“جحا” وحماره!

لو كان “جحا ” يعيش بيننا الآن هل كان يتوقع أن قصته مع تعليم الحمار القراءة والكتابة تتكرر يوميا من الجنرال في مصر المحروسة؟!

يُحكى أنه في قديم الزمان كان هناك ملك مغرور يعيش في قصره الكبير وسط الخدم والحشم، وكان هذا الملك لدية حمار صغير يريد أن يعلمه القراءة والكتابة، وقد طلب الملك من جميع مواطني مملكته أن يعلموا حماره القراءة والكتابة بشرط أن من ينجح في تعليم الحمار له جائزة عظيمة، ولكن إن فشل في مهمته يكون عقابه الموت.

وقد وعد الملك أن جميع احتياجات الحمار الأساسية خلال فترة تعليمة من علف وبرسيم وغيرها سيتكفل هو بها، وفعلا تقدم عدد من الأشخاص طمعا في الجائزة ولكن بسبب غبائهم فشلوا في تعليم الحمار، حيث تعهد كل منهم للملك بتعليم الحمار خلال عام باعتباره يكفي للتعليم، فكان مصيرهم جميعا الإعدام.

نظرية ” جحا “

ولكن في هذه اللحظة يظهر “جحا ” متجها إلى القصر يمشي بخطي واثقة وهو يقول في نفسه إن الملك أغبى من كل من تم إعدامهم، بل هو أكثر غباءً من حماره نفسه ، وقابل جحا الملك ووعده أن يقوم بتعليم الحمار القراءة والكتابة، وقال له إن هذا أمر بسيط، ولكنه يحتاج لوقت طويل ولصبر وجهود جبارة، ويحتاج أن يعطيه الملك مهلة مئة عام  حتى يتعلم الحمار القراءة والكتابة بشكل محترف، فوافق الملك علي الفور وخرج جحا سعيدا بالحمار وعاد به إلى بيته وأسرته مبتسماً وهو يقول في نفسه: إن عمر الحمير لا يزيد عن ثلاثين عاماً، ففي جميع الأحوال لن يتعلم الحمار القراءة والكتابة وسوف يموت قبل أن تكتمل المئة عام، وإن لم يمت الحمار فسوف يموت الملك، وإن لم يمت الاثنان فسوف أموت أنا قبل المئة، وهكذا حل جحا هذه المشكلة وتركها للموت واستغل حمار الملك في خدمته وخدمة عائلته .

فناكيش الجنرال

بنفس منطق جحا يتعامل الجنرال السيسي مع المصريين حيث يمنيهم بالغنى والاستقرار و”الفناكيش ” من المشروعات مستغلا عامل الزمن فإما أن ينسى الناس، وإما أن يتم إلهاؤهم بـ”فنكوش” جديد، وإما أن يموتوا من الحسرة والغيظ، وإلا ففزاعة الإرهاب موجودة وجاهزة.

فمن مشروع المليون ونصف المليون فدان رغم أزمة المياه بعد سد النهضة وقبلها، إلى مشروع المليون شقة في ظل زيادة جميع الأسعار بعد تعويم الجنيه، يظل العامل الذي يعمل عليه الجنرال هو عنصر الوقت مطبقا نظرية جحا “موت يا حمار” حيث هناك شعب يمتلك ذاكرة السمك فينسى سريعا.

ذكرى “الفنكوش” الأكبر

وجاءت المبالغة في الاحتفال بالذكرى الثانية قبل أيام في افتتاح تفريعة قناة السويس، وقد قامت إدارة القناة بتخفيض رسوم المرور عبر القناة إلى 50% ما سيخفض دخل القناة إلى النصف تقريبا، تلك التفريعة التي روج لها الجنرال وإعلامه على أنها قناة السويس الجديدة، وجمع لها من الناس أكثر من 60 مليار جنيه على هيئة شهادات بنسبة ربح تجاوزت 12% وقتها وهي نسبة كبيرة ومبالغ فيها، ولكن كان الترويج بأن القناة سوف تجلب 100 مليار دولار سنويا على الأقل، في الوقت الذى كان دخل القناة 5 مليارات دولار سنويا فقط.

بدأ العمل في مشروع التفريعة الجديدة بسحب 70% من “كراكات”  العالم لتنفيذ عملية الحفر، حيث كان من الطبيعي حفرها في 3 سنوات على الأقل،لكن الحفر تم في سنة واحدة فقط بناء على رغبة الجنرال، وهو ما طلبه من مهاب مميش رئيس هيئة قناة السويس وفق نظرية “الفصال” الشعبية وهو أن يتم الانتهاء في سنة واحدة، وبما أن الموضوع “فنكوش” والغرض منه ” البروباغندا” لم يناقش مميش الجنرال وأومأ برأسه موافقا على سنة ، وهو ما أدى إلى سحب معظم الدولارات من السوق، ليرتفع سعر الدولار، وترتفع معه الأسعار في متوالية معروفة، فلكي تسدد للشركات الأجنبية التي اشتركت في تنفيد المشروع لابد أن تدفع لها بالدولار في الوقت الذى جمعت الأموال بالجنيه المصري، وهو ما صرح به رئيس البنك المركزي حينها بأن سبب أزمة الدولار هو سحب الدولار لمشروع قناة السويس، وهو ما تسبب في إقالته فيما بعد، ولكن الجنرال هنا لا يهمه أي شيء فهو لا يهمه سوى اللقطة التي يعتلي فيها المحروسة لكى يعلن افتتاح قناة السويس مقلدا الخديو إسماعيل، مرتديا الزى العسكري والنياشين، أما عن عائد المشروع على الشعب فهو إن شاء الله ” ابقى قابلني وموت يا حمار”. كما أن الجنرال قال في حديث له إن الغرض من المشروع هو رفع الروح المعنوية للشعب، فقط رفع الروح المعنوية بتكلفة 60 مليار جنيه تم سحبها من أموال الشعب، وعليها فوائد لا تقل عن 8 مليارات سنويا، وفى مشروع كبير مثل هذا لم يكن هناك دراسة جدوى أو مناقشات. فقط مكالمة بين مهاب مميش والسيسي على إثرها قال له “أنا مش جاي لي نوم أنت نمت. إبدا في تنفيذ المشروع” وهكذا تم البدء في المشروع على أنه سيكون “وجه السعد” على مصر وسوف يجلب ما لا يقل عن 100 مليار دولار سنويا وعلى الذين لا يصدقون أن ينتظروا تعلم الحمار القراءة والكتابة!

موت يا حمار

ولم يكن المؤتمر الاقتصادي بعيدا عن هذه الهوجة، فقد صور الإعلام وقتها للناس أن المؤتمر نجح في أن يحصل لمصر على مئات المليارات من الدولارات استثمارات ومشروعات وتمخض المؤتمر فلم يلد حتى فأرا.

كل هذه الوعود والمشاريع وفق تطبيق نظرية “جحا” في تعليم الحمار القراءة والكتابة لم تفلح، فهو تارة يطلب من الشعب أن ينتظر عليه سنتين ثم يرى النتائج، ويمر العامان فيطلب مهلة ستة شهور، وتمر الستة شهور فيطلب الانتظار من جيل أو جيلين  أن يتحملوا حتى نرى نتيجة مشروعاته، وهكذا وعود لن تمسكها، لأنها كلها في الهواء، ولأن هناك من يطبل وينافق وهو لا يخشى المحاسبة، فمن يقدر على محاسبته وقد جاء ليحكم الدولة بالحديد والنار عبر القضاء والجيش والشرطة، ومؤيدو الشرعية يخونون بعضهم البعض ويتبنون مبادرات في هواء العالم الافتراضي ولا يشعر بهم أحد، وكفاهم معاركهم فيما بينهم فقد كفوا الجنرال شر النظر إليهم؟

ترى لو كان ” جحا ” يعيش بيننا الآن هل كان يتوقع أن قصته مع تعليم الحمار القراءة والكتابة تتكرر يوميا من الجنرال في مصر المحروسة؟

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه