دور دحلان في المحاولة الانقلابية بتركيا: القصة الكاملة!

وأوضحت التحقيقات أن شعبان هرب إلى القاهرة بعد أحداث الانقسام الفلسطيني، وان السلطات المصرية قامت باعتقاله لفترة من الوقت، قبل إطلاق سراحه

قامت تركيا بشكل مفاجئ بتفجير قنبلة بإصدارها مذكرة حمراء ضد محمد دحلان، متهمة إياه بلعب الدور الرئيسي في محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في 15 من يوليو/تموز 2016، كاشفة عن علاقته بتنظيم جولن الإرهابي، مع رصد مكافأة قدرها 4 ملايين ليرة تركية (700 ألف دولار) لمن يدلي بمعلومات تساهم في القبض عليه، الأمر الذي مثل بعداً جديداً على مستوى محاولة الانقلاب الفاشلة.

اتهامات بالتخطيط والتمويل

تتهم تركيا دحلان الذي يقيم في الامارات، ويعمل مستشارا أمنيا لولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، باتهامات عدة لا يقل أحدها خطورة عن الآخر، إذ حددت تلك الاتهامات دوره بدقة في المحاولة الانقلابية بأنه الممول لكافة تكاليف الانقلاب المالية، وذلك ما تم رصده في عدة اتصالات مسجلة تمت بينه وبين زعيم التنظيم فتح الله غولن، حيث تم تحويل المبالغ المالية التي دفعتها الإمارات قبل الانقلاب بأسبوعين، إلى جانب قيامه بوضع خطة الانقلاب الرئيسية في اجتماع ترأسه في “أبو ظبي” وضم 15 من السياسيين والإعلاميين (لم تذكر جنسياتهم) حيث تم الاتفاق على وضع خطة مدفوعة الأجر لتشويه صورة الرئيس أردوغان في وسائل الاعلام العربية والغربية، إلى جانب الإعلام التركي المعارض، وتقديم الدعم المالي واللوجيستي لمعارضي استمرار حزب العدالة والتنمية وأردوغان على رأس السلطة، والعمل على نشر الفوضى وزعزعة الأمن بعمليات إرهابية تقوم بها عناصر حزب العمال الكردستاني لإشاعة القلق والخوف لدى المستثمرين، الأمر الذي من شأنه خلق حالة من الغضب داخل صفوف الجيش، واستثمار ذلك لاحقا بالدفع  بالقيادات العسكرية المعارضة للتحرك والقيام بانقلاب عسكري شبيه في مراحله بالانقلاب الذي حدث ضد الرئيس محمد مرسي في مصر، على أن يتزامن ذلك مع حملة تشويه ممنهجة تقوم بها أجهزة استخبارات عربية ضد أردوغان شخصيا، وهي الحملة التي ستنتقل إلى الاعلام الغربي، والتي أطلق عليها اسم ” مشروع دحلان لخبراء السياسات في دول الربيع العربي وعدد من الدول في الشرق الأوسط”. حسب الرواية التركية

 أذرع دحلان للتجسس

تلك المعلومات أكدتها تحقيقات النيابة مع الجاسوسين الفلسطينيين اللذين تم إلقاء القبض عليهما في شهر أبريل/ نيسان الماضي، وهما سامر سميح شعبان وزكي يوسف حسن، الذي انتحر في محبسه لاحقا، اللذان يحملان جوازات سفر فلسطينية، بعد أن وٌجهت لهما تهمة التجسس السياسي والعسكري لصالح الإمارات عبر دحلان، والسعي للحصول على معلومات سرية خاصة بتركيا، واعترف شعبان أمام المحكمة الجنائية بإسطنبول أن محمد دحلان أبلغه قبل محاولة الانقلاب الفاشلة بأسبوع ” أنه سيجري حدث في تركيا “. وأنه قام بشكل مباشر بتقديم الدعم المالي لمن سيقومون به.

وأوضحت التحقيقات أن شعبان هرب إلى القاهرة بعد أحداث الانقسام الفلسطيني، وأن السلطات المصرية قامت باعتقاله لفترة من الوقت، قبل إطلاق سراحه، وانه عمل ضابطا للمخابرات في القنصلية الفلسطينية بماليزيا لمدة 4 أشهر، كما عٌين في القنصلية الفلسطينية بدبي خلال الفترة ما بين عامي 2009 و2017 وأنه خلال تلك الفترة كان من المقربين لدحلان، ثم انتقل إلى تركيا لتنفيذ التعليمات التي يتلقاها منه.

واعترف المتهم بأنه حصل على دورات تدريبية على العمليات الإرهابية والانتحارية، ومنها حصوله على دورات في تصنيع المتفجرات عامي 1999، و2003، كما تلقي تدريبات قتالية في فرنسا وأوكرانيا.

ووفق ما ذكرته مصادر أمنية لوسائل إعلام تركية – لم تسمها- فقد تم العثور في هاتف شعبان على سندين ماليين، ادعى أنهما لمكاتب عقارية ومنزل له في عجمان الإماراتية، كما أبلغ عددا من الأشخاص الذين تواصل معهم في اتصالات مسجلة من جانب الأجهزة الأمنية التي كانت تتعقبه، ان دحلان سيتولى رئاسة فلسطين.

أما بالنسبة للمتهم الثاني المدعو زكي يوسف حسن، الذي انتحر داخل محبسه في سجن سيلفرى في التاسع والعشرين من أبريل / نيسان الماضي، فقد صنفه الأمن التركي أخطر أشخاص الخلية الإماراتية، حيث تلقى تدريبات مكثفة على صناعة مختلف أنواع المتفجرات داخل أوربا، وكان أكثر المتهمين في الخلية فاعلية ونشاطا، وتزوج من سيدة تركية.

فيما أشارت تحقيقات النيابة إلى تورط شخص ثالث رمزت إليه بالأحرف الأولى من اسمه هـ. ي. ر، قالت إنه استطاع الهرب قبل إلقاء القبض عليه.

وأفادت المصادر الأمنية نفسها أن عملية اعتقال الجاسوسين تم للاشتباه فيهما، قبل أن يتم اكتشاف تورطهما في العمل لصالح خلية تجسس تابعة لمستشار ولي عهد “أبو ظبي”.

وخلال التحقيقات الأولية التي أجرتها المخابرات التركية مع الجاسوس الأول سامر شعبان، تمت مواجهته بأدلة تثبت تورطه في العمل جاسوسا لحساب دحلان، والقيام بتنفيذ أعمال تخريبية داخل تركيا، ومنها قيامه بإجراء اتصال هاتفي مع زكي يوسف حسن المتهم الثاني، مستخدما اسما وهميا هو ” أبو يوسف” وكذلك إجراؤه اتصالا آخر مع شخص في المخابرات الإماراتية يدعى ” قسام أبو سلطان”.

وطبقا لما ورد في لائحة الاتهام التي أعدها المدعي العام التركي، فإن “دحلان” متورط في محاولة الانقلاب الفاشل في تركيا عام 2016، وكان بين المهام الموكلة إلى خليته التجسسية؛ الحصول على الهيكلية التنظيمية لجماعة “الإخوان المسلمون” في تركيا، والمذكوران أجريا نشاطات مشبوهة، وهناك أدلة ومستندات تفيد حصولهما على تحويلات مالية من بنوك متعددة مقرها الإمارات، تم حصرها بعد التوصل للأجهزة المشفرة التي كانت مخبأة في حجرة خلفية بمقر إقامتهما.

قضية هيرست ومغزى انسحاب دحلان

واستخدمت وسائل الاعلام التركية ومنها صحيفة ” صباح ” وصحيفة ” خبر ” تقرير الصحفي البريطاني ديفيد هيرست الذي اتهم فيه دحلان بالتخطيط للانقلاب، ودعم القائمين عليه ماليا، للتدليل على صحة ما جاء في اعترافات الجاسوس الفلسطيني، إذ نشر هيرست بعد أسبوعين من فشل المحاولة الانقلابية تقريرا إخباريا في موقع ” ميدل إيست آي” اعتمد فيه على مصادره الأمنية التركية، اتهم فيه دحلان، بالوقوف خلف محاولة الانقلاب التي وقعت في تركيا، وتمويله ماليا، وأنه حول تلك الأموال على دفعات لقيادة التنظيم الذي تولى مهمة التنفيذ، وبعد عام من انتشار الخبر وتداوله، قام دحلان برفع دعوى قضائية ضد هيرست، زاعما عدم صحة المعلومات التي يحتويها، نافيا أي دور له في تدبير المحاولة الانقلابية، وهي المحاكمة التي كان من المفترض أن تنعقد في نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، إلا أن دحلان أعلن انسحابه من الدعوى قبل ساعات من الموعد الذي حددته المحكمة لتبادل الأوراق والمستندات الرسمية المتعلقة بالقضية، ووافق على دفع تكاليفها التي تبلغ أكثر من نصف المليون جنيه استرليني! 

ورجحت وسائل الإعلام التركية أن من يقفون خلف الرجل هم من طلبوا منه ذلك، بعد أن علموا أنه سيكون مضطرا للكشف عن جميع المعلومات والوثائق التي بحوزته، والتي يمكن أن تدين أطرافا أخرى لا تريد أن تظهر في الصورة، وأن امتناعه عن تقديم ما لديه من أدلة سيجعل المحكمة تفتح تحقيقا موسعا بحقه واستجوابه رغما عنه بما يمكن أن يكشف الكثير من الدفاتر الخاصة به، وهو أمر لا يصب لا في مصلحته ولا مصلحة من يحركه، لذا كان قرار الانسحاب والموافقة على دفع تكاليف الدعوى القضائية، رغم ما في ذلك من اعتراف ضمني بكافة الاتهامات التي وجهت إليه من جانب هيرست.

فريق دحلان طمس أدلة مقتل خاشقجي

ويبدو أنه تقرر فتح ملف محمد دحلان في تركيا كاملا، حيث امتد الأمر إلى ما أعلنته النيابة من علاقة محمد دحلان بقضية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، التي تسعى تركيا لكشف كافة ملابساتها، فقد أوضحت التسريبات الأمنية الجديدة، التي تزامنت مع إعلان وزارة الداخلية ملاحقة دحلان قانونيا، أن فريقا مكونا من أربعة أشخاص على صلة وثيقة بدحلان وصل إلى إسطنبول قادما من بيروت، قبل يوم من وقوع الجريمة، وأن الأربعة دخلوا القنصلية السعودية يوم اغتيال خاشقجي، وأن مهمتهم الأساسية كانت طمس كافة الأدلة التي تشير لوقوع الجريمة، وأن فريق دحلان تحرك بتعليمات محددة ممن يعمل لحسابه.

تأخر الإعلان التركي

لكن السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا لم تقم تركيا بتوجيه اتهام رسمي مباشر لمحمد دحلان بالوقوف وراء المحاولة الانقلابية الفاشلة، والضلوع بدور مهم في عملية اغتيال جمال خاشقجي في وقته؟ أو على الأقل عندما تأكدت يقينا من انغماسه في كلا الامرين، وأصبح لديها من الأدلة والمستندات ما يؤكد ذلك؟ ولماذا انتظرت كل هذا الوقت، ولماذا الإعلان الآن على وجه التحديد؟ 

من الواضح أن تركيا لديها الكثير من المعلومات المدعومة بأدلة قطعية لا تقبل الشك، لم يتم الكشف عنها بعد، وأن ما تم كشفه يتناسق والأهداف التي تسعى لتحقيقها من وراء ذلك، الامر الذي يعني أننا سوف نرى خلال المرحلة المقبلة المزيد من الحقائق المرتبطة بالكثير من القضايا المعلنة والتي لم يتم الإشارة إليها بعد.

إغلاق ملف تولي دحلان الرئاسة

وهذا الاتهام سينهي الدور السياسي المحتمل لمحمد دحلان في تولي السلطة الفلسطينية، رضوخا للمطالب الإسرائيلية التي ترى ان أيا من الأسماء المطروحة لخلافة عباس لن يكون في مقدورها التوقيع على اتفاق دائم يلبي المطالب الإسرائيلية، خصوصا تلك المرتبطة بالاعتراف بيهودية إسرائيل، وبقاء السيطرة الأمنية الإسرائيلية على الضفة بعد قيام الدولة الفلسطينية، إذ يعتقد الإسرائيليون أن دحلان هو الوحيد الذي يمكن أن يكون شريكا للسلام، وأن يشكل جسرا بين الضفة وغزة.

اختيار دحلان لهذا المنصب ترفضه تركيا، وتراه ضربة للقضية الفلسطينية، التي تحتاج إلى شخصية وطنية يمكنها استرداد الحق الفلسطيني، وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس، وليس محمد دحلان

فضح دور الإمارات يضعف جبهة العداء لتركيا

كما أن تعرية دحلان بهذه الصورة، وفضح الإمارات التي تقف خلفه تحركه بتعليماتها، يعني إمكانية ضمها رسميا كطرف رئيس وفاعل في محاولة الانقلاب الفاشلة، وفي هذا إضعاف لجبهة تناصب تركيا العداء وتبذل الكثير من الجهد والمال في سبيل إلحاق الضرر بها .

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه