خطيئة جديدة للسيسي في سد النهضة

البنك الدولي لا يشارك في مفاوضات السدود ولكنه مقاول غير شريف في بناء السدود خاصة الضخمة منها.

أقل ما يوصف به طلب وزير الخارجية المصري من إثيوبيا إشراك البنك الدولي، باعتباره طرفًا محايدًا، في مفاوضات اللجنة الفنية الثلاثية المعنية بدراسة تأثيرات سد النهضة الإثيوبي الاقتصادية والاجتماعية والهيدروليكية على مصر والسودان، أنها خطيئة جديدة تضاف إلى أخطاء الجنرال عبد الفتاح السيسي المتكررة في أزمة السد، بداية من توقيعه منفردًا اتفاق المبادئ الذي أعطى للسد شرعية دولية كان محرومًا منها، إلى استسلامه في مفاوضات عبثية استمرت ثلاث سنوات ونصف السنة منذ اعتلى كرسي الحكم فعليًا منتصف عام 2014.

وبالرغم من تراخي المفاوض المصري وإهداره مزيدا من الوقت قبل تقديم الطلب الذي جاء بعد شهر ونصف الشهر من فشل المفاوضات، فقد مر أسبوعان على الطلب المصري دون أن ترد إثيوبيا حتى كتابة هذه السطور. وفي ظل التراخي الإثيوبي والبرود المصري، ما زال السيسي يتمسك بالمفاوضات خيارًا إستراتيجيًا في مواجهة الأزمة، وقد أعلن المتحدث باسم الرئاسة تأكيد السيسي على أهمية التواصل مع إثيوبيا واستئناف المفاوضات.

لكن أسئلة مهمة تطرح نفسها في هذا التوقيت من عمر المفاوضات وقرب الانتهاء من بناء السد وهى: لماذا يفترض الجنرال السيسي أن البنك الدولي صاحب خبرة وشريك محايد بالفعل في مفاوضات السدود على الأنهار الدولية؟، ومن أين جاءت ثقته في حياديته؟، وهل يضمن السيسي التزام إثيوبيا بتنفيذ توصيات خبراء البنك الدولي، واحترام المخرجات النهائية وتوصيات الدراسات الفنية إذا شملت بقواعد وسنوات الملء الأول، وقواعد التشغيل السنوي والتنسيق مع خزانات السدود في مصر والسودان؟، وكذا التزامها بتوفير المعلومات الخاصة بأمان السد، سيما أنها لم تلتزم بها حتى الآن، وقد رفضت دراسات المكتب الفرنسي التي قد لا تختلف عن دراسات البنك؟

البنك متورط في السدود

يدعي نظام عبد الفتاح السيسي أن البنك الدولي صاحب خبرة وشريك محايد في مفاوضات السدود على الأنهار الدولية، وهذا ادعاء كاذب والحقيقة أن البنك الدولي لا يشارك في مفاوضات السدود ولكنه مقاول غير شريف في بناء السدود خاصة الضخمة منها؛ ذلك أن منظمة الأنهار الدولية قد دأبت على فضح استثمارات البنك الدولي في إنشاء السدود الكبيرة والمثيرة للجدل في الدول الفقيرة بحجة محاربة الفقر.

وتتهم منظمة الأنهار الدولية البنك الدولي بتورطه في الاستثمار في قروض باهظة التكاليف من أجل تمويل بناء السدود الضخمة على مجاري الأنهار الدولية في الدول الفقيرة، وكذا استغلاله فقر هذه الدول التي تتوقع مكاسب ماليه كبيرة، ولكنها تفاجئ بعد بناء السد بتراجع المكاسب وزيادة أعباء التشغيل، ثم تعجز حكومات هذه الدول عن سداد قروض البنك الباهظة، فتستقطع قيمتها من مخصصات الإنفاق على التعليم والرعاية الصحية والاعانات الاجتماعية، فتؤدي هذه السدود إلى زيادة معدلات الفقر بدلًا من الحد منها.

وهي منظمة الأنهار الدولية: منظمة عالمية تختص بنزاعات الأنهار العابرة للحدود، وتدافع عن حقوق المجتمعات التي تعيش حولها، وتناهض إقامة السدود الضخمة عليها، بما فيها سد النهضة الإثيوبي، وتساعد في إيجاد بدائل مناسبة لها وإيقاف القائم منها، وتعمل في أكثر من 60 بلدا منذ تأسست في عام 1985 في كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية،

ومنذ العام 2012 وبعد انتخاب جيم كيم رئيسًا جديدًا للبنك الدولي، فقد أعلن البنك عن مرحلة جديدة تقضي بمضاعفة الاستثمارات في مشاريع الطاقة الكهرومائية الكبيرة، بما في ذلك السدود “التحويلية” الضخمة، والتي منها سد النهضة الإثيوبي.

البنك يمول سدود الخراب

وقد أصدرت منظمة الأنهار الدولية في سبتمبر 2013 نشرة بعنوان “سدود البنك الدولي الكبيرة، نهر من الخراب” كشفت فيها عن أن البنك الدولي موّل خلال السنوات الـ 65 الماضية مشاريع نحو 600 سد حول العالم، تكلفت 100 مليار دولار أمريكي، وتسببت هذه السدود في تدمير بيئي لا يمكن وصفه، وزادت الفساد المالي في هذه الدول، وشردت أكثر من 10 ملايين شخص، وأثرت سلبًا على حياة مئات الملايين من الأشخاص الآخرين.

وقالت المنظمة أنه في سنة 2000، رأت اللجنة العالمية للسدود، التي أنشأها البنك الدولي والاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة، أنه “في حالات كثيرة جدا دفعت أثمانًا اجتماعية وبيئية غير مقبولة، وفي كثير الأحيان غير ضرورية لتأمين ما يعرف بفوائد السدود. وبالرغم من هذا الاعتراف المشين، وفي 2003 تجاهل البنك الدولي توصيات مجلس التنمية العالمية، وقرر البدء في تمويل السدود الكبيرة مرة أخرى من خلال ما أسماه “الإستراتيجية عالية المخاطر/عالية المكافأة” وعلى مدى عقد الأخير دعم البنك أكثر من 20 مشروعا للسدود.

البنك مقاول فاسد

وفي عام 2012، وعلى الرغم من رفض البنك الدولي دعم سد جلجل جيبي 3 المقام على نهر أومو في إثيوبيا، والمتهم بقطع امدادات المياه عن دولة كينيا المتشاركة معها في النهر، وبالرغم من ذلك دعم البنك مشروع السد من الباب الخلفي وذلك بتمويل خطوط نقل الكهرباء الذي يمكن إثيوبيا من بيع هذه الكهرباء التي ينتجها السد إلى البلدان المجاورة!

واستشهدت المنظمة بدور البنك في 1979 في تمويل سد ياكريتا على نهر بارانا الذي خلق منذ ذلك الحين ما يسمى “النصب التذكاري للفساد” وبدأت تكلفة المشروع تتصاعد من 2.5 مليار دولار لتنتهي إلى 15 مليار دولار، وطال الفساد كل جانب من جوانب المشروع، وقد أدى الخزان الضخم إلى تشريد 40 ألف شخص.

في 2013 قرر البنك الدولي زيادة مخصصات إقراض السدود، وجعل البنك سد إنجا 3 على نهر الكونغو رمزا لجيل جديد من السدود الضخمة بتكلفة 14 مليار دولار، وإنتاج 4800 ميغاواط من الكهرباء ونقلها إلى جنوب أفريقيا على بعد 5 آلاف كيلو مترات. وقالت الأنهار الدولية إن السد لا يعود بالنفع على سكان الكونغو الفقراء، وبالعكس يؤدي السد إلى تهجير نحو 35 ألف شخص، وتبوير 22 ألف هكتار من الأراضي الزراعية، ونهب الثروات وزيادة الديون القومية، وانتشار الفساد في بلد فقير لا يناسبه إلا مشاريع كهرمائية صغيرة.

البنك يمول الديكتاتورية العسكرية

وتقول منظمة الأنهار الدولية أنه في عام 1978، موّل البنك الدولي الحكومة الديكتاتورية العسكرية الأكثر قمعية في غواتيمالا من أجل بناء سد تشيكسوي. وعندما عارض أفراد المجتمع المحلي إعادة التوطين وطلبوا تعويضات أفضل، تعرضوا للذبح والتعذيب والخطف، وعاش الناجون منهم سنوات في فقر مدقع. وذبح العسكر أكثر من 400 من السكان الأصليين، وشردوا أكثر من 3500 منهم لإفساح المجال أمام المشروع، وعانى أكثر من 6 آلاف أسرة في المنطقة من فقدان الأراضي وسبل العيش.

وفي ​​ 2005 انتهت اللجنة القانونية المشكلة لدراسة قضايا سد شيكسوي إلى أن السد الذي موله البنك الدولي تسبب في خسائر في الأرواح والأراضي وسبل المعيشة، وأنه انتهك القوانين الوطنية والدولية. ووقعت اللجنة في أبريل/نيسان 2010 على حكم بالتعويضات عن الأضرار والخسائر المادية وغير المادية التي لحقت بالمجتمعات والأيتام المتضررين من بناء سد شيكسوي بمبلغ 154.5 مليون دولار أمريكي، وكذلك بناء منازل بديلة لمجتمع باكو، وتحسين الطرق وشبكات المياه والصرف الصحي، ومشاريع البنية التحتية الأخرى.

وكذلك قضى الحكم بتقديم رئيس غواتيمالا اعتذارا للمجتمعات المحلية المتضررة وتمكينهم من الاطلاع على الوثائق الموجودة في الأرشيف التاريخي للشرطة الحلية فيما يتعلق بالسيطرة وقمع الدولة الذي استخدم ضد المجتمعات المحلية أثناء تشييد سد شيكسوي.

وفي إدانة صارخة لخبراء البنك الدولي، وافق الكونغرس الأمريكي في يناير/كانون الأول 2014، على مشروع قانون الاعتمادات الأمريكي الموحد والذي يطالب مدراء البنك الدولي الذي مول بناء سد تشيكسوي، بتقديم تقرير عن الخطوات التي يجب أن يتخذها البنك لدعم تنفيذ خطة أبريل 2010 لجبر الأضرار التي لحقت بالمجتمعات المتضررة من بناء سد شيكسوي الكهرومائي في غواتيمالا.

البنك ليس الحل

إذا كان الجنرال السيسي يبحث الآن عن حل دولي لأزمة سد النهضة، فإن البنك الدولي ليس محكمة دولية، ولا لجنة لفض النزاعات السياسية، ولا مجلس عرفي يتدخل في حل أزمات تعقدت على أيدي جنرالات تدعي حسن النية، ولكنه مؤسسة مالية تهدف إلى الربح وتستثمر في قروض مشروعات السدود الكهرومائية الضخمة، ويهتم بالضمانات ويلتزم بقوانين الاستثمار الرأسمالي.

والبنك الدولي ليس الاختيار المناسب لحل أزمة سد النهضة، لأنه ليس بديلا لمجلس الأمن ولا الجمعية العامة للأمم المتحدة في حفظ الأمن والسلم الدوليين، ولا بديل لمحكمة العدل الدولية في الفصل في النزاعات القانونية التي تنشأ بين الدول طبقا لأحكام القانون الدولي، وهي المؤسسات الدولية التي تأخر السيسي في الاحتكام إليها والطريق الصحيح الذي يضمن حقوق مصر القانونية في مياه النيل ولكنه تعمد تجاهلها منذ بداية تعامله مع الأزمة.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه