حقوق الإنسان تضيع وسط المصالح السياسية

ممثل فيتنام يعلم أن هناك وفدا تجاريا من فيتنام فى طريقه لمصر لتعزيز التجارة بين البلدين، فهل يتسبب فى تعكير جو الزيارة أم يساهم فى تيسير مهمتها لزيادة الصادرات؟

                                   

 

فى الثالث عشر من نوفمبر/تشرين الثاني الحالى كان موعد عرض الملف الوطني المصري لحقوق الإنسان على المجلس الدولي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والذي يعقبه إتاحة المجال للتعقيب على الملف من قبل حكومات الدول الأعضاء بالأمم المتحدة، وتقديم ما تراه من توصيات للدولة المصرية لتحسين حالة حقوق الإنسان فيها.

وتوقع أصحاب النوايا الحسنة من أهالى عشرات آلاف المعتقلين، وأهالي ضحايا ميداني رابعة العدوية والنهضة، والعديد من الميادين الرئيسية بالمدن المصرية، وأهالي المصابين بالخرطوش والرصاص المطاطي والرصاص الحي، وأهالي المختفين قسريا، وسكان مصر من مختلف التيارات السياسية الذين يعيشون حالة من الاستبداد والقهر وغياب حرية الرأى والتعبير منذ سنوات، أن يسمعوا شهادة من العالم تشاطرهم همومهم، وتخفف من أحزانهم، لكن ما حدث في الواقع العملى كان مختلفا تماما عما ألم بهم.

الدولة المصرية من جانبها استعدت بتقديم ملف يبرىء ساحتها من أي تجاوزات فى ميادين حقوق الإنسان الخمسة، المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كما حشدت ضمن الوفد الرسمي الذي سافر الى جنيف لعرض الملف برئاسة وزير شؤون البرلمان، عددا من القيادات الحكومية منهم رئيس إدارة حقوق الانسان بالنيابة العامة. والسيدة رئيس المجلس القومي للمرأة، ورئيس المجلس القومي للأمومة والطفولة، ورئيس المجلس القومي لشؤون الإعاقة، ومساعد وزير الخارجية لحقوق الإنسان، ومندوب مصر الدائم بالمنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة بجنيف.

جمعيات حقوقية للدفاع عن النظام!

كما اصطحب الوفد الرسمي معه وفدا آخرا من عدد من المنظمات الأهلية المصرية المعنية بحقوق الإنسان، على رأسها المجلس القومى لحقوق الإنسان والمنظمة المصرية لحقوق الإنسان، وجمعية المحاميات المصريات، والمركز المصرى لحقوق المرأة وجمعية المرأة والتنمية بالإسكندرية، ومؤسسة ماعت للسلام والتنمية، والمجلس العربى للمحاكمة العادلة، وجمعية شركاء من أجل التنمية، إلى جانب بعض ممثلي الجالية المصرية بسويسرا.

وكانت مهمة الجميع سواء من الوفد الرسمي أو الحقوقي المرافق، هي تفنيد أي أمور سلبية تتعلق بأداء النظام المصرى تجاه حقوق الإنسان، وتأكيد التزامه فى كل تصرفاته بمراعاة نصوص الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، وكذلك مراعاة النظام للنصوص المتعلقة بحقوق الإنسان بالدستور المصري والقوانين المصرية، واهتمامه بنشر ثقافة حقوق الإنسان والمساواة وتكافؤ الفرص بين مختلف الفئات المجتمعية، بداية بالأطفال مرورا بالشباب والنساء والمعاقين واللاجئين.

وسعى الوفد الرسمي والحقوقي لدى وفود الدول الأربعة والسبعينالأعضاء بالمجلس الدولي لحقوق الإنسان، وكذلك مع ممثلي باقي أعضاء منظمات الأمم المتحدة بجنيف، لتأكيد براءة النظام المصري مما يثار حوله إعلاميا من أية جوانب قصور تتعلق بحقوق الإنسان، واستعراض الخطوات التي قام بها لتعزيز تلك الحقوق من خلال العديد من الإجراءات التى تضمنها الملف المصري والتي شملت: 13 مبادرة و17 برنامجا و17 استراتيجية وثلاثة منتديات وثلاث حملات وثلاثة صناديق مالية وخمس جهات لتلقي الشكاوى المتعلقة بحقوق الإنسان.

بحيث يغرق من يقرأ الملف المصري وسط تلك التفاصيل وكأنها حقائق على الأرض وليست إجراءات ورقية في معظمها، ويستبدل بها ما تزخر به وسائل الإعلام الدولية من صور متعددة لانتهاكات النظام المصري لحقوق الإنسان، وما تذكره بعض المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، مثل منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومان رايتس ووتش ومنظمة صحفيون بلا حدود وغيرها، من ممارسات مجافية لحقوق الإنسان في مصر منذ سنوات.

جهود دبلوماسية مساندة للموقف المصرى

وساند الوفد المصري الرسمي والحقوقي في مساعيه بين ممثلي الدول الأعضاء بالأمم المتحدة بجنيف، جهود أخرى لدول خليجية ودول أخرى ذات علاقات قوية بالنظام المصري مثل اليونان وقبرص وروسيا وغيرها، بالقيام باستخدام علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية، للدعوة لمساندة الملف المصري الرسمي.

وجاء الملف المصري المكون من 14 فصلا مستعرضا جهود النظام المصرى لتعضيد حقوق الإنسان بمختلف صورها، سواء الحقوق المدنية والسياسية المتعلقة بحرية الرأي والتعبير، أو الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتمكين المرأة وحقوق الطفل، وحقوق ذوي الإعاقة وتمكين الشباب ومكافحة الفساد ومساندة اللاجئين والمغتربين بسبب الهجرة.

ورد الملف على ما يثار حول النظام المصرى من انتهاكات بشكل غير مباشر، ففيما يتعلق بحرية الرأي والتعبير استعرض نصوص الدستور التى تكفل حرية الرأي والتعبير، وفيما يخص التعذيب استعرض النصوص الدستورية التي تجرم التعذيب بل وتعتبره جريمة لا تسقط بالتقادم، وهكذا يجد من لديه أية ملاحظة تتعلق بجانب من جوانب حقوق الإنسان، حشدا من النصوص الدستورية والقانونية التي تجرم ذلك الفعل.

ونسي واضعو الملف المصري، أن سفارات  الدول أمدت ممثليها بالوقائع العملية التي لمستها خلال السنوات السبع الأخيرة، والتي تناقض تماما ما ورد في صفحات الملف، وأن النظام المصري لا يلتزم بتلك النصوص الدستورية ولا القانونية وضرب بها عرض الحائط، واستن لنفسه طريقا لا يلتزم فيها بأية قيود دستورية أو قانونية في التعامل مع الخصوم بل والمؤيدين، الذين كان مصيرهم الإيداع بالسجون منذ سنوات، مع المد المتتالي لفترات حبسهم من دون سقف زمني.

وكان النظام المصري مدركا لتأثير العلاقات السياسية والاقتصادية على شهادات الدول، وهو ما حدث بالفعل حيث كانت شهادات العديد من منها والمُذاعة علنيا، تشيد بالملف المصرى وما به من جهود لتعضيد حقوق الإنسان بالمجالات المختلفة، ولأن العرف جرى على أن يتاح لكل ممثل دولة أن يبين موقفه من الملف المصري ثم يوصي ببعض التوصيات.

   تبادل المنافع على حساب حقوق الإنسان

 فقد جاء كثير من التوصيات يوصي بالمزيد من نشر ثقافة حقوق الإنسان، أو بالمزيد من مكافحة الفقر وتوفير فرص العمل وتشجيع دخول النساء لسوق العمل، ومنع عمالة الأطفال وتوفير مياه الشرب والصرف الصحى خاصة في الريف، وهكذا.

 فممثل فيتنام، مثلا، يعلم أن هناك وفدا تجاريا من فيتنام في طريقه لمصر لتعزيز التجارة بين البلدين، فهل يتسبب في تعكير جو الزيارة أم يساهم في تيسير مهمتها لزيادة الصادرات من فيتنام لمصر والمحدودة حاليا؟  ودول أخرى تحقق فائضا تجاريا ضخما في تجارتها مع مصر مثل الصين وروسيا، فهل تضحي بمثل هذا الفائض الكبير، وهي تدرك توزيع النظام المصري لخريطة الواردات حسب المواقف السياسية للدول منه!

السبب الثاني لطمأنينة النظام المصرى لموقف الكثير من الدول من ممارساته غير السوية في مجالات حقوق الإنسان، هو أن الكثير منها يمارس أبشع صور الانتهاكات في بلاده، وبالتالى فهم يحتاجون لشهادة مماثلة من ممثل مصر في المجلس الدولي لحقوق الإنسان، عندما يحين وقت عرض تقارير حالة حقوق الإنسان في بلادهم، فماذا نتوقع من شهادة من دول مثل العراق أو الصين أو روسيا أوالسودان مثلا غير الإشادة بالموقف المصري، كي يسكت هو الآخر عما يمارسونه من انتهاكات لحقوق الإنسان في بلادهم؟

وهكذا كانت آراء غالبية الدول مؤيدة للملف المصري أومتجاهلة لواقع حقوق الإنسان المزري في مصر، بما يشير لعدم انتقادها له، لكن الأمر لم يخل من مواقف مغايره لدول أخرى انتقدت أوضاع حرية الرأي والتعبير الخانقة، وحجب المواقع الإلكترونية الإعلامية، وارتفاع أعداد المعتقلين والمحاكمات غير العادلة للمعارضين، وحالات التعذيب للمعارضين وطالبت بمنع المحكمات العسكرية للمدنيين وأشارت إلى الاختفاء القسرى للمعارضين، ودعت لوقف العمليات الثأرية ضد المعارضين، وأشارت إلى الانتهاكات من قبل قوات الجيش والشرطة تجاه المدنيين وإلى منع التظاهر وطالبت بإلغاء عقوبة الإعدام.

مثل دول: الجبل الأسود وهولندا وألمانيا والولايات المتحدة ونيوزيلندا، والنرويج وبيرو وكوريا الجنوبية وسلوفينيا وإسبانيا، والسويد وسويسرا وفنزويلا والأرجنتين وأستراليا والنمسا، والبهاماس وبلجيكا وبلغاريا وكندا وأفريقيا الوسطى وشيلي وغيرها.

ويظل السؤال هل سيتبع تلك الانتقادات قيام تلك الدول بإجراءات ضد النظام المصري؟ والإجابة أن المصالح الاقتصادية ستكون لها الغلبة، وربما جاءت بعض تلك الانتقادات للضغط على النظام المصري لتخصيص نصيب أكبر لهم، من فطيرة الواردات المصرية من السلع والخدمات والأسلحة، وربما جاء بعضها لإرضاء الرأي العام بها فقط، لكن اتخاذ إجراءات تصعيدية ضد النظام المصرى لدفعه لتحقيق تحسن في حالة حقوق الإنسان أمر مستبعد غالبا.

ويظل السؤال البديهي: أين هي مواقف الدول التي عارضت الأداء المصري، في ملف حقوق الإنسان، من أجل المبادىء والحياة الكريمة للمواطنين المصريين، ومن أجل إقرار مواثيق مقررات الأمم المتحدة بشأن حقوق الإنسان، التي تدعمها الأخلاقيات والأديان السماوية والوضعية؟ وتظل الإجابة على هذا التساؤل مؤجلة لحين تغير الأوضاع السياسية والاقتصادية على خريطة الواقع الدولي، والذي يحتاج ربما لعقود من الزمان!

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه