ذكرياتي مع الرئيس مرسي

وأدركت وأنا أسمع منه قصة حياته ونضاله وسفره إلى أمريكا وهو يحمل مائة دولار هي كل ما استطاع الأب المكافح توفيرها لابنه ليدرس الدكتوراه وكيف كان الرجل بسيطا بلا تكلف.

بعد يوم طويل وشاق من أيام الحملة الرئاسية الأولى عدت معه في نفس السيارة التي اقلتني معه وفريق العمل بالحملة الانتخابية، كانت الساعة تقترب من الثانية والنصف بعد منتصف الليل حين توقفت السيارة أمام بيتي في التجمع الخامس بمدينة القاهرة الجديدة والذي يبعد عن بيته بمسافة تقترب من الألف متر.

انطلقت مسرعا في محاولة مني للوصول إلى سرير نومي فالتعب قد بلغ مني مبلغا، وما إن فتحت زوجتي باب الشقة حتى ألقيت بنفسي وبملابسي مستسلما لنوم كان عميقا وحين استيقظت للصلاة اكتشفت أنني قد رأيته في منامي على نحو قد يفهمه البعض على أنه مثير للقلق، لولا أني بادرت وحملت رؤياي كاملة لأقصها على أحد المشايخ الذين لهم باع في تفسير الأحلام.

رأيتني في ساعة صباح مبكر مع إشراقة أول ضوء للنهار، أجلس عند قبره وقد رأيت شاهد القبر وقد حفر ااسمه عليه وأمامي مصحف كبير مسنود على مسند خشبي وصفحات المصحف كأنها مرآة تعكس ضوءا يميل إلى الخضرة قليلا. كنت أتلو من المصحف وإذا به يأتيني فجأة من يميني وأنا جالس ليربت بلطف شديد على كتفي مرددا عبارات الشكر والثناء ووجهه تعلوه ابتسامة رضا، وأنا لا أصدق كيف عاد الرجل للحياة وأنا عند قبره. لم أنتبه إلا وأنا استيقظ على ما رأيت، لم أشعر بأي انقباض بل شعرت بسعادة وراحة شديدة لا أدري سرها رغم أني في الرؤيا كنت أزوره في قبره وأقرأ عليه القرآن.

 قصصت ما رأيت على زوجتي وقلت لها وأنا مطمئن النفس إن تفسير رؤياي أن الرجل سيلقى الله شهيدا.

ميتة تليق بمقامه:

سافرت إلى الكويت حيث كنت أعيش لسنوات قبل أن التحق بحملة الرئاسة واستقر لاحقا بمصر إلى ما بعد فض رابعة العدوية رحم الله شهداءها وجبر كسر مصابيها وحيا الله صمود من بقي على قيد الحياة بعدها ، توجهت إلى منزل أحد المشايخ ممن أثق في علمهم وفي دينهم وكان صديقا وأخا عزيزا أختصر اسمه في حرفين الشيخ ( ج.أ)، قصصت عليه الرؤيا وقبل أن يبادر بالتأويل قلت له تأويلي للرؤيا أن الرجل سيلقى الله شهيدا لأن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون … صمت الشيخ قليلا ثم قال ولعله لا يفوز من الجولة الأولى ويفوز في جولة الإعادة مستندا إلى فكرة أن عودة الرجل من الموت تعني أنه عاد من جولة لم يحسمها ليفوز بجولة تالية، وقد كان، فالرجل لم يوفق في الجولة الأولى لكنه حافظ على حظوظه كأول الفائزين ثم عاد لينتصر في جولة الإعادة .

بقيت الرؤيا على مدار ست سنوات منذ الانقلاب وأنا لا أتصور للرجل ميتة تليق بمقامه وبنضاله وصبره وجهاده مثل ما مات عليه رحمة الله وبركاته، ففي كل مرة يتحدثون عن مضايقات ومتاعب وتعذيب وانتهاكات كنت أقول في نفسي مبررا “عجزنا عن إنقاذه وإنقاذ من حوله اللهم لا تجعل للظالمين عليهم سبيلا”

لا أقول كنت أنتظر خبر استشهاده ولكنني كنت أرجو من الله أن يخفف عنه وعنهم وألا يطول عليهم الأذى وأن نفرح بهم ومعهم بنصر أو فرج قريب ولكن الله اختار له ما اختاره للشهيد الإمام محمد مهدي عاكف أن يرتقي شهيدا من سجنه الضيق إلى رحمة الله الواسعة وإلى جنة الخلد حيث أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح في الجنة كيف تشاء كما جاء في الحديث النبوي الشريف.

كنت أسائل نفسي كثيرا لماذا أنا على ثقة في أن الرجل سينتهي به الأجل شهيدا ولماذا هو بالذات؟ وكانت الإجابة تأتيني من ثقة الرجل في ربه وقد نلت شرف صحبته في عدة جولات في الوجه البحري وفي الصعيد وأسوان والقاهرة، وأدركت وأنا أسمع منه قصة حياته ونضاله وسفره إلى أمريكا وهو يحمل مائة دولار هي كل ما استطاع الأب المكافح توفيرها لابنه ليدرس الدكتوراه، وكيف كان الرجل بسيطا بلا تكلف وهو يحكي عن بيت أبيه وأمه وعن أحوال عائلته وعن (قلة الميه) التي كان يشرب منها في حر الصيف القائظ. كنت مستمتعا ومنبهرا بالرجل وهو يحكي ما سمعه من جدته عن جدها الذي شارك في حفر قناة السويس، وكنت منبهرا أكثر بطريقته وهو يحكي عن علاقته بزوجته الصامدة الصابرة المحتسبة ودورها في حياته وكيف استمر هذا الرباط المقدس بينهما طيلة هذه الفترة وهو ممتن لها وشاكرا لمواقفها النبيلة معه.

ذات ليلة وبعدما عدنا من لقاء جماهيري في أسوان طلب مني أن أجلس معه لمناقشة خطابه في تلك الليلة، وفاجأني بالقول مبسوط يا عم حمزة أديني اتكلمت عن الخليج، وإن شاء الله أكون بددت مخاوف الأخوة هناك، وكان ذلك في أعقاب رسالة حملتها من مقريبن في دوائر الحكم في أحد  بلدان الخليج وكانت تحمل قدرا من الخوف إن مصر حكمها إسلامي فلن يقف إلى جوارهم حال اعتدت إيران أو بغت عليهم.

مشاريع واضحة المعالم:

في هذه الليلة فوجئت به يتحدث عن اقتصاد مصر وعن إمكانية التعاون الزراعي مع ليبيا كما مع السودان، ووجدت الرجل يحمل مشاريع واضحة المعالم فيتحدث عن زراعة مليون فدان في ليبيا في المنطقة الشرقية حيث كشفت الدراسات عن وجود مياه جوفية بكثرة قال لي ساعتها تخيل يا أخ حمزة نقدر نبعت كم ألف مصري (يزرعوا وينتجوا على حد تعبيره).

وعن الدولة العميقة تكلم وبصراحة وعن الوحدة العربية وتطوير وسائل فعلية لتمتين وتمكين هذه الوحدة حدثني، وعن السودان والثروة الحيوانية طال الحديث ليلتها وعن حلمه في إنتاج ما يكفينا من الغذاء والدواء، كانت لديه ثقة عجيبة في أنه سينجح وأنه بمقدور المصريين أن ينجحوا معه وأن المسائل على تعقيداتها يمكن تفكيكها وحلها الواحدة تلو الأخرى.

شعرت والرجل يختصني بالحديث أن شيئا ما ربط بيننا على غير موعد فالمرات التي التقينا فيها قبل الثورة كانت قليلة وبعد الثورة زرته في مكتب الحزب مرات قليلة أيضا؛ لكن الحملة الانتخابية مكنتني من معرفة الرجل، وإدراك نقاء عقله وصفاء نفسه وحرصه وحبه لبلاده وهو حب دفع فيه حياته وهو راض لأنه كان يدرك وهذه من صفات الشهداء أن الثمن الذي يدفعه المرء يبدو ثمنا قليلا في مقابل سلعة أكبر ” ألا إن سلعة الله الجنة ”

رحمة الله عليك يا فخامة الرئيس محمد مرسي.

رحمة الله ورضوانه عليك يا فخامة الشهيد.

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه