حل حزب البناء والتنمية؟

 

سعى ضباط 23 يوليو لتأميم الحياة السياسية فقاموا بحل الأحزاب لإحكام السيطرة العسكرية على كل مظاهر المدنية، ثم سمحوا بعد ذلك بالحزب الواحد الذي يمثلهم ويدور في فلكهم مع بضعة أحزاب صنعت على أعينهم تكملة لمشهد المعارضة الكارتونية التي كانت تنبعث من هذه الأكشاك الحزبية، حتى جاءت ثورة 25 يناير فأعادت للحياة السياسية بريقها وبدأت تتشكل الأحزاب السياسية التي تعبر عن قطاعات كبيرة من الشعب المصري.

التجربة

وكانت تجربة حزب البناء والتنمية من التجارب الثرية الجديرة بالتأمل والنظر؛ فبعد أن خرجت الجماعة الإسلامية من دائرة الصراع مع الدولة وأعلنت في عهد مبارك ما عرف بالمراجعات الفكرية أسست بعد ثورة يناير ذراعا سياسية لها هي حزب البناء والتنمية الذي رفضته لجنة الأحزاب في البداية وحصل على الموافقة بعد اللجوء إلى  القضاء، لكن بعد انتهاء مواعيد الترشح للانتخابات البرلمانية ومع ذلك حصل على ثلاثة عشر مقعدا في مجلس الشعب 2012 بل تفوق تحالفه الانتخابي في سوهاج على قائمة الإخوان المسلمين وفاز أعضاؤه على المقاعد الفردية بنسبة 100%.

واستطاعت كتلته البرلمانية أن تمارس دور المعارضة المستقلة ولم تدخل تحت عباءة الأغلبية، وفي مرحلة اختيار مرشح الرئاسة وبعد استبعاد الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل تم الاختيار حسب جمعية عمومية خالفت فيها القواعد توجه القيادة وحصل د. عبد المنعم أبو الفتوح على 64% فأعلن الحزب دعمه له في تطبيق عملي لمبدأ الشورى الملزمة.

الإيثار

وفي مرحلة تشكيل لجنة الدستور التي كانت ولادتها متعثرة ضرب قادة الحزب مثالا رائعا في إيثار المصلحة العامة على ما سواها وتنازلوا عن حصة الحزب من المرشحين جمعا للكلمة وتوحيدا للصف، ورشحوا قامتين كبيرتين من رجال القانون والقضاء ولا ينتميان إلى الحزب وهما د. محمد محسوب عميد كلية الحقوق بجامعة المنوفية، والمستشار ناجي دربالة نائب رئيس محكمة النقض وأحد رموز تيار استقلال القضاء.

وواصل الحزب مواقفه المشرفة عندما طرح الرئيس محمد مرسي فك الله أسره وإخوانه فكرة استكمال أعضاء مجلس الشورى من خلال تعيين النسبة التي حددها الدستور، كان رأي البناء والتنمية أن تكون غالبية من يختارهم الرئيس من غير الإسلاميين فيجمع بذلك اللحمة الوطنية ويرقع ما تخرق من نسيجها، ولكن التيار المدني رفض لأن أعينهم كانت على كرسي الحكم وليس مقاعد البرلمان.

وكان قادة الحزب قد توقعوا ذلك فقدموا في مقترحهم للرئيس أنه في حالة الرفض تقسم المقاعد بما يحقق التوازن والتنوع الذي يثري برلمان الثورة، وكان الاتفاق على عشرة من كل حزب وتم الاختيار حسب الاتفاق إلا مع البناء والتنمية حيث اختير د. صفوت عبد الغني ومحمد الصغير فقط!

الطهطاوي

وكان السفير رفاعة الطهطاوي رئيس ديوان رئيس الجمهورية قد أخبرني أن د. مرسي اختارني في قائمته وحزب البناء والتنمية وضعني في مقدمة ترشيحاته فتم احتسابي مرة على الرئيس ومرة على الحزب!

ومع اعتراض قادة الحزب على إخلاف الوعد ونقض الاتفاق تم إضافة المهندس عبد القادر عبد الوهاب من كوادر الحزب في محافظة بني سويف بطريقة لولبية لا يتسع المقام لشرحها وهو من جملة المعتقلين الآن ومحكوم عليه بالمؤبد.

وسادت حالة من الغضب في أروقة الحزب وبين قواعده وكان الصوت العالي يطالب بعدم المشاركة في مجلس الشورى ورفض التعيين فيه ولكن تغلب الصوت المنادي بالمصلحة العامة أولا، ومراعاة أن الأمر سيفت في عضد الرئيس مرسي!

وبلغ الأمر مؤسسة الرئاسة فاتصل بي السفير رفاعة وأخبرني أن الاختيار والقسمة تمت من دون علم د. مرسي وهو يقدر الحزب وقادته ويرغب في تقديم الاعتذار لهم وسألني عمن يقدم له الاعتذار؟ فقلت له: الشيخ عبود الزمر الأكبر سنا ود. عصام دربالة هو رئيس مجلس الشورى فقال بأدبه المعهود سنتصل بالشيخين.

فهل يجدر بحزب هذه بعض مواقفه أن يعلن رئيسه الحالي أن التصويت في انتخابات السيسي موكول إلى أعضاء الحزب كل حسب اختياره؟

الابتزاز

والملاحظ أن النظام من بعد الانقلاب يقوم بعملية ابتزاز رخيصة بتحريك الدعاوى القضائية لحل الحزب ليبقى أعضاؤه تحت هذا السيف المصلت، ولا مانع من تقديم تنازلات في سبيل المحافظة على اللافتة أو الرخصة، وما قضية الانتخابات إلا بداية التنازلات ومن أمسك بطرف السلسلة سينتهي به الأمر إلى ما آل إليه حزب النور الذي بدأ بمرحلة المضطر وأكل الميتة حتى وصل إلى مرحلة الدعم المباشر وحملة (لماذا نستحي؟) وعندما أفلس رموز حزب النور دخل علماء الدعوة السلفية بالإسكندرية على الخط فانتقلوا معا من الاجتهاد السياسي إلى النفاق العقدي.

والسؤال:

ما الدور السياسي الذي يقوم به حزب البناء والتنمية من بعد الانقلاب وحتى الآن؟

وكيف يجمع بين كونه حزبا مرخصا وبين مشاركته في تحالف دعم الشرعية الذي كان يؤدي عملا ثوريا؟ ثم هل مصلحة بقاء مقر الحزب الذي ليس له عمل ظاهر إلا الندوة الشعرية التي تعقد كل شهر، تساوي التنازل عن المبدأ والثوابت؟ إلا إذا كان الحزب رضي من الغنيمة بالإياب وقبل بالأمر الواقع…!

حتى ولو كان كذلك فلتكن مراجعات مدروسة وليست تنازلات مجانية، وأنتم أعلم الناس بمراوغة النظام وختله وتجربتكم معه في المراجعات السابقة كانت مريرة ومازالت غصتها في الحلوق.

تبقى حجة الحفاظ على أعضاء الحزب من الاعتقال، مع أن عامة رموز الحزب بين معتقل أو مطارد، وتعمد النظام قتل الشهيد عصام دربالة رمز الجماعة ومهندس الحزب بمنع دواء السكر عنه بعد اعتقاله أثناء جولته الدعوية للتحذير من فكر داعش وخطرها الفاحش، والحقيقة أن الخطر على أعضاء الحزب يكمن في استمراره على وضعية منتصف السلم: لا في الثورة ولا في المعارضة!

ويبدو أن بعض القائمين على تسيير الحزب غاب عنهم أنهم يمثلون جماعة إسلامية تنطلق من محكمات الشرع وتضبطها أصوله، ومن ذلك ما رواه العرس بن عميرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

“إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فأنكرها كمن غاب عنها ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها”.

فحضور جريمة التجديد للقاتل  تأييد له ومباركة لكل ما سبقها من جرائم.

وبما أن غالب أعضاء الجماعة الإسلامية من الصعايدة فأحدثهم باللغة التي يعرفونها: الذهاب لانتخاب السيسي كمن يذهب إلى فرح قاتل أبيه
رحم الله الشهيد عصام دربالة وعزت السلاموني وإخوانهم أجمعين.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه