دحلان كبش فداء… هل تقبل تركيا؟!

 

تسارعت خلال الايام القليلة الماضية الخطوات التركية الهادفة إلى كشف كافة ملابسات جريمة إغتيال الكاتب والصحفي السعودي جمال خاشقجي، وهو ما وصفه البعض بالتصعيد غير المبرر من جانب أنقرة، ويرفع من حدة مواجهتها الخفية مع الرياض وينقلها إلى العلن، مما يزيد الامور تعقيدا، ويلقي بظلاله السلبية على العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. 

موقف تركي متشدد

شدة الموقف التركي وصرامته آثارت العديد من علامات الاستفهام حول الاسباب الخفية التى تكمن وراء  هذا الاندفاع الرسمي في توجيه اتهامات لإشخاص بذاتهم داخل البيت الملكي السعودي بالضلوع المباشر في تلك الجريمة؛ فالرئيس أردوغان صرح بإن مرتكب الجريمة معروف لديه، ولم يتبق إلا الاعلان عن اسمه رسميا، لافتا النظر إلى التصريحات الواضحة التى أدلت بها نيكي هيلي مندوبة الولايات المتحدة في الامم المتحدة وحملت فيها الحكومة السعودية، وولي العهد السعودي شخصيا مسئولية مقتل جاشقجي، مشيرا إلى أن ذلك يعني أن الحقيقة بدأت تتكشف بكل تفاصيلها، وان محاولات البحث عن كبش فداء لن تنجح. 
تصريح اردوغان سبقه تصريحا مماثلا لفخر الدين ألتون رئيس هيئة الاتصالات برئاسة الجمهورية، اتهم فيه القنصل السعودي صراحة بإنه شريك فعلي في هذه الجريمة، وأن الامر اصبح يستلزم البحث عن العدالة على صعيد القانون الدولي لما في ذلك من مصلحة للمجتمع الدولي ، مشيرا الى أن طلب تسليم المتهمين الذى تقدمت به تركيا والذى قوبل بالرفض من جانب الرياض، كان فرصة ذهبية امام السلطات السعودية لتثبت للعالم إستعدادها للكشف عن ملابسات تلك الجريمة البشعة بكل شفافية ، إلا ان تلك الفرصة تم إهدراها مما جعل الذين يتهمون السعودية بالتستر على الجريمة لصالح أشخاص بعينهم على حق. 

دحلان كبش فداء

 

الكشف عن اسباب التصعيد التركي الاخير، والتوصل إلى دوافعه، لم يتأخر كثيرا، إذ ان بعض الإعلاميين والمحللين السياسيين ، أرجعوا الامر إلى ملف يحوي معلومات محددة التفاصيل وصل إلى النخبة الحاكمة بتركيا عن طريق مسؤولين سعوديين وفلسطينيين ، وهي المعلومات التى تم تسريبها لعدد من وسائل الاعلام المقربة من الحزب الحاكم والمحسوبه عليه، تدشينا لبدء حملة التصعيد الجديدة، حيث ذكرت تلك الصحف ان المسئول الفلسطيني محمد دحلان الذى يعمل لصالح ولي عهد الامارات محمد بن زايد أقام حفلا على شرف الامير محمد بن سلمان ،على ظهر يخت فاخر يمتلكه في دبي .
 وان الاميران بن زايد وبن سلمان ودحلان اجتمعوا وحدهم على ظهر اليخت عقب إنتهاء الحفل، حيث قام الأميران بإبلاغ دحلان انهما يفكران جديا في إعلان مسئوليته عن تخطيط وتنفيذ جريمة مقتل خاشقجي، مع التعهد بتعويضه ماديا وأدبيا بسخاء عن الخسائر التى يمكن ان يتعرض لها جراء ذلك الاعتراف، إلا ان دحلان رفض بصورة قاطعة هذا العرض، ليستدعي الاميران من فورهما أفراد من طاقم الحراسة الخاص بهما،  ليبدأوا شجارا وإشتباكات بالايدي مع دحلان، الذى كُسر عنقه، واُدخل أحد المشافي الخاصة في دبي، وتم إبلاغ اقاربه انه تعرض لحادث سير مؤسف، وانه يتلقي علاجه في المشفى تحت حراسة مشددة، وان الزيارة ممنوعة عنه، ورجحت وسائل الاعلام التركية ان يتم عرض الصفقة عليه مرة اخرى بعد أن يتمائل للشفاء عله يقبل!!. 

 

تحرك قانوني ودبلوماسي

 

هذه المعلومات أثارت غضب المسؤولين الاتراك ومخاوفهم في آن واحد، اذ رأوا فيها – بغض النظر عن صحتها من عدمه – إستمرارا لرغبة المملكة السعودية في حماية المسئول الاول الذي أعطى تعليمات القتل للفريق الذي جاء إلى اسطنبول خصيصا لتنفيذ تلك التعليمات، وسعيها الدؤوب لايجاد من يقبل بتحمل مسئولية تلك الجريمة فداءا لولي العهد السعودي.  
ومن هنا كانت التحركات التركية مؤخرا على كافة الاصعدة الداخلية، والخارجية سياسيا وأمنيا ودبلوماسيا بهدف عرقلة تلك المحاولات السعودية، والسعي لدى الدوائر الدولية والاممية لكشف الحقيقة كاملة، ومعاقبة المسئول الاول عن الجريمة، ورفض القبول بكبش فداء له، ايا كانت طبيعة كبش الفداء هذا، وعلاقته بخاشقجي حتى يُقدم على قتله.
فعلى الصعيد الداخلي أصدر مكتب النائب العام التركي مذكرة للقبض على كل من سعود القحطاني مستشار ولي العهد السابق، واحمد العسيري نائب رئيس الاستخبارات السابق، وذلك على ذمة التحقيق الذى تجريه السلطات التركية في جريمة مقتل خاشقجي، كما تقدم المدعي العام بمذكرة تقضي بجمع المزيد من المعلومات حول الخمسة عشر شخصا المشتبه بقيامهم بتنفيذ الجريمة، وهو التحرك الذى يعني تلقائيا تدخل الإنتربول الدولي لإلقاء القبض على المتهمين كإجراء لاحق روتيني، بالاضافة إلى إمكانية تعميم منشور بقرار القبض على المتهمين، في جميع دول العالم- في حال طلبت تركيا ذلك.

التهديد بتدويل القضية

إلى جانب تزايد حدة التصريحات من جانب الوزراء المعنيين بالملف، فوزير الخارجية مولود شاويش أوغلو، الذي التقى مؤخرا الامين العام للامم المتحدةة، وناقش معه القضية، صرح” إن عدم تعاون السلطات السعودية معنا في التحقيقات بعدما تشاركنا معها كافة الادلة والمعلومات والمستندات، لا يترك لنا المزيد من الخيارات للقيام بتحقيق حيادي للتوصل إلى المحرك الفعلي لفريق الاغتيال، لم يعد لدينا خيار أخر سوى الاتفاق مع بعض شركائنا الاوربيين لتقديم طلب للامم المتحدة لفتح تحقيق دولي حول جريمة مقتل خاشقجي”. 
فيما أعلن وزير العدل عبد الحميد غول ان بلاده إستكملت الاستعدادات القانونية والتقنية اللازمة لنقل ملف قضية مقتل خاشقجي إلى المحافل الدولة ” عند اللزوم”. مشيرا إلى ان ” الرئيس اردوغان اعطى تعليمات مشددة بضرورة العمل على منح القضية بُعدا دوليا “.

 

رأي عام عالمي 

    
 الدبلوماسية التركية زادت من نشاطها أوروبيا وأمريكيا بهدف كشف كافة الحقائق المرتبطة بجريمة اغتيال خاشقجي للرأي العام العالمي، الذي أصبح طرفا معنيا بالامر، والتأكيد على رفض انقرة لدعوات غض الطرف التي يتبناها البعض، او القبول بالتستر على الفاعلين الحقيقيين لتلك الجريمة البشعة، والاسباب الخفية التى تكمن وراء الإقدام على هكذا فعل، طمعا في تحقيق مكاسب مالية على حساب تحقيق العدل. 
إذ تم عرض كافة الادلة والمعلومات والتسجيلات التى بحوذة جهات التحقيق التركية على رؤساء العالم المعنيين بالامر، وهو مامكن الخارجية التركية من تشكيل رأى عام أوربي داعم للضغط على السلطات السعودية للاعلان عن الحقيقة كاملة دون مدارة او مواربة، وفي هذا الإطار جاء قرار عدد من تلك الدول وعلى رأسها ألمانيا وفرنسا وكندا وقف تصدير أسلحتها أو السماح للمتهمين في القضية بدخول أراضيها. 

 

مأزق البيت الأبيض

 

اما في الولايات المتحدة فقد وجد البيت الابيض نفسه في مأزق لايحُسد عليه بسبب الموقف التركي المتشدد حيال مرتكبي الجريمة، خصوصا وان الرئيس الامريكي وصهره جريد كوشنر يتولون الدفاع عن ولي العهد السعودي الذى تشير كافة الادلة والمستندات والتسجيلات الصوتية إلى ضلوعه في الجريمة، فيما يرى أعضاء الكونجرس وعدد من المنتسبين للحكومة ضرورة محاسبة بن سلمان على جريمته، وفي هذا الاطار جاء تصويت مجلس الشيوخ لصالح مشروع قرار يُحمل بن سلمان المسؤولية المباشرة عن مقتل خاشقجي، بصفته كان المسيطر على قوات الامن خلال وقوع الجريمة. وذلك بناءا على الادلة والتحليلات المتوفرة لدى مجلس الشيوخ. داعيا الحكومة الامريكية والمجتمع الدولي إلى محاسبة جميع المتورطين في الجريمة بمن فيهم محمد بن سلمان.  
الموقف الامريكي ذلك ارجعه الرئيس اردوغان إلى نجاح الدبلوماسية التركية في إيصال المعلومات والتسجيلات التى بحوزة الامن إلى اعضاء الكونجرس والاستخبارات الامريكية، معربا عن يقينه ان الامور لن تتوقف عند ذلك الحد، بل ستتواصل وتطور. 

حفظ القيم الانسانية  

وهى المواقف التى تعني ضمن ماتعني ان انقرة لاتريد ولاترغب في إغلاق ملف هذه القضية دون كشف الحقيقة، والانتصار للعدل، فرغم مرور اكثر من شهرين ونصف الشهر على وقوعها، إلا ان موقفها الرافض للقبول بالصمت والتستر على الجريمة كما ترغب في ذلك الرياض،  مراعاة  لخاطر الملك سلمان على اقل تقدير، والذى ارسل الكثير من رسائل الترضية لانقرة، لم يزيدها إلا إصرارا وتعنتا لكشف تفاصيل ماجرى داخل القنصلية السعودية في اسطنبول، وتحميل المسئول الذى يقف وراء الجريمة البشعة تبعات جريمته، وان سعيها لكشف كافة تلك التفاصيل التى تقف وراء ارتكابها والمحرض الفعلي عليها، ومكان اختفاء الجثة، ليس هدفه التشهير بإحد أو الانتقام من احد، بل ان الهدف الاساسي والمحرك الفعلي لديها هو إظهار الحقيقة كاملة، وتحقيق العدالة بمعاقبة جميع المسئولين عن تلك الجريمة أياكان موقعهم أومركزهم داخل البيت السعودي، إحقاقا للحق، وحفاظا على القيم الانسانية للمجتمع الدولي. 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه