د. طارق الزمر يكتب: “سيف عبد الفتاح.. ضمير الثورة”

تحية للدكتور سيف عبد الفتاح ضميراً يقظا للثورة المصرية، ولكل المخلصين الذين لا يزالون يدافعون عن حلم يناير، أعظم حلم حلمته مصر الحديثة. يتبع

د. طارق الزمر*

هل أخطأ الدكتور سيف عبد الفتاح حين استقال من موقعه ضمن الفريق الرئاسي للدكتور محمد مرسى؟.. ثم هل تحميله للرئيس مرسى المسئولية السياسية عن الدماء التي أريقت في الاتحادية جريمة ينبغي أن يعاقب عليها ؟! وهل مجرد حديثه في مثل هذه الأمور يخرج عن اللياقة وقواعد المروءة ؟!

يحزنني أن أتناول مثل هذه البديهيات المفهومة بلا تفهيم، والواضحة وضوح الشمس؛ لكن يبدو أننا ما زلنا بحاجة لمناقشة البديهيات حتى ننتقل لما هو بعدها وهو الأهم، حيث مشروع يناير الذى لا يحتاج فقط إلا إلى القليل من الوعى والجهد في إطار مراجعة شاملة ودقيقة لأخطاء المرحلة الماضية، ومن ثمّ القدرة على استكمال الطريق بنجاح وكفاءة عالية.

بداية لابد وأن أؤكد على المؤك،د وهو أن الدكتور سيف عبد الفتاح ليس مجرد أستاذ للعلوم السياسية بل هو قامة وطنية شامخة يندر وجودها في هذا العصر التي تلوثت فيه الكثير من القامات، واهتزت فيه الكثير من النخب، فضلا عن أنه يحمل رؤية واضحة ومشروع متكامل للنهوض ببلادنا وإخراجها من أسر الاستبداد وقيود التبعية. إضافة إلى أنه لم يكتف بمحراب العلم والتنظير الذى لم يكن لأحد أن يلومه لو أكتفى به؛ بل قرر أن ينزل بعلمه ووعيه وقلبه وجوارحه إلى قلب المعركة التي تتطلب من التضحيات الكثير، وناله بالفعل منها الكثير وربما منها ملاحقته بالتهم الزائفة التي أعتاد النظام الانقلابي على توجيهها لكل الشرفاء ومن ثمّ ملاحقتهم عبر قضاء مسيس أو إنتربول يجرى شراؤه.

أما عن استقالته من الفريق الرئاسي زمن الاتحادية التي يعتبرها البعض هروبا من المسئولية فهي فعلا هروب لكنه هروب من مسار كان واضحا أن الرئيس قد وقع أسيرا له ولم يعد بقدرة أحد أن ينصحه بمغادرته، بما في ذلك تصوره للتعامل مع الدولة العميقة والثورة المضادة التي كانت أخذة في التشكل وماضية بوضوح نحو تحقيق أهدافها.

وكم كان بليغا ومعبرا عن الحالة السياسية التي بلغتها الثورة في هذه اللحظة حين أعلن عبارته الوجيزة المحملة بكل معانى الموقف الباطنة والظاهرة؛ حيث “التحنيط” و”ضيق الأفق” وهى العبارة التي وقفت أمامها يومها مشدوها من فصاحتها فضلا عن تعبيرها بشكل كامل عن أهم عناصر الموقف ومن ثم فقد أشارت إلى مالاته وتداعياته دون أن تستفيض.

أما عن كون الرئيس مسئولا مسئولية سياسية عن الدماء التي سالت في عصره فهذه أيضا بديهية أخرى؛ وإلا لما قلنا رئيس وما زلنا نقول الرئيس؟!.. علما بأن المسئولية السياسية تختلف تماما عن المسئولية الجنائية، وقد كان بوسع الرئيس أن يبرأ نفسه من هذه الدماء التي سالت والتي كان غالبها – ياللعجب – من دماء أنصاره ومع ذلك فقد نجحت الثورة المضادة في تحميله للمسئوليتين واستغلت ذلك في التأليب عليه.

أما عن اعتبار مثل هذا الحديث خروجا عن آداب اللياقة وقواعد المروءة؛ فهذا خطأ أفدح ينم عن عدم إدراك المجال الذى نعمل فيه – فضلا عن عدم إدراك طبيعة الصراع الذى نخوضه- وهو مجال العمل الوطني والذى هو ملك للشعب كله ليس لفصيل معين ولا تيار محدد ولا يمكن لهذا العمل أن يثمر أو أن يتقدم خطوة واحدة للأمام، مالم تتم المكاشفة بالأخطاء التي وقعت وأسباب ذلك وإلا فإننا سنؤتى من ذات الثغرة مئات المرات دون أن نعلم من أين نؤتى.. وهذا ما تأباه الفطرة السوية، فضلا عن طبيعة العقل الإنساني المبرمج على الاستفادة من الأخطاء.

تحية للدكتور سيف عبد الفتاح ضميراً يقظا للثورة المصرية ولكل المخلصين الذين لا يزالون يدافعون عن حلم يناير، أعظم حلم حلمته مصر الحديثة.

__________________________

*باحث في العلوم السياسية 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه