حاكمات الظلّ: إيميلدا وأسماء وانتصار وهوس السلطة

 

الرقة التي اتّصفت بها زوجات الحكام “الطغاة” بشكل عام أخفت وراءها هوساً وشهوة للسلطة أضعاف ما كان لدى الأزواج الرؤساء أنفسهم.

إيميلدا ماركوس الفراشة الحديدية.

تعتبر إيميلدا أكثر النّساء شهرة في القرن العشرين، سيرتها كانت مادة دسمة للصحافة الغربية والأمريكية في الفترة التي قام بها الشّعب الفلبيني بإسقاط نظام حكم زوجها ونفيه خارج البلاد، ولم تكن ايميلدا قبل زواجها من عضو مجلس الشيوخ فرديناند ماركوس عام 1953 امرأة عادية أو مغمورة بل كانت مغنية مشهورة وملكة جمال الفلبين السابقة. ساندت زوجها حتّى أصبح رئيساً للبلاد في انتخابات قيل إنّها مزورة.

حكم ماركوس الفلبين عشرين عاماً حكماً ديكتاتوريا وضع البلاد في أزمة اقتصادية خانقة وتراكمت الديون على الفلبين في الوقت الذي كانت فيه ايميلدا تتجول حول العالم كمبعوثة شخصية من زوجها وتقابل الرؤساء وتغني وترقص مع نجوم السّينما.

أهم ما في الأمر أنّ أمريكا كانت داعمة لماركوس في حكمه ووصف بذراع أمريكا القوية في آسيا ورجل الديمقراطية، كما شبّهت الصحافة الأمريكية علاقته بزوجته بعلاقة جاكلين بكيندي وأطلق عليهم البعض كيندي آسيا.

اشترت إيميلدا عقارات في مانهاتن ومجموعات ثمينة من التحف من بينها لوحات فنية لفان كوخ، سيزمان، رامبرانت، رافاييل، ومايكل أنجلو. كما كان لديها أدوات مائدة من الفضة وقلائد من الذهب وتيجان من الألماس ومجوهرات كثيرة. وقد وصل بذخها إلى إنفاق مبلغ ثلاثة ملايين جنيه إسترليني في رحلة تسوق، وأحضرت رملاً أبيض في طائرة خاصة لتزيّن به شاطئ سباحة. من ضمن مقتنياتها “1000” ألف حقيبة نسائية؛ أكثر من 500 فستان؛ وخمسة عشر معطفاً من فرو جلد “المنك”. بعد ثورة الشّعب وانقلاب الجيش على ماركوس وسقوط حكمه وهربها إلى هاواي في فبراير 1986 لم تحمل معها من تلك الثروة سوى الحليب وحفاضات الأطفال.

قدرت ثروتهما بـ “602” مليار جنيه استرليني عدا الألماس وتيجان الياقوت التي تقدر قيمتها بملايين الدولارات

إيميلدا ماركوس وأسماء الأسد وهوس الأحذية

بعيداً عن التّحليل النّفسي والدّلالات الجنسية للهوس بالأحذية والذي جسّده ظريف السّينما المصرية فؤاد المهندس في فيلم بالأبيض والأسود بعنوان “مطاردة غرامية” ترتبط الأحذية بالسلطة ارتباطاً رمزياً يحمل وقعه الخاص من إيقاع الخوف والرهبة، فقد عرف جنود هتلر بانتعالهم أحذية بمسامير تحدث إيقاعاً مخيفاً أثناء السّير وقد سمّيت مشيتهم تلك “خطوة الإوز” وقد قال الجنرال باتون في ذلك: “إنّ جندياً ينتعل حذاء هو مجرد جندي لكنّه مع حذاء (الماشو) فهو محارب”.

الهوس الغريب بالأحذية اتصفت به أسماء الأسد ففي الوقت الذي يموت الشّعب السوري بقصف براميل زوجها ويموتون جوعاً تتسوق أسماء الأسد أرقى ماركات الأحذية عبر الأنترنت. قامت صحيفة الغارديان البريطانية بتقديم تقرير عن حياة الترف التي تعيشها أسماء الأسد والمبالغ الضخمة التي تصرفها على التّسوق والرحلات.

لا أعلم بالضبط كم حذاءً تملك أسماء الأسد فلم تهرب بعد ولم تلتقط كاميرات المصورين صوراً لخزانتها الشخصية كما فعلت إيميلدا عندما هربت وصورت خزانة أحذيتها التي حوت 2700 زوج من الأحذية! عرضت للناس في القصر الرئاسي ثمّ أنزلت إلى المستودع بعد انتهاء حكم أكينو، لكن خوفاً من النّمل الأبيض الذي خرّب بعض القطع نقل 150 زوجاً إلى المتحف!

أغلى ماركات الأحذية ترتديها (واللفظ مقصود بدل انتعالها) أسماء الأسد كما نشرت ديلي ميل الصحيفة البريطانية، ومن المعروف أنّ أهل أسماء مقيمون في لندن وأنّها تزور لندن كلّ فترة، لكنّها لا تقيم عندهم بل تقيم في فندق “ريتز” الملكي الذي توازي أجرة الليلة فيه بالجنيه الاسترليني عشرة آلاف دولار.

وتفوّقت بذلك في بذخها على جميع من سبقها من أسرة الأسد الحاكمة فلم يكن لحماتها أنيسة مخلوف حاكمة الظلّ ما كان لأسماء التي ولدت في لندن وعاشت فترة تدريب على العمل البنكي في نيويورك قبل زواجها من بشار الأسد

المشهد المقابل الذي حاولت أسماء الأسد خلاله أن تظهر بسيطة ومتواضعة أمام الشّعب حين قامت بزيارة عائلات الشهداء ووزعت الهدايا عليهم (ساعة حائط) كما فعل زوجها في مشهد فانتازي سيخلّده التّاريخ نافس فيه نجدت أنزور مخرج السّلطة، قدّم بشار الأسد لأسر شهداء السويداء “عنزة” سوداء حداداً وتعويضاً!  

أسماء الأسد “ارتدت” حذاءً أبيضَ بسيطاً من دون كعب وهي تزور أسرة أحد قتلى الجيش، وخلعت الحذاء عند العتبة! القدم واحدة؛ تلك التي تدوس رؤوس الشّعب بأثمانها التي تصل إلى آلاف الدولارات؛ وتلك التي تتعرّى لتدوس ذكرى القتيل. والدّلالة التي يحملها الحذاء مرتبطة ارتباطاً نفسياً بصاحبه وارتباطاً فكرياً برمزيته.

انتصار السيسي وهوس المجوهرات والقصور

كما دعم الأمريكان ماركوس وأطلقوا يده ليلغ في دم الشّعب وينهبه دعموا السيسي، وقد صرّح ترامب “السيسي قائد عظيم وقد قضى على الفوضى” العبارة التي تعطي الضوء الأخضر للتصرف في البلد كما يشاء وليرضي زوجته بالطريقة التي تعجبها.

لم تظهر انتصار السيسي كسابقاتها من زوجات الرؤساء في الواجهة كجيهان السادات وسوزان مبارك، وظهورها القليل المحتشم وحجابها رسّخا فكرة بساطتها وطيبتها في أذهان الشّعب، ونشاطاتها القليلة اقتصرت على ظهور خجول حين تبرّعت لصندوق تحيا مصر واستقبالها لزوجات رؤساء “الهند وأمريكا وفرنسا وفيتنام” وفي حسابها على توتير تكتب باختصار واقتصاد. حتّى ظهر محمد علي وقلب الدّنيا رأساً على عقب وقدّم صورة مختلفة لا يعرفها أحد عن السّيدة انتصار التي كانت وراء تشييد القصور والفيلات والاستراحات وإحداث تغييرات جذرية على الأماكن التي أقامت بها زوجات الرؤساء اللواتي سبقنها.. لكنّ المجوهرات التي لمعت في يديها أثناء ظهورها في الاحتفالات لفتت النظر إلى البذخ الذي تعيشه انتصار على الرغم من تصريحات زوجها “احنا فقرا أوي” ربّما كانت توفر ثمن الطعام خلال السنوات العشر التي لم يكن في ثلاجة بيتها خلالها سوى الماء لتشتري بها المجوهرات التي تظهرها بمظهر لائق أمام نظيراتها من زوجات رؤساء العالم.

لم يركّز أحد ممن تحدثوا عن بذخ انتصار السيسي على أحذيتها، ولم يتحدثوا عن تسوقها عبر الانترنت، ربّما تكون انتصار السيسي أكثر زوجات الرؤساء حكمة فقد أخفت قدميها عن العيون ولهذا دلالته المرتبطة بالمقدس والمدنس، فانتصار الوحيدة المحجبة، فهي تغطي رأسها، وقدميها وتترك الألماس في يديها يحكي الحكاية؛ حكاية هوس السلطة والسيطرة والمال.

لكنّ المتابع لمؤتمر شباب العالم الذي أقيم في شرم الشّيخ يلاحظ أنّ السّيدة الأولى كانت تنتعل حذاءً أبيضَ بكعبٍ عال وهي جالسة في المؤتمر وقد استقام ظهرها وهي تتحدّث وأخذت وضعية السّلطة المطلقة، لكنّها في لقطة أخرى أثناء تجوالها مع الشباب غيّرت الحذاء وانتعلت آخر عريض من الأمام وبكعب متوسط عريض أيضاً، أحذية انتصار التي لم تثر جدلاً حتّى اللحظة ربّما تحمل دلالة على وضع صحي خاص بالسّيدة الأولى غير مرتبط بمفهوم السّلطة والمقدس والمدنس الذي جعل محاكم التفتيش تنتقد الفنان “موريّو” لأنّه صوّر العذراء في لوحات تظهر قدميها!

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه