حسن نافعة وما جرى له في مطار القاهرة!

 

هل كان مفاجأة للدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية، هذه المعاداة التي يكنها «العسكري»، للكتب؟!

كان الدكتور نافعة قد تعرض للتوقيف في مطار القاهرة، تم خلاله تفتيشه وتفتيش متعلقاته (الهاتف النقال واللاب توب) تفتيشاً دقيقاً، ويبدو أنه لا جديد في هذا الأمر، فالرجل كثير السفر، وفي كل مرة يكتب عن تعرضه للتوقيف والانتظار لأكثر من ثلاث ساعات، وذات مرة قال إنهم قاموا بتفتيش حافظة نقوده، لكن الجديد فيما كتبه هذا المرة أنهم صادروا كتباً كانت بحوزته، لا مقطوعة ولا ممنوعة، ومن ثم كانت رسالته التي توجه بها هذه المرة لعبد الفتاح السيسي في «رسالة مفتوحة» نشرتها له جريدة «القدس العربي»، يتساءل خلالها عن سر العداء بين ضابط الأمن الوطني في المطار والكتب؟. والمصادرة هنا ليست سياسة ضابط، حيث يقوم الضابط بالمهمة في أدب على نحو كاشف بأنها سياسة دولة، وهو ما لا يريد الدكتور أن يصدقه لحسن نيته في النظام الحاكم!

سياسة حكم:

ليست لدي رغبة في الشماتة، فالدكتور نافعة من الذين فعلوا السوء بجهالة، بتأييدهم الانقلاب العسكري ثم تابوا من قريب، وما يتعرض له هو ثمن هذه التوبة، لكن المؤسف فعلاً أنه وهو أستاذ للعلوم السياسية، كان يعتقد أنه بتأييده إسقاط الرئيس المنتخب بقوة الدبابة، أن هذا سيمكن من إقامة حياة ديمقراطية سليمة، أو أن المجلس العسكري برئاسة وزير الدفاع كان مؤهلاً لإحقاق الحق وإقامة الدولة المدنية، وإذا جاز لغيره ممن لم يدرسوا السياسة، ولقلة الخبرة، أن يعتقدوا هذا الاعتقاد، فكيف له هو أن يتصور ذلك؟!

والمؤسف كذلك، أنه يتصور أن ضابطاً مهما علت رتبته في مطار القاهرة، أن يبادر بتوقيفه، في كل مرة، وتفتيشه في ذهابه وإيابه، والتطاول على أشيائه الخاصة، بدون موافقة عليا، إن لم يكن تنفيذاً لأوامر صادرة له، جعلت من مطار القاهرة كميناً لامتهان آدمية المصريين، وتجاوز القانون، وانتهاك الحقوق المقررة في الدساتير المصرية المتعاقبة، وبشكل ينتقل بالمطار لأن يكون وكراً للثورة المضادة، فإذا كان عبد الفتاح السيسي يخطط للهروب، ومعه حكومته إلى خارج العاصمة المصرية، إلى عاصمته الجديدة في قلب الصحراء، خوفاً من أي ثورة جديدة، فماذا يفعل في ذيول دولته في وكرهم هذا، وفي يومهم هذا؟!

تهديد دولة الجهل:

إن الدكتور حسن نافعة ليس واحداً من آحاد الناس، حتى يترك أمره لضابط موتور، يمارس معه عقده، ويتطاول على قيمته العلمية، تنفيساً عن مركبات النقص فيه، حيث يعادي القراءة والكتابة، ويرى في من يحمل كتاباً أنه عدو يهدد دولة الجهل، التي مكنته من أن يقف على ثغرة من ثغورها، وأن يكون واجهتها، في منفذها المهم للمسافرين والقادمين إلى مصر؛ حيث مطار القاهرة الدولي. وهل هو عداء للكتاب من ضابط فرد، أم من نظام كامل، يعادي الكتب ويمقت الثقافة ويحتقر المتعلمين، لا يختلف في هذا أداء عسكري مخلة، عن حملة الرتب الكبيرة، وهو نظام أسسه انقلاب قاده من كان على اتصال بالكتابة والكتاب، ومن هنا دخل الشيطان!

فيقرأ عبد الناصر مقالات طه حسين في جريدة «الجهاد»، كما يقرأ كتاب خالد محمد خالد «مواطنون لا رعايا»، ويقول كيف كان يمكننا أن نعرف «نيتشة» لولا عبد الرحمن بدوي، لكنه مع ما فيه كان عسكرياً مختلفاً، لأنه عاش المرحلة الليبرالية التي شهدتها مصر قبل انقلابه عليها، فأسس لدولة جديدة تتحرك ضد كتاب لسيد قطب، وضد مقال لإحسان عبد القدوس، وضد رواية لثروت أباظة!

وهذا النظام الذي أسسه عبد الناصر على قواعد الاستبداد العتيقة، عادَى الثقافة والمثقفين، ورأى فيهما خطراً على الأمن القومي للبلاد، وكان زوار الفجر في عهوده كلها، لا يكتفون بالقبض على المثقف ذلك المجرم العتويل، وإنما بجانب إرهابهم لأسرته الآمنة، فإنهم يشحنون الكتب في سيارة الشرطة، وفي البداية كان ذلك بهدف الوقوف على حدود ثقافته وأبعادها، لكي يمكن لهم تصنيفه التصنيف المناسب، ثم صارت المصادرة تنتجها حالة العداء للكتب والقراءة، بدليل أن هذه الكتب يتم التخلص منها دون الاطلاع عليها، ولم يحدث أن أي معتقل في مرحلة ما تمكن من استرداد كتبه المصادرة بعد الإفراج عنه، وإن كانت قصصاً وروايات وأشعاراً رومانسية، لأن العداء ليس فقط للفكر المعارض للنظام، ولكن لعموم الكتب والأفكار، لانهيار المستوى الثقافي لجماعة الحكم، فأنت تقرأ إذن أنت عدو!

واقعة احراق الكتب:

وفي عهد السيسي حدثت واقعة إحراق الكتب، التي جمعتها مسؤولة بمديرية التربية والتعليم بمحافظة الجيزة، من مكتبات المدارس، وقالت إنها كتب الإخوان، وفي حشد من الموظفين الكبار بالمديرية أضرمت فيها النار، وإذا كانت النيابة الإدارية قد أنزلتها إلى درجة وظيفية أدنى لأسباب ليست متعلقة بهذا المشهد، فقد نجحت في أن تتحدى القانون، وفي حماية من سلطة الجهل، التي رأت فيما أقدمت عليه إنجازاً حضارياً يليق بدولة العسكر، وقد صاحت إنها كتب الإخوان، وكانت أغلفة الكتب تعلن كذبها، لكنها لحظة دشنت لمرحلة جديدة، هي مرحلة إحراق الكتب!

فهل استوقف هذا المشهد الدكتور حسن نافعة، والذي مثل عنواناً للحكم الجديد؟.. أم أنه كان يعتقد أن استبداد النظام سيختص به الإخوان المسلمون، أحياءً وأمواتاً؟ إذن فلا تثريب عليه، إن انتهك حقوقهم وأحرق مؤلفاتهم؟!

لقد بدا لي الدكتور نافعة طيباً للغاية، وهو يقول إن الكتب التي صادرها ضابط الأمن الوطني في مطار القاهرة، خاصة بمركز دراسات الوحدة العربية، فهل يعتقد أن ضابط المطار، والضابط الأعلى في القصر الجمهوري، يمكن أن يدركا ماذا يعني مركز دراسات الوحدة العربية؟، فلو كانت الكتب هي قصص أطفال لصادرها، وعليه أن يجرب في «الطلعة القادمة» أن يحمل معه مجلة «ميكي ماوس»، فإن لم يصادرها حضرة الضابط النابتشي، فسأكون مطالباً باعتذار له ولعموم الضباط، ومن نابليون بونابرت إلى وقتنا هذا!

ربما يعتقد الدكتور حسن نافعة، أن السيسي عندما يعلم أن ضابط المطار قد صادر كتبه سيشكل لجنة للتحقيق في الأمر، تقوم بإيقاف الضابط إلى حين انتهاء التحقيق وقد ينقله لمعسكر الأمن المركزي بمحافظة أسوان جزاءً وفاقاً على معاداته للكتب، ويتصل السيسي بأستاذ العلوم السياسية معتذراً على هذه الإهانة التي لحقت بالثقافة!

إن ضابط المطار هو عبد المأمور، والمأمور لا يعرف ماذا يعنيه قول حسن نافعة عن الكتاب والكتب، فغير المقررات الدراسية لا يعرف!

سافر يا دكتور نافعة وفي يدك «سلاح التلميذ»!

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه