“ذاكر نايك” وحقيقة ما جرى معه في ماليزيا

الداعية الإسلامي الدكتور ذاكر نايك (يمين) ورئيس وزراء ماليزيا مهاتير محمد

وكانت هذه العبارة القشة التي قصمت ظهر البعير، وهي ما أثارت حمق ومقت وغضب الكثير من السكان المحليين وبالأخص من غير المسلمين

لا ينكر أحد ما يحظى به الداعية الإسلامي الدكتور ذاكر نايك من مكانة علمية، ومعرفة في الأديان والفرق، وذاكرة قوية، وهذا ما جعل من الصعب على أي مناقش أو محاور له أن يتغلب عليه ويقنعه بخلاف ما يقول، وربما هذا ما أكسبه محبة ومتابعة الملايين من المسلمين حول العالم. ولكن كما أن له محبين ومعجبين، فله كذلك ناقمين ومعارضين، وقُل أيضاً: أعداء وكارهين. 

ولقد تصدر اسم الداعية بعض الصحف العربية، وكذلك مواقع التواصل الاجتماعي مؤخراً، مع ظهور ادعاءات وشكوك بأن ماليزيا قد تضيّق عليه معيشته، وأنها قد تقوم بترحيله، وتسلّمه للسلطات الهندية التي توجه له تهم غسيل أموال، وتحريض على العنف، والتأثير على الشباب المنخرط بعمليات وتفجيرات إرهابية. هذه الادعاءات والشكوك لم تظهر في الساحات العربية فقط، بل ربما تساءل حول حقيقتها بعض أبناء الجالية العربية والإسلامية المقيمين على الأراضي الماليزية.

تعددية عرقية ودينية

وللوقوف على حقيقة الأمر لا بد من تتبع تسلسل الأحداث وما حصل بالتحديد قبل اصدار الأحكام تجاه الحكومة والشعب هنا، ولا بد كذلك من فهم طبيعة الوضع الماليزي وحقيقته.

فماليزيا دولة متعددة الأعراق والأديان، يشكل العرق المالاوي الأغلبية بين السكان (حوالي 52%)، ثم يليه العرق الصيني (حوالي 23%)، فالهنود (حوالي 7%)، والباقي أعراق أخرى مختلطة. أما الديانات، فالإسلام هو دين الأغلبية ودين الدولة، وتأتي بعده البوذية، فالمسيحية ثم الهندوسية. فعندما تختلف الأعراق والأديان بهذا الشكل الحساس، لا بد للحكومة من سن قوانين، واتخاذ قرارات صارمة وقوية لكي تحول دون ظهور خلافات ونعرات قد تجعل المعيشة بهدوء واستقرار أمراً مستحيلاً.

وهذا ما تطبقه ماليزيا فعلاً، فالنقاش في الأمور الدينية والسياسية الحساسة في بيئة العمل وفي الأماكن العامة يعتبر مخالفة صريحة لنص البند الثاني من المادة الثامنة في الدستور الماليزي، والذي ينص على أنه يمنع توفر أي شكل من أشكال التمييز أو المضايقات الدينية والعرقية والجنسية في بيئة العمل، وفي الأماكن العامة. وقد حمّل هذا القانون كل مؤسسة مسؤولية إصدار قوانين عمل داخلية خاصة بها والتي تؤكد من خلالها توفر هذا الشرط. 

وبالتالي، وعلى سبيل المثال، لو قمت في مكان عملي بمناقشة أو انتقاد دين زميل مسيحي أو بوذي، وقام هذا الأخير بتقديم شكوى رسمية تجاهي، فسأتعرض للمساءلة القانونية وقد تتعرض المؤسسة التي أعمل بها كذلك لهذه المساءلة، وربما اتُّـهمَتْ بالتقصير في تطبيق هذا القانون، وذات الأمر يقال لو قام غير مسلم بمناقشة مسألة تخص الدين الإسلامي وانتقاده في بيئة العمل.

من يتابع الخلافات العرقية والدينية التي تنشأ في دول تحظى باختلاف في الأعراق والأديان بين شعوبها، ويقف على مآلات هذه الخلافات خاصة عندما تتهاون فيها الحكومات، أو تكون متسببة لها؛ يفهم حقيقة حساسية هذا الوضع، وسيفهم كذلك ضرورة أن تسن الدولة قوانين للحد من كل ما من شأنه أن يثير هذه النعرات والخلافات.

تصريحات غير موفقة

أما بخصوص الداعية الإسلامي الدكتور ذاكر نايك، فما قام به يصب في هذا الباب، فالرجل مقيم في ماليزيا منذ عام 2016م، ويحمل بطاقة الإقامة الدائمة، وهذه البطاقة تعطي حاملها كامل حقوق المواطَنة الماليزية، ولكن لا تمنحه الجنسية، وبالتالي يحق لحاملها كل ما يحق للمواطن الماليزي من حقوق وواجبات، باستثناء حق المشاركة في الانتخابات ترشحاً وتصويتاً. أي أن هذه البطاقة خاصة بالأمور الاقتصادية والحياتية، وليس لحاملها شأن في السياسة الماليزية.

الذي حصل هو أنه تم دعوة الدكتور نايك لإلقاء كلمة حول طرق انتشار الإسلام سلمياً، ووصوله إلى منطقة جنوب شرق آسيا، وكانت هذه الندوة في الثامن من أغسطس/آب، ويبدو أن الشيخ قد استطرد في الحديث وخرج عن الموضوع الأساسي، فذكر أن الهنود الماليزيين يحظون بحقوق في ماليزيا، تصل إلى مائة ضعف ما يحصل عليه المواطن الهندي في الهند، ومن ثم أضاف، أنه على الرغم من ذلك فإنهم يدعمون رئيس وزراء الهند بدلاً من دعم رئيس وزراء ماليزيا. ثم وأثناء استطراده أضاف جملة أخرى ذكر فيها أنه ضيف على ماليزيا، ولكنه ضيف جديد، وأن الصينين والهنود ضيوف قدماء على ماليزيا، فمن يطالب بخروج الضيف الجديد، عليه أن يطالب بخروج الضيف القديم أولاً.

وكانت هذه العبارة القشة التي قصمت ظهر البعير 

وهي ما أثارت حنق ومقت وغضب الكثير من السكان المحليين وبالأخص من غير المسلمين، فظهرت الكثير من الأصوات والمطالبات بترحيله وإخراجه من البلاد، ومن ضمن المعترضين على تصريحاته هذه والمطالبين بإخراجه شخصيات مسؤولة وحكومية وشخصيات بارزة.

ربما ما لم يدركه الدكتور ذاكر أن الحكومة الماليزية لا تنظر إلى أفراد شعبها ولا تقسمهم حسب عرقهم وأصلهم، فهؤلاء الصينيون والهنود ربما هم الجيل الخامس أو السادس ممن وفدوا إلى البلاد لأسباب مختلفة، ومن المستحيل أن يصدر تصريح مثل هذا من جهة مسؤولة في الحكومة الماليزية، لحساسيتها الشديدة. ولذلك نجد أن الناشطة مارينا مهاتير ابنة رئيس الوزراء مهاتير محمد، كانت من أبرز المحتجين على تصريحاته، حيث نقلت جريدة ذا ستار (TheStar) المحلية عن مارينا قولها موجهة سؤالها لنايك: “هؤلاء أغلبهم عائلتي، من تكون أنت حتى تقول ذلك؟!”.

وقد ذكرت صحيفة ماليزيا كيني (Malaysia Kini) أنه من بين المعترضين على تصريحات نايك؛ ليم كيت سيانج، وهو سياسي ماليزي مخضرم، وينحدر من أصل صيني، بالإضافة إلى أنه زعيم حزب دي آي بي، أحد الأحزاب التي تشكل تحالف الأمل الذي تمكن مهاتير من خلاله الفوز بمنصب رئيس الوزراء الحالي، فذكرت الصحيفة أن كيت سيانج من مؤيدي ترحيل الرجل. وكذلك اعترض على مقولة نايك السياسي المعروف أنور إبراهيم، حيث نقلت صحيفة ذا ستار عنه أنه لا ينكر أن ثمة خير كثير في ما يطرحه الداعية ذاكر نايك، إلا أنه لا يوافقه فيما تفوه به، وكذلك كان من المفروض به أن لا يخوض في القضايا الدينية والسياسية الحساسة.

وقد ذكر لي زميل مهتم بالشأن الماليزي أنه لم يعثر على مقال واحد لشخصية تدافع عن الدعية نايك أمام كل هذه الاعتراضات بحقه.

فبالتالي، وأمام كل هذه الضغوطات، والعدد الكبير من البلاغات التي تم تسجيلها، حيث ذكرت صحيفة ذا ستار أن وزارة الداخلية استقبلت حوالي 115 بلاغاً ضد الرجل؛ فأم كل ذلك لم تجد الحكومة الماليزية بداً من استدعائه والتحقيق معه والاستماع لوجهة نظره.  

نايك يعتذر

وهنا صرح صرح رئيس الوزراء قائلا، أن ذاكر نايك مرحب به في ماليزيا، ولكن إن أراد البقاء على وضعه الحالي فعليه تجنب الحديث في السياسة. ولعل الداعية قد تدارك حساسية الأمر، وعرف حقيقة الوضع الذي انتهى إليه حاله، فقدم اعتذارا رسمياً وقال إن تصريحاته قد أخرجت من سياقها، وفُهمت بشكل خاطيء، وأنه كان يقصد أن بعض الهنود يكنون ولاءاً أكثر لحكومة الهند بدلا من ماليزيا، ولم يكن يقصد أغلبهم، حسب ما نقلت عنه صحيفة فري ماليزيا توداي، وغيرها.  

وواقع الحال أنه وإن كان هذا قصده فعلاً، فرجلٌ بمكانة الداعية ذاكر نايك، أحد الشخصيات العامة المعتبرة، التي تحظى بمتابعة وإعجاب الملايين، بل ربما من النادر أن يحظى أحد بعدد الحضور الذي يتمتع به نايك في محاضراته وكلماته، فبالتالي رجل هذا حاله، من الأجدر به أن يقيس تأثير كل كلمة تخرج من فمه قبل أن ينطق بها، فالعبارات الغير مدروسة تفتح المجال للنقاد والمعارضين لاستخدامها ضد أصحابها.

لكن يبدو أن اعتذار الداعية لم يطفيء غضب الكثير من الأصوات، وإن كانت قد بهتت قليلاً، إلا أن المطالبة بإخراجه من ماليزيا بقيت مستمرة، ولعل هذا سبب ظهور مفتي بينانج الدكتور وان سليم وان محمد، ودفاعه عن الرجل، فنقلت عنه صحيفة إن إس تي، أنه طالب الناس بتقبل الاعتذار والسكوت.

وهنا يبقى السؤال قائما، هل ممكن أن تقدم ماليزيا لاحقا على ترحيل الدكتور ذاكر نايك؟

الجواب أنه أمر مستبعد، لابد أن الحكومة الماليزية تدرك أن الإقدام على هذا الأمر سيواجه باعتراضات شديدة من قبل الأغلبية المسلمة، وأن ذلك سيصب في مصلحة المعارضة التي ستنتقل إليها أصوات المعترضين على مثل هذا القرار، في الانتخابات القادمة. ولعل اتخاذ السلطات الماليزية قراراً بمنع الدكتور نايك من إلقاء خطبه ودروسه في كافة محافظات ماليزيا هو حل وسط يتأمل منه إرضاء جميع الأطراف.

إلا أن صحيفة فري ماليزيا توداي، نقلت عن المحامي سيفانانثان، المختص بقانون الجرائم الدولية، أنه لو تمكنت السلطات الهندية من إدراج اسم نايك على المطلوبين دولياً للإنتربول، فحينها لن يكون أمام السلطات الماليزية أي خيار، وتقول الصحيفة أن الهند قد فشلت حتى الآن في إدراج اسمه على قائمة المطلوبين دولياً في ثلاث محاولات قدمتها للإنتربول.

ولعل تصريحات رئيس الوزراء تؤكد أنه لا نية للحكومة في تسليمه، حيث نقلت عنه صحيفة ماليزيا كيني أنه قال بكل تأكيد وصرامه، عدم وجود نية لدى الحكومة في تسليمه للسلطات الهندية، وذلك لعدم ضمان إقامة محاكمة عادلة في حقه، وأن هذا الأمر قد يعرض حياته للخطر.

غفر الله لنا وله.

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه