داليا الياس تكتب: إنهم يفضلونها عاملة!

معظم الرجال الآن يفضلون المرأة (العاملة)! ولا يتعلق الأمر بقدرتها على تصريف شؤون المنزل، ولا درايتها بأمور الحياة، ولا قوة شخصيتها، إن المعني بهذه العبارة جيبها. يتبع

داليا الياس*
معظم الرجال الآن يفضلون المرأة (العاملة)! ولا يتعلق الأمر بقدرتها على تصريف شؤون المنزل، ولا درايتها بأمور الحياة، ولا قوة شخصيتها، إن المعني بهذه العبارة جيبها، أو إن شئنا الدقة حقيبتها اليدوية وما بها من أوراق مالية تقي الرجل شر العديد من الالتزامات المالية تجاهها كزوجة بصفة شخصية وتجاه المنزل والأبناء في كثير من الأحيان.

 لهذا تصبح المرأة المنتجة صاحبة المدخلات المالية أفضل كثيراً من تلك الخاملة المتواكلة التي تأخذ دون أن تعطي مهما كانت ميزات تفرغها لإدارة مملكتها الزوجية، فالزواج لم يعد “مملكة” بذلك التعبير الرومانسي، ولكنه بات “شركة” بكل ما تحمله الكلمة من أبعاد اقتصادية جافة وموضوعية.

وقد يبدو الأمر مقبولاً في ظل الظروف الاقتصادية الحرجة التي يعيشها السواد الأعظم من الأسر، وقد أصبحنا فعلياً نسهم ــ كنساء عاملات ــ بنسبة مقدرة من مدخلاتنا الشهرية في دعم اقتصاد بيوتنا وعن رضاء تام وقناعة كاملة بأن هذا بات واحداً من واجباتنا الزوجية والتزامنا كأمهات؛ ولكن الأمر يبدأ في التحول إلى إشكال كبير حالما تجاوز المعقول وتحول إلى نوع من الاستغلال أو الاتكالية التي يبدأ الزوج في ممارستها ضد زوجته العاملة.

بل إنه في كثير من الأحيان يذهب إلى أبعد من ذلك بحيث يبدأ في مطالبة زوجته بالقيام بدور مالي ثابت أو مساهمة اقتصادية دورية تجاه أسرته مثلما تفعل تماماً تجاه أهلها أو يبدأ بالتذمر من الخدمات والإعانات التي تقدمها لأهلها كنوع من البر أو رد الجميل، وكأنها تأخذ ما تعطيه لهم من جيبه الخاص معطياً بذلك نفسه حقوقاً أكثر من اللازم بحيث يظهر امتعاضه وتحفظه على تلك الإعانات بصورة واضحة ودون أن يستحي على وجهه.
فهل يصنف ذلك تجاوزاً أو سطوة ذكورية قحة أم غياباً للنخوة والشهامة أم أنها وقاحة معلنة؟!

 فبينما كان الطبيعي أن يقوم الزوج في السابق بمنح زوجته نفقاتها كاملة بما فيها الكسوة والإدام ودواعي المجاملات الاجتماعية وتكاليف زينتها الشخصية من حنة وكوافير ونحوه على اعتبار أنها تقوم بكل ذلك إرضاء لعينيه، أصبح الأزواج الآن بعيدين تماماً عن هذا الأمر.

فبما أن الزوجة لها ذمة مالية منفصلة ومصدر دخل ثابت يقوم الزوج تلقائياً برفع يده تماماً عن كل ما تقدم، وهي لا تمتعض ولا تثور، ثم يبدأ تدريجياً في التنصل من العديد من التزاماته المالية تجاه المنزل فيترك لها أمر تغيير الأثاث وشراء الستائر والملاءات ثم بعض المواد التموينية، ثم كسوة العيال، والمساهمة بنسبة كبيرة من الأقساط المدرسية الباهظة ثم شراء عدد مقدر من كيلوات الدفع المقدم الكهربائي وربما سداد رسوم المياه والنفايات أيضاً، وهي صابرة ومحتسبة تكابد إرهاقها في العمل وواجباتها المنزلية اليومية الثابتة وأعباء الأمومة من رعاية وتربية الأبناء بل ومراجعة دروسهم وتقويم سلوكهم، ثم الاهتمام به هو شخصياً كرجل لا يعذر ولا يقدر ولا يتنازل عن حقوقه الزوجية المختلفة وبعد كل هذا القيام بواجباتها الاجتماعية، كل ذلك على حساب راحتها البدنية والنفسية بالإضافة إلى احتمال إحساسها المعذّب بالظلم والقهر والاستغلال الذي بات يبدو واضحاً في سلوك العديد من الأزواج تجاه زوجاتهم العاملات المسكينات.

وبعد كل هذا ربما يطالبها بشراء هدية لوالدته أو معاونة أهله في تصريف أمورهم وهذا لعمري ضد جميع قوانين الطبيعة؛ رغم أن العديد من الزوجات يقمن غالباً من تلقاء أنفسهن بتقديم بعض الهدايا الرمزية والخدمات القيمة لأهل أزواجهن لا سيما الأمهات سعياً لنيل الرضا وكسب الوداد الذي يبدو دائماً عسيراً. والأسوأ من كل ذلك أن يبقى الزوج متربصاً بعينين يقظتين في انتظار (صرفة الصندوق) القيّمة التي تخص زوجته ليبدأ في وضع الخطط المحكمة لبنود صرفها بما يتوافق وطموحاته ويبدد خرافة ذمة زوجته المالية المنفصلة على اعتبار أنت ومالك لزوجك.

وليتهم بعد كل هذا يشكرون! فالشاهد أن معظم الرجال يفتقرون للإحساس بالامتنان! أو يعمدون لغض الطرف عن أسبابه، ولديهم خلل فطرى في التعبير عن كل شعور نبيل! وهذا هو الوجه الأقبح في ذلك المشهد برمته، فالمرأة على استعداد دائم للقيام بكل شيء وبذل الغالي والرخيص مقابل كلمة طيبة تخرج من شفتي رجل تحبه أو تشاركه الحياة .. كلمة تحلق بها في سماوات رحيبة وتمنحها طاقة مدهشة للبذل والعطاء بكامل التجرد وأريحية!

ولكن المؤسف أن بعض الرجال يشعرون بمجرد ارتباطهم بامرأة ما…وكأنها أصبحت من ممتلكاته! فيستبيح روحها وجسدها ومالها وحتى كرامتها! .. وبعضهم يدفع بها لمعترك الحياة لتجلب له المال بأي كيفية بينما يظل هو يمارس دوره التاريخي كزوج على اعتباره هارون الرشيد!

بسبب هؤلاء تحديدا .. ننصح بالذمة المالية المنفصلة .. احتفظي بقرشك الأبيض ليومك الأسود .. فمن الواضح أن الأيام السوداء مع هكذا رجل ستتوالى، وعليك أن تكوني مستعدة دائما للفرار بجلدك من زوج لا يرى فيك أكثر من كونك ماكينة إنتاج!  فمن يعمد لاستغلالك واستنزافك لن يعنيه أبدا أمر مشاعرك.

____________________________

* كاتبة سودانية
 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه