ثورة يناير عبرة: إما النصر وإما مصر

 

 

انطلقت الحناجر في ميادين السودان بعد اقتلاع البشير واعتقال بعض أركان نظامه، وتشكيل مجلس عسكري يدير البلاد برئاسة وزير دفاع البشير، فصاحت ميادين الثورة السودانية في كل مكان: إما النصر وإما مصر.

هتاف هز أرجاء السودان، وهز وجدان المصريين مرتين؛ الأولى حزنا لما آلت إليه أوضاع مصر، وما أصاب ثورتها من تراجع وهزيمة على يد المجلس العسكري المصري مرتين: مرة في يناير /كانون الثاني ٢٠١١، ومرة أخرى في يوليو/تموز ٢٠١٣..

وفي المرتين وثقت مجموعات من الشعب بالمجلس العسكري، وفي المرتين أيضا خذل المجلس العسكري الشعب.

أما الإحساس الآخر الذي انتاب بعض المصريين فهو أن ثورة يناير ما زالت حاضرة وملهمة للشعب السوداني.

وفي الجزائر صار نفس الأمر بعد خلع أو استقالة بوتفليقة؛ فقد صمم الشعب الجزائري على استكمال ثورته ورفض كل أركان النظام القديم، وخرجت اللافتات” لا نريد النظام القديم ولا نريد أن نكون مصر”.

هكذا أصبحت نتائج الثورة المصرية ماثلة في أذهان الثوار العرب في كل مكان.

لقد رفع الثوار في السودان شعارا غاب عن الثورة المصرية (ثانية ثورات الربيع العربي الأول بعد تونس) شعارا أصبح ملحمة ومعلما للمصريين ولغيرهم إن أرادوا عهدا جديدا لبلادهم هو: يسقط أول يسقط ثاني.

فأسقطوا وزير دفاع البشير في ٢٤ ساعة، ثم صار الشعار: يسقط ثاني يسقط ثالث.

في مواجهة رئيس المجلس العسكري الجديد عبد الفتاح البرهان، ولا يزال الشعبان الشقيقان في شوارع وميادين الثورة حتى اكتمال انتصار الثورة.

التنظيم غائب بثورة مصر حاضر بغيرها

كان وجود اتحاد الشغل بتونس عاملا مهما في تواصل الثورة التونسية فقد استطاع التنظيم الذي دعا إلى الثورة، واستمر يحمل لواءها حتى الآن، ووصل إلى نتائج لم تصل إليها ثورة ٢٥ يناير بمصر؛ بداية من الوصول إلى صيغة مع تيار الإخوان في تونس بعدم تقديم مرشح للرئاسة، ما أدى إلى تحقيق انتصارات متتالية للثورة التونسية نهاية بالمظاهرات الاحتجاجية منذ حوالي شهرين حينما أجبرت التظاهرات الحكومة على الامتثال لطلبات الجماهير من عدم رفع الأسعار وزيادة دخول الموظفين التوانسة.

تجمع المهنيين بالسودان يقود الثورة

وفي السودان قاد المظاهرات التي استمرت خمسة شهور حتى الآن تحت قيادة واحدة معلومة للجميع، وطوال تلك الفترة كانت جماهير السودان تنتظر بيان التجمع لتعرف خطواتها القادمة، وحيثما يشير البيان نجد الشعب السوداني ملبيا. وعندما أعلن وزير الدفاع السوداني اقتلاع نظام البشير، وإعلان حالة الطوارئ وإلغاء الدستور، وتشكيل مجلس عسكري انتقالي لمدة عامين انتظر الشعب السوداني ومعه المصري أيضا بيان تجمع المهنيين الذي أعلن رفضه لتولى عسكري إدارة شؤون البلاد وطالب الجماهير بالاستمرار في الميادين، وظلت الجماهير تحت إدارة التنظيم محققة أهدافها حتى الآن.

غياب التنظيم في مصر أفقدها ثورتها

في حوار تلفزيوني أخير للمرشح الرئاسي السابق وزعيم التيار الشعبي حمدين صباحي أشار إلى علة الثورة المصرية فقال: إن غياب التنظيم ووجود قيادة موحدة في الميدان خطأ كبير، وأضاف أنه أخطأ مع ثوار يناير حينما تم تسليم السلطة للمجلس العسكري في فبراير/شباط ٢٠١١، وأخطأ حينما تم تسليمها مره أخرى في ٣ من يوليو/تموز ٢٠١٣، وفى الحالتين أخطأ الثوار بترك الميدان.

إن غياب التنظيم في يناير كان أهم عوامل سرقة يناير ويوليو، وعدم الاتفاق على قيادة موحدة كان أكبر الأخطاء، فبينما ذهب كل للبحث عن غنيمة كان وجود التنظيم والقيادة كفيلة بإيقاف التدهور الكبير في نتائج الثورة المصرية.

وللأسف لا يوجد مثل هذا التنظيم حتى الآن، وإن كان ثمة محاولات تتم بين الحين والآخر للبحث عنه سواء عن طريق المعارضة المصرية بالداخل، وحركة كحركة التيار المدني التي يقودها التيار الشعبي وحزب التحالف وتضم أحزابا مصرية أخرى وشخصيات عامة أو في الخارج، ومحاولة عمل تيار بالخارج يمثل اتجاهات مصرية عديدة ولا يكتفى بالتيار الإسلامي فقط.

أما عن اتحاد العمال المصري وهو ما يناظر اتحاد الشغل في تونس، فقد استطاع النظام المصري منذ عهد مبارك أن يسيطر عليه تماما، واستطاع الأمن وأجهزته تدجين هذا الاتحاد الذي ولد في أحضان السلطة، ولا تزال تسيطر عليه.  وقبيل ثورة يناير ظهرت على الساحة ما سمى بالنقابات المستقلة، وكانت نقابة الضرائب العقارية أبزر تلك النقابات، وكان يقودها المناضل العمالي كمال أبو عيطة، وهو الذي جاء وزيرا في وزارة الببلاوي بعد ٣٠ من يونيو/حزيران، وقاد أيام مبارك اعتصاما كبيرا في وسط القاهرة.

وبعد ٢٥ يناير اتسعت حركة إنشاء نقابات مستقلة في كافة الهيئات والمؤسسات الحكومية وغيرها من المؤسسات، ومنها نقابات النقل ونقابات المصانع.

وبعد ٣٠ من يونيو/حزيران 2013 ومع تولي السيسي الحكم في مصر بدأت المضايقات لكل النقابات المستقلة، واعتقل كثير من قيادات هذه النقابات وكانت الدعوة للتظاهر عقب صدور قانون الخدمة المدنية، وعدم السماح للداعين إليها إلا بالتظاهر في حديقة الفسطاط البعيدة عن المدينة وفى صحراء القاهرة آخر ظهور لهذه النقابات في أغسطس/آب ٢٠١٥ (الحكومة طلبت من حركة التيار المدني الذهاب للحديقة مؤخرا عندما طلبوا التظاهر ضد التعديلات الدستورية).

أما النقابات المهنية المهمة التي كان لها دور رئيسي في الحركة الوطنية قبل ثورة يناير فقد تمت الهيمنة الأمنية عليها، وبقيت حركة كفاية، وهي حركة شعبية كبيرة قامت في ٢٠٠٨، ورفعت شعار التغيير وكونت مجموعات من كل الطوائف فصار هناك عمال من أجل التغيير، وطلاب من أجل التغيير، وشباب من أجل التغيير..

لكن هذه الحركة لم تستطع أن تقدم قيادة لثورة يناير رغم تمثيلها من كل التيارات والفئات، وخسرت الحركة الكثير من فاعليتها في يناير وفى أعقاب يناير برحيل أحد منسقيها العظام: الدكتور عبد الوهاب المسيري، واختلاف المؤسسين والأعضاء بعد يناير، وعودة كل عضو إلى تياره، وصراع التيارات على السلطة وغيرها، ما حدا بالمجلس العسكري ورئيس المخابرات حينئذ إلى التلاعب بهم جميعا.

والآن هناك اثنان من منسقي كفاية ومؤسسيها في سجون النظام المصري: الكاتب الصحفي عبد الحليم قنديل المتهم في قضية إهانة القضاء ومحكوم عليه بالسجن ٣ سنوات، والثاني د. يحيي القزاز المعتقل على ذمة إهانة رئيس الجمهورية على وسائل التواصل الاجتماعي..

هل يمكن أن تكون كفاية جديدة بديلا لاتحاد الشغل التونسي واتحاد المهنيين السوداني؟

هذه هي المعضلة التي تواجه أي تحرك ثوري في مصر، وخصوصا في ظل ارتفاع موجات الغضب داخل الشارع المصري، وارتفاع حماسة المصريين وغيرتهم من تحقيق الثورات في تونس ثم السودان والجزائر لنجاحات في طريق أهداف الثورات العربية من العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية وهى نفس الشعارات في كل أرجاء الوطن العربي.

إن إيجاد بديل لكفاية الجامعة لكافة التيارات: الطوائف والفئات ربما يكون هو السبيل الوحيد والأمل في أية انتفاضة مصرية قادمة، والأمل في قيادة موجة يناير الثالثة وربما تكون الأخيرة.

السبيل لتكوين قيادة الثورة المصرية

إن اعتراف كل النخب والقيادات والتيارات السياسية في مصر بأخطائها من يناير حتى الآن هي الخطوة الأولى في تكوين التنظيم الثوري.

وثاني الأمور هو عدم فتح مجالات التنابز بينهم، ونسيان أخطاء كل تيار وكل جماعة،

أما الثالث فهو “نسيان الثأر” إذ يجب أن ينسى المصريون ونخبتهم وتياراتهم حالة الثأر المتبادلة بينهم.

حين نحقق هذا نستطيع أن نقف على أول خطوة نحو بناء التنظيم الثوري والبديل الوطني لقيادة أي تحرك ثوري قادم.

ثم يبقى بعد ذلك بناء مشروع فكري حضاري نتفق على أهدافه وقيمه وطرق تحقيقها.

عندها فقط نكون قد استفدنا من درس يناير كما استفادت منه ثورات الربيع العربي في جولتها الثانية بالسودان والجزائر.

عندها فقط ربما يختفي شعار السودانيين: إما النصر وإما مصر.

وربما تعود زهوة المصريين التي كانت في يناير وقال العالم عنها: إن المصريين يكتبون تاريخا جديدا للإنسانية كما تعودوا!

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه