دعك من البرازيل.. تجارب ناجحة لمواجهة كورونا في أمريكا اللاتينية!

الشعب الذي ترعرع أطفاله على تعلّم الغوص في مصبات مياه الصّرف الصحي، لن تهزمه “نُزَيلة البرد العابرة”

 في الوقت الذي تخطّت فيه بلدان أمريكا اللاتينية مُجتمعة 250 ألف إصابة و15 ألف وفاة بسبب كوفيد 19 وتستمر الحصيلة في الارتفاع، تنأى الباراغواي وكوستا ريكا بنفسيهما عن بلدان المنطقة بتجربتيهما الإيجابيتين في إدارة أزمة هذه الجائحة. ورغم اختلاف وسائل البلدين إلا أن النتائج أثبتت نجاحهما النسبي الى حد الآن في السيطرة على الوضع.

نزلة برد خفيفة:

    لعلّ ما يقفز الى ذهن العربي عند ذكر جائحة كورونا في بلدان أمريكا اللاتينية، البرازيل التي تخطّت وحدها المائة ألف إصابة بسبب استهتار رئيسها بولسونارو وتصريحاته المستفزة بشأن فيروس كورونا. إذ اعتبرها مجرد “نزلة برد خفيفة”، وقال إن البرازيليين أقوى من أن يتأثروا بها، الشعب الذي ترعرع أطفاله على تعلّم الغوص في مصبات مياه الصّرف الصحي، لن تهزمه “نُزَيْلة البرد العابرة”. وعاند ومازال الى اليوم رؤساء فيدراليات البلد في وجاهة فرض نظام الحظر العام. ولا تبتعد رؤية رئيس البرازيل عن نظيره المكسيكي الذي تراخى بدوره وبشكل لافت في إدارة الأزمة. أمّا بقية البلدان المنكوبة على غرار الإكوادور والبيرو، فالحقيقة أن حصيلتها المرتفعة ترجع بالأساس الى سوء إدارة أزمة الجائحة رغم الالتزام بنظام الحظر منذ منتصف مارس/ آذار الماضي.

     في المقابل، قد تصيبنا أسماء بلدان لاتينية أخرى بالدهشة عند رؤية حصيلة إصاباتها الضئيلة جدا، على غرار نيكاراغوا التي صرّح رئيسها في بداية هذا الشهر أن حصيلة ضحايا الفيروس في بلده  20 إصابة ووفاتان. وهي تصريحات لا تدع مجالا للشك أنها خالية من الشفافية، مثلها مثل بلدان لاتينية أخرى، بما فيها تلك الأكثر تضررا.

    أما الاستثناء الذي لفت الأنظار في هذه المنطقة هي الدروس القادمة من كوستا ريكا والباراغواي، . فكوستا ريكا مثلا تستحق الذكر، وهي البلد السياحي بامتياز والواقع بين بنما ونيكاراغوا، على مساحة 55 ألف كم² ويقطنه 5.5 ملايين ساكن نجحت في التحكم في الوفيات والتي بلغت 10وفيات فقط وتحكّمت كذلك في عدد الإصابات التي قاربت 800. وأقدمت منذ منتصف مارس/ آذار على غلق حدودها، بعد أسبوع من اكتشاف أول إصابتين دخيلتين، لكنها لم تفرض نظام الحظر العام على مواطنيها، بل اعتمدت نظام حظر نسبي يعوّل على تفهّم المواطنين في كل ما يتعلق بالنشاط التجاري والإداري وقوانين المرور. وزير صحتها، وهو طبيب أمراض وبائية بالصدفة، صرّح بأن نجاح بلده في التحكم في تمدّد العدوى يرجع بالأساس الى النظام الصحي الذي تتمتّع به كوستا ريكا. إذ يحظى قطاع الصحة العام في هذا البلد الصغير بـ6% من الناتج الإجمالي المحلي ويحتوي على 29 مستشفى مركزيا، و1000 وحدة صحية منتشرة على جميع المناطق، هذه الوحدات تتكفّل بالنظر أولا في حالات الشك في الإصابات، بعدها تحسم أمر مرورهم الى المستشفيات الخاصة بكوفيد 19 أو متابعتهم بصرامة في أماكن العزل. وتوفّر الوزارة الفحوص مجانا (البالغة الى الآن حوالي 15 ألف)، مع تشديد منع التقارب الاجتماعي عن طريق إرساء وحدات أمنية في التجمعات السكنية الكبرى.

اغلاق الحدود

     الباراغواي من جهتها، بلد الـ 7.256 ساكن وذات مساحة الـ403 كم²، سجلت ما يقارب 400 إصابة وحوالي 10 وفيات إلى حد الآن، وكانت من أولى الدول التي أغلقت حدودها في 10 مارس/ آذار، ثلاثة أيام فقط بعد اكتشاف أول إصابة دخيلة. وأصدرت حظرا عاما صارما جدا مكّنها من الوصول اليوم الى خلوّ أسرّة العناية المكثفة في مستشفياتها من المصابين تماما. القرار كلّف اقتصادها خسائر مادية كبرى تقارب 3.000 مليون دولار طوال حظر شهر ونصف، إضافة الى استغناء القطاع الخاص عن 70 ألف عقد عمل ووجود 6 آلاف شركة على حافة الإفلاس. لكن مع هذا، تُعتبر تجربة الباراغواي في إدارة أزمة كوفيد 19 ناجحة جدا، الأمر الذي خوّل لها الانطلاق الإثنين الماضي في نظام “حظر ذكي”، يعتمد استرجاع قطاع الصناعة والتجارة والنقل نشاطها تدريجيا حسب جداول حدّدتها الحكومة، مع تواصل غلق الحدود  حتى إشعار آخر واستمرار قطاع التعليم في العمل عن بعد حتى نهاية السنة. جدير بالذكر أن المرور الى مرحلة تطبيق “الحظر الذكي” أصابت أصحاب القرار وعلى رأسهم الرئيس عبدو بنيتاز بالخشية من اندلاع الإصابات من جديد، إذ خرج في خطاب مستعجل يدعو فيه المواطنين لالتزام إجراءات السلامة التي فرضتها وزارة الصحة ووزارة النقل. ورغم أن الدعوة في الحقيقة تراوحت بين الأمر والتوسّل، إلا أنها كشفت أن هذه الخطوة التي اتخذتها حكومة الباراغواي تبدو بمثابة المغامرة التي يمكن أن تعصف بمكاسب مجهودات شهر ونصف.

الخطر الأكبر

     في الوقت الذي تجتهد فيه بعض بلدان أمريكا اللاتينية لتطويق تفشي عدوى فيروس كورونا داخل حدودها، يبقى هاجس ارتفاع الإصابات في بلدان الجوار الخطر الأكبر الذي يهدد هذه البلدان واحتمال تسلل بعض الحالات عبر الحدود البرية، الخطر نفسه الذي يشغل بال المكسيك والولايات المتحدة شمالا.

 

 

 

 

 

   

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه