خوازيق المشايخ “المغرّية” فى تحصيل الحسنات المخفية

فتاوى كثيرة لا معنى لها مثلاً أن ملكة إنجلترا من آل الرسول، صلى الله عليه وسلم، وأن عبد الحليم حافظ غنى “أبو عيون جريئة للرسول” ؟؟، وأن ابو الهول هو النبي إدريس.

أراد الشيخ على جمعة مفتى الديار المصرية السابق أن يسوق دعاية إيجابية للإيمان بالله فى مواجهة الملحدين، فقال “لو مفيش ربنا الدنيا هتبقى سودة وكئيبة وخازوق مغرّى” .. ورغم ما أثاره التصريح من لغط واندهاش بين الناس إلا أننى لم أندهش لعدة أسباب أهمها اتساق أسلوب الشيخ مع المضامين الغريبة للعديد من الفتاوى التى أطلقها، هذا بالإضافة إلى أننى من المؤمنين بأن فتاوى المشايخ ومواقف البشر من قضايا الدين لابد وأن تحمل بداخلها مسحة من مصلحة ذاتية تتسع وتضيق بحسب صدق وإيمان صاحبها، إلا أنها موجودة بحكم الطبيعة البشرية .

 فى مقالي هذا سأسبح مسافة قليلة بين مشاهدات شخصية وحوادث تاريخية للبحث عن تأثيرات المصالح الذاتية على الاستنادات الفقهية وفتاوى المشايخ، وربما لن أقف عندها كثيراً ولكن سأنتقل بعدها إلى بعض من فتاوى شيخنا على جمعة التى تؤكد أن فتاوى بعض المشايخ تضع المصلحة الدنيوية فى المقدمة وتثبتها بالأسانيد الدينية.

لما بعث علي بن أبى طالب رضى الله عنه، عبد الله بن عباس، للاحتجاج على الخوارج قال له “لا تخاصمهم بالقرآن، فإن القرآن حمال أوجه، ذو وجوه، تقول ويقولون، ولكن حاججهم بالسنة، فإنهم لن يجدوا عنها محيصا” .

أراد علي رضى الله عنه أن يحكم الجدل والحوار والخلاف بما يحيط بالبشر من ظروف وملابسات دنيوية والابتعاد عن التفسيرات المختلفة لآيات القرأن، مستندا على سنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم،  والذى كان يعيش فى فترة زمنية ملتصقة بزمن هذا الحوار، وبالتالي فإن أحاديثه تعد سنداً وتفسيراً واقعياً لأزمات هذه الفترة وانطلاقا من أنه صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى  وأنه الوحيد القادر على إحكام الفتاوى بما يتطابق مع النص القرآنى .

 وللأسف فإن عبارة “حمال أوجه” تم تداولها بسياق مختلف، أعطى مساحة واسعة للتفسيرات الذاتية وفتاوى الشطط، فأصبحت المواقف مرهونة بالتفسيرات والمنطق الذاتي وليس المصلحة والمنطق الجماعي وخاصة فى وطن تتعدد فيه الأديان.

صوت الأقباط

منذ أيام قليلة كنت أجالس زملاء لي من أصحاب اتجاهات الإسلام السياسى، أرتاح لهم ويرتاحون لى رغم الاختلافات الأيدلوجية بيننا ، وتعرضنا لحوادث ماسبيرو ومذبحة الشباب الأقباط على يد الجيش، واتفقنا جميعا على أنها مذبحة ضمن المذابح ضد الديمقراطية التى قام بها العسكر لا يفرقون فيها بين المسيحي والمسلم ، وفى وسط الحديث أبدى زميل منهم جملة اعتراضية قائلا ” لكن برضه الاقباط فى الوقت ده صوتهم ارتفع شويه وده مش كويس!!” فسألته ولماذا تستنكر ارتفاع صوت الأقباط فى المطالبة بحقوقهم فى العبادة؟!، وكان الرد الضمنى “إحنا دولة إسلامية والدين عند الله الإسلام كما ذكر القرآن ” ، هذا بالضبط التفسير الجامد والحرفي لنص قرآنى وبما يتناسب مع غرض ذاتي لمجموعة ما، مع أن السنة النبوية تؤكد تساوى الحقوق لسكان البلد الواحد رغم اختلاف دياناتهم كما أكد رسول الله صلى الله عليه وسلم فى دستور المدينة .

 ما علينا لنرجع إلى فتاوى رجال الدين ودوافعها التى خرجت بها عن المحتوى الحقيقى للدين الذي يؤسس للتسامح والمساواة والعدل بين كل البشر .. الحقيقة هذا أمر قديم ومنه على سبيل المثال ما ورد فى كتاب “عجائب الآثار فى التراجم والأخبار” لعبد الرحمن الجبرتى ، الجزء الأول طبعة مكتبة الأسرة 2003 ص 318 ، نصاً “ومن الحوادث أيضاً في نحو هذا التاريخ أن نصارى الأقباط قصدوا الحج إلى بيت المقدس وكان كبيرهم إذ ذلك نوروز كاتب رضوان كتخدا، فكلم الشيخ عبد الله الشبراوي في ذلك وقدم له هدية وألف دينار، فكتب له فتوى وجوابا ملخصه أن أهل الذمة لا يمنعون من دياناتهم وزياراتهم. فلما تم لهم ما أرادوا شرعوا في قضاء أشغالهم وتشهيل أغراضهم، وخرجوا في هيئة وأبها وأحمال ومواهي وتختروانات فيها نساؤهم وأولادهم ومعهم طبول وزمور، ونصبوا لهم عرضياً عند قبة العزب، وأحضروا العربان ليسيروا في خفارتهم، وأعطوهم أموالاً وخلعاً وكساوي وأنعامات. وشاع أمر هذه القضية في البلد واستنكرها الناس فحضر الشيخ عبد الله الشبراوي إلى بيت الشيخ البكري كعادته وكان علي أفندي أخو سيدي بكري متمرضاً فدخل إليه يعوده، فقال له: أي شيء هذا الحال يا شيخ الإسلام على سبيل التبكيت، كيف ترضى وتفتي النصارى وتأذن لهم بهذه الأفعال لكونهم رشوك وهادوك. فقال: لم يكن ذلك. قال: بل رشوك بألف دينار وهدية وعلى هذا تصير لهم سنة ويخرجون في العام القابل بأزيد من ذلك ويصنعون لهم محملاً ويقال حج النصارى، وحج المسلمين وتصير سنة عليك، وزرها إلى يوم القيامة..

 فقام الشيخ وخرج من عنده مغتاظاً وأذن للعامة في الخروج عليهم ونهب ما معهم، وخرج كذلك معهم طائفة من مجاوري الأزهر، فاجتمعوا عليهم ورجموهم وضربوهم بالعصي والمساوق، ونهبوا ما معهم وجرسوهم ونهبوا أيضاً الكنيسة القريبة من دمرداش، وانعكس النصارى في هذه الحادثة عكسة بليغة وراحت عليهم وذهب ما صرفوه وأنفقوه في الهباء. “

فساد الفتاوي

الثابت من رواية “الجبرتى” أن هذا الحادث الواقع فى محيط عام 1164هـ يكشف عن حقيقتين، الأولى فساد الفتاوى في كل الأديان حتى فى أمور الدين والعبادات، فالنصارى لجأوا للرشوة ليحصلوا على فتوى من الشيخ “الشبراوى” صاحب المقام الديني الرفيع (بحسب رواية الجبرتى)  تتيح لهم الحج لبيت المقدس، وهو فساد متبادل لا يتناسب مع قدسية الهدف، الحقيقة الأخرى هو رسوخ الطائفية البغيضة في المجتمع المصرى حتى أن يقوم الشيخ البكري أو أخوه برفض حق النصارى فى العبادة والحج والمساواة بالمسلمين مما أدى إلى أحداث طائفية عنيفة فى ذلك الوقت .

وتنتقل مصالح فتاوى المشايخ من دائرة الاستفادة المادية والفساد إلى دائرة التبرير للحكام ومد مظلة التقديس الديني لسياسات وهوى الحاكم، ومن أبرزها فتاوى شيخ “الخازوق المغرّى” وهى الفتاوى التي كفرت جماعة الإخوان لخروجهم عن الحاكم السيسى بعد 30 يونيو، وفى مقابلها فتاوى تعتبر أن الأمريكان والإسرائيلين من عباد الله الصالحين المرضي عنهم، والدليل وجود البترول فى أراضيهم، هذا غير الفتاوى العبثية النابعة من تصور الشيخ أنه يسوقها استجابة لمطلب الحاكم بإصدار فتاوى تقلل أسباب الخلاف والطلاق فى الأسر، وكان من أبرز هذه الفتاوى ماقاله “جمعة” بشأن علاقة الزوج بزوجته قائلاً “على الرجل أن يتساهل مع زوجته قائلا “قبل ما تروح بيتك اتصل بمراتك وقول لها إنك جاى لعل معها رجلاً، فأعطه فرصة ليمشى”. وتابع “إذا عاش رجل مع زوجته وهو لا يعلم أنها على علاقة برجل، وتشكك، فقضى على الشك فى نفسه، فلا بأس، والنبي صلى الله عليه وسلم، كان يأمرنا بذلك، ويقول “من آتى منكم من السفر، فلا يطرقن أهله بليل”.

شيخ الخازوق

 ويتصور شيخ الخازوق المغرّي أن مواجهة التشدد يكون بالتسهيل فى مواجهة المحرمات، ولو بإثارة قضايا غير مطروحة فى الواقع مثل قوله إن التدخين لا ينقض الوضوء، فى حين أن شارب الخمر يجب أن يمضمض فاه بالماء قبل الصلاة؟!! وقال “اللى يصلى وفى جيبه أفيون أو حشيش، صلاته صحيحة، أما إذا كان فى جيبه خمرة، فصلاته باطلة، والحرمة شىء والطهارة شىء آخر”!!!

فتاوى كثيرة لا معنى لها مثلاً أن ملكة إنجلترا من آل الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن عبد الحليم حافظ غنى “أبو عيون جريئة للرسول” ؟؟، وأن ابو الهول هو النبي إدريس !!

كل هذا الهراء من مشايخ الخوازيق المرتبط بعبث وانهيار نظام الدولة، إنما تكون نتيجته النهائية أن الدنيا بوجود مثل هؤلاء المشايخ وهذه العقول، خازوق “مغرّى” .

  

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه