دلالات سلبية لتأخر الميزانية السعودية

ولم يبق على استقبال عام 2019 إلا أيامًا معدودة، ولا يعرف الشعب السعودي حقيقة ما ستكون عليه الأوضاع المالية في عام 2019.

أربك هبوط أسعار النفط في السوق الدولية حسابات صانع السياسية المالية ومتخذ القرار في المملكة العربية السعودية، وكان من أبرز مظاهر هذا الإرباك، تأخر الإعلان عن ميزانية عام 2019، فمنذ أيام قليلة كانت توقعات وزارة المالية السعودية –عبر البيان التمهيدي للميزانية- قد ذهبت إلى زيادة الإيرادات العامة خلال 2019 بنسبة تصل إلى 11%، مقارنة بما هو متوقع في 2018.
وهو أمر من الصعوبة بمكان تحقيقه، في ظل تراجع أسعار النفط مؤخرًا بنحو 10 دولارات للبرميل، وكذلك تبني السعودية داخل أوبك سياسة تراجع معدلات الإنتاج للحفاظ على أسعار النفط من الانهيار في السوق العالمي.
 ولذلك لابد من أن يعيد صانع السياسة المالية حساباته في ضوء سيناريوهات التشاؤم، وهي استمرار أسعار النفط عند معدلات منخفضة عما كانت عليه خلال الشهور الـ 10 الأولى من عام 2018. 
ولم يبق على استقبال عام 2019 إلا أيامًا معدودة، ولا يعرف الشعب السعودي حقيقة ما ستكون عليه الأوضاع المالية في عام 2019، إذ لم تقم الحكومة بالإعلان بعد عن مشروع ميزانيتها، كما لم تقدم شيئًا لمجلس الشورى بهذا الخصوص. 

البيان التمهيدي

وكانت وزراة المالية السعودية قد أعلنت عبر موقعها الالكتروني عن البيان التمهيدي الذي صدر منذ أيام قليلة، وهي المرة الأولى التي تحدث في تاريخ السعودية منذ تأسيسها، بأن تقوم بتقديم ما يسمى بـ “البيان التمهيدي للميزانية”.
والجديد بالذكر أن البيان التمهيدي يعد بمثابة محاور رئيسة لما سيكون عليه الوضع المالي، وهو قابل للتعديل والحذف والإضافة، وهو المعنى الذي أكد عليه البيان التمهيدي في مقدمته، إذ ذكر الآتي: “مع مراعاة أن الميزانية المعتمدة رسمياً قبل نهاية العام قد تحتوي على تعديلات عما يظهر في البيان التمهيدي في ضوء ما قد يستجد حتى تاريخ إعلان الميزانية رسمياً بنهاية العام المالي”.
ولم تتخذ الحكومة السعودية خطوة إصدار بيان تمهيدي للميزانية، إلا لتحسين ترتيبها على مؤشر شفافية الموازنة، الذي تحتل فيها السعودية المرتبة الأخيرة، وتحصل على صفر من مجموعة درجات المؤشر وهي 100 درجة. 
فهل ستنتظر الحكومة السعودية الأسبوع الأخير كعادتها كل عام لتعلن عن ميزانيتها؟، فغالبية الدول تعلن عن الميزانية السنوية قبل بداية العام المالي (العام المالي السعودي يبدأ في يناير/كانون الثاني وينتهي في ديسمبر/كانون الأول من كل عام) بنحو 3 أشهر أو شهرين على الأقل، حتى تكون هناك مساحة للمشاركة من قبل مجتمع الأعمال والمجتمع المدني، ويعرف المواطن ما له وما عليه، من خلال المزايا الاقتصادية والاجتماعية التي سيتحصل عليها من الإنفاق الحكومي السنوي، وكذلك الأعباء التي سيدفعها نتيجة زيادة الضرائب والرسوم، وكذلك كيف ستتصرف الحكومة في الإيرادات العامة، سواء كانت إيرادات سيادية أو جارية. 

أوضاع سلبية

وبلا شك أن المملكة العربية السعودية تمر بأوضاع اقتصادية سلبية تفرض على حكومتها مزيد من الشفافية فيما يتعلق بطريقة التصرف في المال العام، وبخاصة أن البلاد منذ أزمة انهيار أسعار النفط في يونيو 2014، وهي تعيش حالة من الركود والتراجع الاقتصادي، وتأخر الإعلان عن مشروع الميزانية السعودية إلى ما قبل عام 2019 بأيام معدودة، يعكس مجموعة من الدلالات السلبية، منها:
–    تهميش دور المجلس التشريعي: تجاوزًا، إذا ما اعتبرنا أن مجلس الشورى السعودي، مجلسًا تشريعيًا، فمتى يناقش الميزانية؟ متى يتم استدعاء مسؤولي الوزارات والهيئات المعنية بالميزانية، ومناقشتهم فيما طلبوه من أموال، وكيف سينفقونها، وما هو العائد منها على المجتمع.
–    غياب دور مجتمع الأعمال، في ظل ممارسة امتدت لعقود في طبيعة الاقتصاد السعودي، مفادها أن القطاع الخاص السعودي، يعتمد بشكل كبير على الإنفاق الحكومي، وبخاصة ما يتعلق بالبنية الأساسية، فإن الأمر يقتضي أن يشارك هذا القطاع في فهم السياسات المالية والاقتصادية التي ستنفذها الحكومة خلال العام القادم، فضلًا عن أن يكون شريكًا فيها. 
ويلاحظ خلال السنوات الماضية أن هناك خروجًا غير قليل لرؤوس الأموال السعودية من البلاد إلى بعض الدول الإقليمية والأوربية. وحسب تقديرات مؤسسة النقد العربي السعودي فتحويلات السعوديين للخارج بلغت نحو 11 مليار دولار تقريبًا خلال الشهور الـ 8 الأولى من عام 2018، ويتوقع أن تشهد المزيد خلال الفترة من أغسطس/آب – دسيمبر في ضوء انخفاض الليرة التركية وتوجه عدد كبير من السعوديين لشراء عقارات بتركيا.
–    عدم مشاركة المجتمع المدني، وهذه آفة المجتمعات التي تفتقد للمناخ الديمقراطي، فالمواطن السعودي ينتظر تنفيذ حكومته لتعليمات صندوق النقد الدولي، التي توصي برفع أسعار الوقود وباقي الخدمات الأساسية، وتخفيض الوظائف الحكومية، وخصخصة القطاع العام. 
ومن حق المواطن السعودي أن يلم بشكل كاف بإيرادات ونفقات بلاده، وبخاصة في ظل فواتير سيتم دفعها نتيجة تصرفات سياسية غير مسئولة لولي العهد في مناطق عدة.
لقد مضى عهد أن ينظر للميزانية العامة للدولة عن أنها مجرد مجموعة من الأرقام، وماذا سيحصل عليه المواطن من دعم، أو ما تقدمه الحكومة من خدمات، فالميزانية أصبحت تترجم مدى قيمة الإنسان في دولته، فإن ساهم في إعدادها وراقب تنفيذها، وراجع أداءها في ضوء مردودها على حياته ورقيها، فهي ميزانية الإنسان، أما إذا تفرد بها الحاكم وأهمل المجتمع، فهي أداة للديكتاتورية، وسحق للإنسان.
 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه