوك المسلمين من تقارب. حتى المناخ يكاد يكون مشابها لمناخ دول شمال افريقيا. أمّا واقع الأندلس الاقتصادي، فلا يستهوي حتى الإسبان أنفسهم، إذ تحتوي الأندلس أكبر نسبة بطالة في إسبانيا. ولولا أسر شواطئها، و سحر مزاج أهلها و مواسم الجني الفلاحي التي تنعشها  من موسم لآخر، لما عوى فيها الذّئب.

بصفة عامّة ساهم التوزّع الحالي للمسلمين على التراب الإسباني، وسطوة الحقيقة التاريخية بتواجد أجدادهم على مدى أكثر من سبعة قرون (حتى و إن خرجوا باكين كالنساء على مُلك لم يحافظوا عليه كالرّجال)، إضافة إلى وجود إسبانيا على بعد 14 كم من المغرب العربي، ساهم في حضور جزء من الثقافة الإسلامية سواء عبر الآثار أو الفئة الاجتماعية الحاضرة بمظهرها و حاجياتها وسلوكاتها الخاصة بها في الواقع اليومي. ولولا تكرار إسطوانة الإرهاب ومستجدّات داعش، وموجات الإسلاموفوبيا مؤخّرا لكان المجتمع الإسباني أكثر تصالحاً مع مسلميه الأصليين والوافدين.

و بناء على هذه العوامل، وحضور مواضيع في الإعلام تتناول الثقافة الإسلامية من بعيد أو من قريب، فإنّ “رمضان” يعتبر موضوعا معلوماً لدى الوعي العام على الأقلّ باعتباره طقس من طقوس المسلمين.

و يتطوّر التعريف إلى أن يقدّم من طرف فئات حظت بالحدّ الأدنى من التكوين العلمي والثقافي، أنّه شهر امتناع عن الشهوات من “الفجر حتى غروب الشمس”، وهو مناسبة لتطهير الرّوح و المبادرة بالصّفح و المساعدة .

و تجدر الإشارة إلى أن تواجد أبناء المسلمين في المؤسسات التربوية الغربية بصفة عامّة، وعلاقات الصداقة بين الأولياء التي تتأسّس عبر الأطفال أو حتى الجيرة، ساهمت بدور كبير في التعريف بخصائص حياة المسلمين و احترام مقدّساتهم حتّى لمن لم يسعفه تكوينه أو اهتمامه الثقافي للتعرّف على الآخر. إلّا أنّ السؤال الحاضر دائما من أوربي لمسلم يدور دائما حول سرّ تحمّل ساعات الصّوم الطّويلة، واعتبارها غالبا عقابا مسلّطا من اللّه على عباده “الضعفاء”.

وفي الحقيقة فإنّ هذه المقاصد الخبيثة من وراء هذا النوع من الاستفزازات التي كثيرا ما نتعرّض لها، لا يمكن أن يبدّدها سوى ثقة المسلم الصّائم من مضمون ثقافته الدينية، وحسن استخدامها دفاعا عن قناعاته، فلا عزاء للمظهر في هذا الامتحان اليومي الذي نعيشه (بل ربما كانت المسؤولية مضاعفة اذا كان الّشّخص، مقصد السّؤال، محجّبة او ملتحيا) فإمّا أن يخرج سائلك محترِما لعقيدتك. و إمّا أيضا أن يمضي بقناعته الأولى الشائعة على أساس أن فريضة الصّوم، ضرب من العقاب الرّباني لذوي العقول البسيطة. ليس لتطرّفه أحيانا، ولكن  لهشاشة تكوين البعض و عجزهم حتى عن تقديم أبجديات دينهم و الإجابة بأسلوب مُقتع.

و قد استرعى انتباهي في الحقيقة، سلوكا شائعا بين فئة كبيرة من مسلمي برشلونة (بمتعلّميهم أحيانا) فقبل رمضان بأيّام تراهم يتسابقون على  المركز الإسلامي، ومحلات الجزّارة الحلال سائلين عن إمساكية الإمساك و الإفطار الشهيرة، ليتّبعوا مواقيتها، كما أن مواقع الإفتاء، والمجلس الإسلامي الأوربي تعجّ بكل ما له علاقة بفقه هذا الشهر. بل و توفّر مادّة معلوماتية متناسقة مع تكنولوجيات التواصل الحديثة.

نسأل الله أن يعمّر قلوبنا وعقولنا بالإيمان, و أن يعيد علينا شهر اليمن و البركة في أحسن حال. و أن يرحم أمّتنا من طغاتها و يرحم شعبنا المحروم من أدنى مقوّمات العيش. و أن يهبنا الصّبر و القناعة.
__________________

*كاتبة تونسية مقيمة في إسبانيا 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه