حنان علي تكتب: الصديق الترانزيت

لا صوت يعلو فوق صوت المصلحة” فنحن في زمن فقد القيم والعملة القابلة للصرف فيه هي تبادل المصالح المادية، حتى في داخل الأسرة الواحدة.. يتبع.

حنان علي*

“لا صوت يعلو فوق صوت المصلحة” فنحن في زمن فقد القيم، والعملة القابلة للصرف فيه هي تبادل المصالح المادية، حتى في داخل الأسرة الواحدة.
فالعلاقات الإنسانية صارت مبنية علي المصالح المادية البحتة فمن يري أنه لم يجن من خلال معرفته بك مصلحة ملموسة، يبتعد عنك في الحال. وهذا النوع إن أعطيته ملكته وإذا منعت عنه تمردا..!
ومع رحلة البحث عن المصالح المشتركة فقدنا نوعا من العلاقات كان أقوي من أي منها، هو “الصداقة” بكل معانيها الجميلة والسامية المنزهة عن أي أغراض.
وقد قالوا إن الصديق هو من يصدقك القول والعمل والحب والود. والصداقة لها درجات ولا تعني إلا كل خير من كل طرف للأخر فهي من الصدق وتجسدت في أروع أمثلتها صداقة سيدنا أبو بكر الصديق  لنبينا محمد صلي الله عليه وسلم، فهو أول من صدق الرسول وأول من امن به حين أتاه الوحي ورافقه طوال رحلته الدعوية حتى مماته.
قالوا أيضا إن وجدت من يخفف همك ويستر سرك ويشاركك فرحتك وحزنك  من دون انتظار المقابل أو الجزاء، فاعلم أنك وجدت الصديق. أما الآن فنحن أمام أنواع جديدة من الصداقات المبنية علي النفاق والكذب والخداع لا نعرف هل هذا ناتج عن حال المجتمع وتدني مستوي معيشة الفرد الذي أدى إلى التكالب علي جمع المال والضرب بكل ما تحمله العلاقات الإنسانية من معان جميلة عرض الحائط.

فالصديق إلى وقت قريب كان أقرب إلي صديقه من إخوته وكان هو السند الحقيقي لصديقه وظله وحامي ظهره إن أصابه أي مكروه. يفديه بروحه وماله إيماننا منه بأن هذا واجب وحق عليه. هو المرآة الحقيقية له، التي تظهر له عيوبه  قبل مميزاته، حتى يصححها ويتلافاها في المستقبل، فلا ينافقه، ولا يداهنه، ولا يتملقه، ويوجهه إذا ضل الطريق الصحيح
والصداقة مبنية علي العطاء والصدق والأمانة حتى يرى الصديق صديقه في أفضل صورة له ويتمني له النجاح في كافة مناحي الحياة، ويساعده بما يستطيع من أفعال لكي يحقق ذلك النجاح. يحبه ويلغي كلمات الغيرة والحقد من قاموس حياته فهو لا يحقد عليه إن وجده ناجحا، بل يتمني له المزيد من النجاح والتقدم، يفرح لفرحه ويشعر بالفخر حين يجد صديقه ينجح وكأنه هو الذي نجح.

هذا كان الصديق قديما، صديق آبائنا  وأجدادنا، الذي اختفي مع كل الأشياء الحلوة التي اختفت من عالمنا وحل محله الصديق الترانزيت..الذي يصاحبك لفترة ما ويكون مثل ظلك فان اختلفت معه أو لم تحقق له المصلحة المرجوة انقلب عليك، وأصبح مثل من يعبدون الله علي حرف، وبناء عليه أعلن الحرب عليك واظهر أقبح ما فيه، من صفات سيئة  واستخدم أبشع ما يمكن من أسلحة الدمار الشامل علي المستوي الإنساني والنفسي. فهو في الأساس لم يكن يبني تلك الصداقة علي الحب والعطاء ولكنه كان منذ البداية محدد هدفه من تلك العلاقة بالمصلحة.

قال رسول الله صلي الله عليه وسلم “خير الأصحاب من قل شقاقه وكثر وفاقه”. وقال أيضا: “من غضب عليك ثلاث مرات فلم يقل فيك شرا، فاتخذه لنفسك صديقا”. وقال أرسطو: “الصديق هو روح واحدة تعيش في جسدين”
وللأسف علينا عبء كبير في اختيار أصدقائنا.  فنحن  نتخيل أن ولاء الشخص لنا يعني أنه صديق مخلص ونقع في خطأ الاختيار من دون إجراء أي اختبارات لمعرفة مدي صدق هذا الصديق. وأكثر ما يمكن أن يعرفنا علي معدن صديق ما هو تعارض المصالح، فإن ظل الصديق كما هو وتمني الخير لصديقه فهذا صديق حق، يجب أن لا نتخلى عنه بينما إذا اختلف حين تعارضت المصلحة فيجب أن يتم استبعاده منذ البداية وعدم السماح له بالوجود في حياتنا. فمن  لا يتمني لنا الخير مثلما نتمنى له فلا يجب أن نصادقه.
اللهم اكفني شر أصدقائي أما أعدائي فأنا كفيل بهم.
________________________

*كاتبة وصحفية مصرية 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه