ثالوث تدمير اليمن: الحوثي والحزم والأمل

أصبح ولي عهد أبو ظبي هو من يعزل ولي عهد السعودية أو يوليه، ويعتقل من شاء من علمائها وأمرائها!!

الربيع العربي الذي شهدته  بلادنا، وقد انتفضت ضد عقود متتابعة من العسف والخسف، وكتم الحريات ونهب الثروات، لو كتب لجولته الأولى النجاح لتفتحت أزهاره وأينعت ثماره، ليس في فصل واحد، وإنما على مدار العام، لكن الثورة المضادة كرت سريعا، وكشفت أن البلاد التي لم تستنشق نسمات الربيع، أشد فتكا وأكثر ضراوة في حربها على بدايات التحرر خشية انتقال حبات اللقاح إلى حقولها، بل اضطرت القوى الكبرى التي ترعى هذه الأنظمة للظهور على مسرح الأحداث، وترك تحريك الدمى من خلف الأستار، خوفا من تهاوي العرائس الحاكمة، الجاثمة على أنفاس الناس، وبدا الغرب المتحضر في سبيل ذلك منحازا إلى الديكتاتورية على حساب الديمقراطية، وداعما لتولي الحكم بقوة صناديق الذخيرة، على حساب صناديق الاقتراع!
كما بدا واضحا أن القوم يرون الديمقراطية صناعة غربية غير قابلة للتصدير، وهي إله العجوة الذي صنعوه، فلما جاعوا أكلوه وكفروا به!

الحالة اليمنية

تشابهت بداية الثورات العربية، لكن اختلفت نهاية فصولها وما آلت إليه، وتبقى الحالة اليمنية هي أكثر الفصول تشابكا وتعقيدا، لأن الناظر للوهلة الأولى لا يعرف من مع من؟ ومن يحارب من، ولصالح من؟
بدأت ثورة اليمن ثورة شعبية على نظام حكم مستبد، شأنها شأن باقي شقيقاتها، ومع ظهور علامات النصر، وبشاير عهد جديد تكون الكلمة فيه للشعب في اختيار من سيحكمه، بدأ تدخل السعودية بحكم الجوار والتاريخ المشترك، ثم الإمارات كمتعهد عربي بمحاربة الثورات وتطلعات الشعوب، ولعلم الشقيقة الكبرى، وأختها الصغرى التي تمكنت من زمامها وخطامها، أن أهل اليمن سيختارون التيار الإسلامي الذي يعتبر حزب الإصلاح “المعبر عن الإخوان المسلمين” هو أبرز مكوناته وأكثرها جاهزية، سعوا للبحث عن بديل يضعف هذه الكتلة الكبيرة، وهنا ظهرت جماعة الحوثيين على السطح، وهم طائفة من أهل اليمن تمثل أقل من 5% من السكان، كانوا على المذهب الزيدي، وهو أكثر فرق الشيعة اعتدالا وأقربهم إلى السنة، لكن استطاعت إيران من خلال الاستقطاب، ومنح الدراسة في الحوزات العلمية الشيعية، تحويل معظمهم إلى مذهبها في الدين والسياسة، واجتهدت في استنساخ تجربة حزب الله “شيعة لبنان” من خلالهم، ومع ذلك قدمت السعودية كل الدعم اللازم لجعل عصابة الحوثي قوة مناوئة على الأرض، وتلاقت طموحات الإمارات مع أهداف الحوثيين في تقسيم اليمن وتفتيته، كما أبقت أبوظبي على العلاقة القوية مع نظام علي عبدالله صالح الذي اختار نجله أحمد _ الذي كان يعد لخلافة أبيه _ الإمارات مستقرا له حتى الآن !

الحل الذي رعته السعودية

ومع ذلك انضمت الإمارات إلى تحالف السعودية الذي أعلن عن عاصفة الحزم لعودة شرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي الذي تولى الحكم بعد الثورة، وكان قبلها نائبا لعلي عبد الله صالح الذي قامت عليه الثورة، وهو الحل الذي رعته السعودية، وانتهى المطاف بالسيد هادي إلى الإقامة في الرياض!
في البداية استبشرنا بعاصفة الحزم وقلنا لعلها لحظة رشد لإصلاح الجرم الأول في دعم الحوثي الذي بدأ يستأسد على الجميع، ونصرة لشعب اليمن الشقيق الذي يرجع إليهم أصل العرب، ومن أرومته تفرعت قبائلهم، ورعاية لحق الجار، وأخذا على يد الظالم الذي أصبح أحد المكونات المنضوية تحت ولاية الفقيه.
وكان اللغز المحير من اللحظة الأولى كيف انضمت الإمارات إلى التحالف وهي الشريك القوي للنظام الإيراني، والحليف الاستراتيجي لأحمد عبد الله صالح الذي ستقاتل والده على الأرض، وهو ينعم بالحياة على أراضيها؟
لكن اتضح بعد ذلك أن السعودية هي التي انضمت إلى الإمارات ليس في حرب اليمن وحسب، بل أصبح ولي عهد أبو ظبي هو من يعزل ولي عهد السعودية أو يوليه، ويعتقل من شاء من علمائها وأمرائها! وأصبح الشعب اليمني يقتل على الأرض بأيد الحوثيين ودعم إيران، ويقصف من الجو بغارات السعودية والإمارات التي لم تسلم منها الأسواق ولا حافلات المدارس، وحتى حفلات الأعراس، وأماكن العزاء. وتفردت الإمارات بخطة ممنهجة لقتل العلماء والدعاة، ورموز الحكمة في اليمن.

خنجر الغدر

ومع مطلع كل شمس يمعن طيران التحالف في التدمير والتشريد، وفي المقابل تتعاظم قوة الحوثي حتى أصبح سيد الموقف، بل انتقل إلى مهاجمة العمق السعودي، وقصف عدة مرات مواقع مهمة منها العاصمة الرياض ومطاراتها، وأصبحت الرياض تفتخر بالتصدي للصواريخ! وبدلا من إعلان تحرير صنعاء أعلنوا أن الرياض ستبقى آمنة!! ثم غيروا عنوان عاصفة الحزم إلى إعادة الأمل فتذكرت المثل المصري: “خيبة الأمل راكبة جمل”
ومع خنجر الغدر الحوثي على الأرض، وسماء الجيران التي تمطر عذابا ودمارا، تفشت المجاعة في أرض الحكمة كما وصفها رسول الله فيما رواه البخاري عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً وَأَلْيَنُ قُلُوبًا، الْإِيمَانُ يَمَانٍ وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ)
وأصبحت الأسر تطعم أولادها أوراق الشجر الليالي ذوات العدد، وذكر “جيرت كابيلير” المدير الإقليمي لمنظمة الطفولة بالأمم المتحدة (يونيسف) أن سبعة ملايين طفلا يمنيا يبيتون جوعى بلا عشاء، وذكرت المنظمة أن طفلا يموت كل أربع دقائق جراء هذه المجاعة…. ثم أحكمت الأزمة شدتها وبلغت ذروتها بتفشي وباء الكوليرا في ربوع البلاد، فحصد أرواح من نجى من نيران الحوثي أو قصف التحالف، حتى أعلن عن وفاة مسئول الهلال الأحمر الذي كانت مهمته توفير الدواء، لأنه لم يجد ما يتداوى به!
والنتيجة بعد مرور سنوات من عاصفة الحزم أصبح الحوثي قوة معترف بها دوليا، ولها الكلمة العليا، ويسعى النظام السعودي للتفاوض معهم من خلف الستار، وكانت المفاوضات الأخيرة قبل أيام في السويد حيث تناولت القضايا الكبرى، ومنها تبادل أكثر من عشرة آلاف أسير كلهم من اليمنيين، وأصبح العالم كله يتحدث عن كارثة تدمير اليمن التي يتولى كبرها محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، وفي نفس الوقت الذي صوت فيه مجلس الشيوخ الأمريكي على مشروع قانون يحمل الأمير الشاب مسئولية قتل الصحفي جمال خاشقجي.

وقف الدعم

أقر المجلس وقف الدعم العسكري الأمريكي للتحالف السعودي الإماراتي في ‎اليمن، وكتبت الصحف العالمية أن ما يحدث في اليمن ليست حربا وإنما جرائم حرب، والبعض يعتبرها إفاقة متأخرة من المجتمع الغربي، وأراها بداية صفحة تطوى من حرب المصالح، ولا مانع أثناءها من تغيير بعض الأحجار على رقعة الشطرنج، من قبل اليد الفاعلة التي تملك أن تقول “كش ملك”!
فهل تستمر اللعبة بنفس الطريقة، ولا تبرح الأمة العربية مكان المفعول به في الجملة العالمية الطويلة، أم أن ما استفادته من سقوط الأقنعة، وظهور الوجوه على صورتها الكالحة القبيحة، وأن حصوننا مهددة من الداخل، وإدراكها لطبيعة المعركة وأنها معركة أمة وليست معركة دولة، أو جماعة أو فصيل، يجعلها أقدر على المواجهة، وانتزاع حقوقها؟
ويبقى المشهد الأكثر ارتباكا وتعقيدا في المشهد اليمني وهو موقف حزب الإصلاح الذي يعرف كل ما كتبت، ومطلع على أضعافه، ومع ذلك فهو مستمر تحت راية تحالف الإمارات والسعودية وكلاهما يرى القضاء على تيار “الإسلام السياسي” أولوية، وأن جماعة الإخوان المسلمين بكل صورها وأشكالها جماعة إرهابية!
ما يؤكد مقولة:
“الخيبة ليها ناسها”
 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه