تكوين العلماء” في موريتانيا بين الحظر والمحظرة”

 

تميزت موريتانيا بمحاظر العلم التي حافظت على  تدريس متون العلوم المختلفة التي يقبل الناشئة على حفظها ومعرفة شروحها كما يحفظون القرآن الكريم والسنة المطهرة، في الوقت الذي أصبحت دراستها وفك رموزها في بلدان أخرى تخصص الباحثين وعمل المتخصصين ، والمحظرة في موريتانيا كانت المدرسة الأساسية دون أن تخصص ببنيان أو تتعلق بعمران فهي تتنقل مع أصحابها على ظهور الإبل، أو تعقد حلقاتها في ظلال الشجر، وكلمة المحظرة وجمعها محاظر ورد في معانيها أنها من الحضور والالتزام بمجلس العلم لكنهم درجوا على نطقها بالظاء وهي لهجة معروفة ، ومع ثورة الانفتاح والتطور خشي الغيورون من أبناء موريتانيا على محاظرهم التي تحمل مآثرهم ومفاخرهم والتي جعلتهم ذاكرة الأمة وخزانة علومها .

فانبرى لهذا الحمل الثقيل والمهمة السامية رجل ذو همة عالية قرر الاستفادة من وسائل التعليم الحديثة وتهيئة وسائل الراحة للدراسين لضمان بقاء ما تفرد به أهل شنقيط من حفظ المتون ودراسة العلوم وبقاء الأسانيد المتصلة، واستمرار المحاظر العلمية والمحاضن التربوية، وكان هذا الحلم والأمل يراود أهل العلم والفضل ولا يجدون إلى تحقيقه سبيلا.

ميراث الأوائل

وخص الله العلامة الشيخ محمد الحسن ولد الددو الشنقيطي بهذا الفضل فأنشأ مركز تكوين العلماء الذي حافظ به على ميراث الأوائل وضم إليه ما استحدث من وسائل

وطارت بأخباره الركبان وتناقل مسيرته العلماء في كل مكان، وكل من خالط الشيخ الددو أو اقترب منه يعلم أنه سفير موريتانيا لدى قلوب محبيها وعشاق تاريخها وآدابها وخير عنوان لمحاظرها التي تؤسس للموسوعية العلمية فكنت كلما تكلم في فن أقول: أحاط به من أطرافه وتخصص فيه دون سواه!

بل تميز الشيخ الددو بخروجه عن القُطرية الضيقة وحلق في فضاء العالمية الرحب وتفاعل مع قضايا الأمة وشارك المسلمين أفراحهم وأتراحهم وسعى بكل قوة في تضميد جراحهم، وكان الإعلام السعودي في هذه الحقبة به حفيا، وعنده مرضيا وعرف به الكثيرين في بلاد المسلمين كما كان عضوا في الهيئات والروابط العلمية المختلفة، لكن كدر صفو العلاقة انحيازه إلى حقوق المظلومين واعتراضه على بطش الظالمين لاسيما بعد ثورات الربيع العربي وما تلاها من أحداث.

ثم حدثت المفاصلة وظهرت على السطح بعد قيام الدول التي تحاصر جارتها قطر بوضع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ورئيسه فضيلة الإمام الشيخ يوسف القرضاوي على قوائم الإرهاب والشيخ الددو عضو الأمانة العامة للاتحاد وأحد أبرز رموزه>

ثم تطورت المفاصلة إلى عداوة معلنة بعد موقف الشيخ الددو الواضح وبيانه الجلي من كارثة اعتقال الدعاة والهداة في السعودية في وقت آثر فيه كثيرون الصمت بحجة الحفاظ على رحلة العمرة أو نافلة الزيارة، كذلك مواقفه الثابتة من صفقة القرن وهرولة بعض دول الخليج إلى تصفية القضية الفلسطينية والتطبيع المجاني مع المحتل>

سحب الاعتراف

وهنا حدثت المفاجأة حيث حاصرت قوات الأمن مركز تكوين العلماء وأرسلت وزارة التعليم العالي الموريتانية خطابا إلى جامعة عبد الله بن ياسين الإسلامية بسحب الاعتراف من الجامعة دون تعليل ولا مستند قانوني، بما يؤكد أن الأمر تخطى شخص الشيخ الددو إلى محاربة التعليم الذي يحفظ هوية موريتانيا وعقيدتها وأن الأيدي العابثة المحملة بالمال القذر التي مولت الانقلاب في مصر ودمرت اليمن تظهر بصمتها في هذه القرارات الأخيرة.

وعود على بدء فإن التعليم في موريتانيا لا يحتاج الى بنيان، ولا تحده أسوار وهدفه العلم والإنسان، لذا فلن تتأثر المحاظر بإذن الله وستبقى في أداء رسالتها، لكن التاريخ سيخلد في أتعس صفحاته من أنفقوا أموال المسلمين في حرب الدين وعلومه، ومن قبلوا الرشوة على ذلك: “فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون”.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه