تونس تعيش حالة انتظار مخيفة

زار خليفة حفتر الرئيس التونسي وفرض الدخول بفرقته الأمنية مسلحة إلى قصر قرطاج وهي سابقة لم تحدث منذ الاستقلال. كان الرجل يملك من الغطرسة ما جعله يفرض السلاح والبزة العسكرية

تونس تعيش حالة انتظار مخيفة فما يقع في الجزائر وليبيا، ينعكس مباشرة على الوضع الداخلي ومهما قيل عن اختلاف مصائر البلدان الثلاث فإن معركة بناء الديمقراطية هنا مرتبط ببنائها هناك. لذلك فإن السؤال في تونس والذي لا يطرحه أحد بصوت مسموع هو ماذا سيحصل في الجزائر وإلى أين سينتهي الوضع الليبي؟

 الطبقة السياسية تملك أن تخاف ولا تملك أن تبادر وأنَّى لها وهي غارقة في صراعاتها الداخلية استعدادا لانتخابات مصيرية.

لقد كانت الأنظمة الدكتاتورية مترابطة ومتعاونة ضد الديمقراطية، وتطمح الثورات أن تترابط من أجل التغيير ولكن ورثاء الدكتاتوريات في الداخل وأعداءها في الخارج يعملون ليلا ونهارا على إعاقة الديمقراطية والتغيير فكيف تنقذ تونس نفسها من تأثيرات جانبية قادمة لا محالة. إنا نرى علامات الخوف ولا نرى مناورات الاستباق.

الجزائر بارقة أمل ومصدر تهديد لتونس.

لا يتسع المجال لاستحضار كل العلاقات التاريخية بين تونس والجزائر؛ ولكن نشير إلى أن مرحلة ما بعد ثورة تونس شكلت الجزائر تهديدا ومنقذا لتجربة تونس في نفس الوقت. فقد كان هناك يقين أن العمليات الإرهابية على الحدود الغربية من تدبير شق جزائري معاد للتغيير في تونس بقطع النظر عن اليد المنفذة.
ولدى التونسيين يقين ثابت أن المخابرات الجزائرية رتعت في تونس ومولت ونظمت ضربات إرهابية. وقد تيقن التونسيون من ذلك بعد خروج حكومة الترويكا نهاية2013. وعادت السلطة إلى مكونات النظام السابق التي كانت في حالة انسجام مع النظام الجزائري قبل الثورة. لقد توقفت العمليات على الحدود الغربية فجأة مما ثبت اليقين بوجود اليد الجزائرية في ما كان يجري على الحدود.

نشير أيضا إلى أن تراجع العمليات على حدود تونس الغربية تزامن مع حملة تصفية مواقع قوى في الجيش والمخابرات الجزائرية لصالح بوتفليقة وهو في ما يدور في كواليس كثيرة يحتفظ بعلاقة متميزة بين رئيس حركة النهضة في تونس والرئيس السابق (بوتفليقة) وقد كان لعلاقة الرجلين تأثير مباشر على هذا الهدوء (أو الحرب المؤجلة).
وهو ما دفع إلى طرح سؤال مخيف هل خسرت تونس بوتفليقة؟ (البعض يكتفي بطرح السؤال هل خسرت النهضة بوتفليقة؟) تتوقف الإجابة على ما ستفضي إليه الثورة الجزائرية الجارية الآن بزخم متصاعد.
فالشعب الجزائري يعلن أخوته للتونسيين ويعتبر أنهم فتحوا له طريق الاحتجاج السلمي ولكن صداقات الشعوب العربية (وهي حالة عاطفية جياشة) تبدو ضعيفة التأثير على قرارات سياسية تصدر من خارج الإرادات الشعبية. لذلك فالمعول عليه هو انتظار إلى من سيفضي الحراك الجزائري الحالي حيث لا يمكن للتونسيين أن يتدخلوا لصالح أية جهة جزائرية وليس أمامهم إلا الانتظار.

إذا خرج أعداء التغيير في الجزائر منتصرين بانتخابات مضروبة أو بانقلاب ناعم فإن مصاعب كثيرة ستلحق بتونس وليس أقلها العمليات الإرهابية التي تتقن مخابرات الجزائر ترتيبها.
أما إذا أفلح الشارع الجزائري في فرض تغيير عميق وقام بتصفية عناوين الفساد السياسي والمالي فإن أفقا آخر للعلاقات سينفتح بين الثورتين وربما يفتح مجالا للحالمين برؤية المغرب العربي يتقدم نحو بناء وحدته السياسية والاقتصادية.
الاحتمالات هنا متساوية ومن العسير وضع تقديرات يقينية لما قد يؤول إليه الحراك فالحراك يستهدف تقليص نفوذ مؤسسة عسكرية ذاقت علاوة السلطة ومارست السياسة بأسوأ الأساليب.

يبدو التونسيون هنا في عجلة من أمرهم إذ يرتبون انتخاباتهم استباقا لاحتمالات فوضى على الحدود الغربية قد تتحول إلى عائق داخلي للمسار الانتقالي الذي يعاني بدوره صعوبات اقتصادية لا يمكن تخيل مضاعفاتها لو اضطرب الوضع الأمني.

حفتر البطل يتوعد تونس.

ذات يوم (17 سبتمبر 2017) زار خليفة حفتر الرئيس التونسي وفرض الدخول بفرقته الأمنية مسلحة إلى قصر قرطاج وهي سابقة لم تحدث منذ الاستقلال.
كان الرجل يملك من الغطرسة ما جعله يفرض السلاح والبزة العسكرية على رئيس مدني استقبله بوجل.
والمعروف عنه أنه يعيش ببقية عقيدة قذافية ترى أن تونس ليست إلا جزءا من التراب الليبي وأن ساكنيها لا يرتقون إلى درجة شعب يستحق حكم نفسه بنفسه بل هم عمالة رخيصة تتسول الحياة على فائض النفط الليبي وطبقتها السياسية طماعة تتظاهر بالنخوة وتضع عينها على النفط.

وهو يحارب الآن على حدود طرابلس ويتوعد تونس والجزائر. يثير ذلك سخرية الكثيرين فالرجل لا يملك قوة كافية ليفرض وضعا عسكريا لصالحه في ليبيا ولكنه يوسع تهديده إلى أبعد من حدوده.

قوة حفتر ليست بيد حفتر بل بيد من يسوقه إلى خلخلة المنطقة التي أطلقت شرارة الربيع العربي. الدور الفرنسي وراء حفتر لم يخف على أحد ومستوى التنسيق بين فرنسا والإمارات والنظامين المصري والسعودي المعادي للثورة لم يعد سرا.

نحن نشهد تقريبا حربا عالمية في ليبيا بيد حفتر وتصل شظاياها إلى تونس التي تحتفظ بضبط النفس على الحدود وهو ضبط يفهم ضعفا وقلة حيلة في غرفة عمليات حفتر لذلك يطلق تهديداته بوقاحة.

ويزيد الأمر سوأ أن لحفتر أنصارا في تونس ينتظرون أن يتجاوز الحدود ليقضى على أعدائهم من أنصار الربيع العربي وخاصة الإسلاميين. (هؤلاء يستبشرون الآن بنية ترمب تصنيف الإخوان المسلمين جماعة إرهابية ليتسنى لهم تصفيتهم). لذلك فإن حماسهم لترمب يتجاوز المصلحة الوطنية إلى المصلحة الفئوية الأيديولوجية والحزبية الضيقة. وحفتر يسمع ويرى ويتوعد معتمدا على طابور تونسي ينتظر وصوله فاتحا.

العسل على حافة البئر.

المشهد التونسي الآن: حكومة تونس خاصة (وطبقتها السياسية عامة) متعلقة بغصن الشجرة على فوهة البئر تلعق عسل الديمقراطية الشكلية وتتغافل عن الأفعى تحتها تنتظر وجبتها.
فلا هي عبرت عن موقف متعاطف مع الحراك الجزائري (خوفا من الجيش) ولا هي ردت على حفتر بما يليق بحجمه الحقيقي على الأرض. بل تواصل ترويج خطاب متهالك عن الحياد الإيجابي بين حربين على حدودها أسوة بالزعيم بورقيبة الذي لم يعرف عنه إلا النكوص في المعارك المصيرية.

التجربة التونسية مهددة على حدودها وحكومتها وسياسيوها بين متواطئ ومتخاذل وخائف يتوجس. يتعللون بأن التدخل مع طرف محدد ليس في مصلحة تونس ولا يرقى تفكيرهم إلى أنهم جاؤوا بعد ثورة ملهمة يفترض أن توجه سياساتهم الخارجية فيتحملون مسؤولية تطوير الفعل الثوري في المنطقة بقطع النظر عن الإمكانيات المتاحة.

لقد مر عليهم حادث كاشف لمعدن الشعب الذي يقودونه هي معركة بن قردان ضد محاولة تسرب إرهابي انتصر فيها الناس العاديون على الإرهابيين إذ وقفوا وقفة عز ونخوة وراء الأمن والجيش الذي قضى على البؤرة الإرهابية في وقت قياسي.

الموقف الشجاع كشف معدنا وطنيا مستعدا للمزيد من البذل من أجل الديمقراطية والتغيير والحرية. لكن حكومته تخذله بالحياد الجبان. وما لم تتخذ الحكومات والطبقة السياسية موقفا وطنيا موحدا على قاعدة حماية استقلال البلد وتجربته الديمقراطية فإن حالة الترقب الجبان ستتواصل وسنشهد انخذال هذه الطبقة مع أول تهديد جدي يتجاور الحدود الغربية أو الشرقية.

حتى تلك اللحظة هناك تونسيون كثر يشعرون بالعار عندما يسمعون تهديدات حفتر لتونس ولا يسمعون حكوماتهم ورئيسهم يرد عليه بما يعيده إلى حجمه الحقيقي كمرتزق مأجور. إن صمت الطبقة السياسية على التهديدات باسم الحياد يجرؤ عليهم أوضع مرتزقة الأرض.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه