تكلفة عالية لتحسن الجنيه المصري أمام الدولار

من المتوقع تراجع الجنيه حتى يصل لمستوى 18 جنيها بنهاية العام في السوق الرسمية

بلا شك فإن رفع قيمة الجنيه أمام العملات الأجنبية سوف يضعف تنافسية الصادرات المصرية، وعلى الجانب الآخر سيخفض من قيمة فاتورة الواردات، مما يؤدي إلى زيادتها، وهو تحد آخر للصناعة بمصر

شهدت الفترة الماضي ارتفاعًا في قيمة الجنيه المصري أمام الدولار، إذ بلغ سعر الدولار مؤخرًا أقل من 17 جنيها بقروش قليلة، بعد أن استقر لفترة طويلة عند 17.65 جنيه. ويرى البعض أن أداء الجنيه أمام الدولار أحد مظاهر تحسن المؤشرات الاقتصادية بمصر، وهذا على خلاف الحقيقة.

فالارتفاع الحاصل له تكلفة عالية، بسبب أن أهم موارد زيادة عرض النقد الأجنبي بمصر تأتي من مصادر غير ذاتية، وأن ما تشهده بعض المؤشرات الأخرى، مثل رسوم المرور بقناة السويس، أو السياحة أو تحويلات العاملين بالخارج هي عوائد ريعية، وترتبط بالخارج بنسبة كبيرة، مما يرفع أثر مخاطر التقلبات الخارجية على الاقتصاد المصري.

    متى تكون حالة نجاح؟

خلال العام الأول لتطبيق مصر لبنود اتفاق صندوق النقد الدولي، والذي تضمن تحرير سعر الصرف في نوفمبر 2016، أتت تقويمات الصندوق لتشير إلى أن تقديراتهم لقيمة الجنيه في حالة تحرير سعر الصرف، كانت بحدود من 13 – 14 جنيها للدولار، ولكن السوق أظهر أسعارًا فاقت تقديرات خبراء صندوق النقد، إذ تجاوزت حاجز الـ 18 جنيهًا.

وفي ظل غياب الشفافية التي اتسمت بها تجارب كثيرة لقرارات وسياسات اقتصادية بمصر على مدار العقود الماضية، لا يستبعد أن القفزة الكبيرة في تراجع قيمة الجنيه أمام الدولار -والتي فاقت تقديرات خبراء صندوق النقد- كانت من أجل مصالح فئات معينة، أو سوء تقدير من خبراء البنك المركزي، الذين حملوا الاقتصاد المصري بمعدلات تضخم كبيرة نتيجة التراجع الملحوظ في قيمة الجنيه، والتي أهدرت نحو 50% من ثروات المصريين، وبخاصة أصحاب المدخرات.

وبالتالي ستكون حالة النجاح الحقيقية للسياسات الاقتصادية في مصر، تجاه سعر صرف الجنيه أمام الدولار والعملات الأجنبية الأخرى، حينما يقل سعر صرف الدولار عن 13 جنيها، وهي القيمة العادلة التي تم تحديدها من قبل خبراء صندوق النقد الدولي. 

والمسلك الأخر الذي يمكن اعتباره عاملًا مهمًا في تحسن قيمة الجنيه المصري أمام العملات الأخرى، عندما تكون العوائد الدولارية لمصر، من خلال المصادر الإنتاجية، وعلى رأسها الصادرات السلعية، والتي لا تزال عند حدود شديدة التواضع، بقيمة 25 مليار دولار، وفق بيانات البنك المركزي عن العام المالي 2017 – 2018. وهي تتضمن صادرات الشريك الأجنبي من النفط، كما أن الواردات السلعية ما زالت تواصل الصعود، إذ بلغت 63 مليار دولار في نفس العام، وبلغ العجز بالميزان التجاري 37 مليار دولار، كما أن الفائض بميزان المدفوعات يرجع بشكل رئيس إلى الديون الخارجية.

 

    تكلفة عالية

لا تحتاج معادلة سعر الصرف إلى كثير بيان، فالمعادلة في مكونها البسيط، هي أن تحسن سعر صرف العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، يكون بسبب زيادة المعروض من النقد الأجنبي، وتراجع الطلب المحلي في نفس الوقت على النقد الأجنبي.

وحسب تصريح محمد معيط وزير المالية بمصر لوسائل الإعلام، فإن استثمارات الأجانب في الدين الحكومي بلغت 16.8 مليار دولار في أبريل 2019، وهذه الاستثمارات هي ديون تدفعها عنها الحكومة فوائد سنوية، تتراوح ما بين 18% و20%، أي أن الحكومة تدفع سنويًا فائدة فقط لهذه الأموال نحو 3.3 مليار دولار.

والجانب الأخر الذي يزيد من تكلفة زيادة المعروض النقدي، القروض الخارجية التي تحصل عليها مصر، ويُذكر صراحة من قبل المسؤولين، أن جانبًا كبيرًا منها لدعم احتياطي النقد الأجنبي، وتظهر بيانات البنك المركزي أن الدين الخارجي لمصر ارتفع من 55 مليار دولار في عام 2016 إلى 96 مليار دولار في ديسمبر 2018، وهو ما يعني أن الدين ارتفع بنحو 41 مليار دولار، وهو مبلغ يقترب بشكل كبير من رصيد احتياطي النقد الأجنبي المعلن مؤخرًا من قبل البنك المركزي عند 44 مليار دولار.

وثمة أعباء تتمثل في الفوائد المدفوعة عن هذه الديون، إذ تبين أرقام البنك المركزي، أن فوائد الديون الخارجية  ارتفعت من نحو 800 مليون دولار سنويًا في عام 2016، إلى 2.2 مليار دولار  في نهاية 2018، وهي قابلة للزيادة بشكل كبير خلال الفترة القادمة، في ظل استراتيجية الحكومة المصرية بالتوسع في المديونية الخارجية.
ومن هنا نجد أن جزءًا كبيرًا من المعروض النقدي الأجنبي بمصر يعتمد على الديون، ويعرض سعر الصرف لعدم الاستقرار، في حالة تعثر مصر في حصولها على ديون بشكل مستمر يضمن لها تحقيق استمرار تحسن سعر الجنيه أمام العملات الأخرى.

كما أن الاعتماد على استثمارات الأجانب في الدين الحكومي، مقامرة جربت الحكومة خطورة الاعتماد عليها خلال الفترة من أبريل – ديسمبر 2018، إذ خرج نحو 10 مليارات دولار من هذه الاستثمارات من مصر، بحثًا عن سعر فائدة أفضل في تركيا والأرجنتين، وانخفضت قيمة هذه الاستثمارات من 23 مليار دولار إلى نحو 14 مليار دولار في مطلع 2019، ثم شهدت تحسنًا طفيفًا، أشارت إليه تصريحات وزير المالية ببلوغها 16.8 مليار دولار في أبريل 2019. 
ويبقى مؤشر مهم يتعلق بسعر الصرف، وهو أثر ذلك التحسن في قيمة الجنيه المصري على الصادرات السلعية المصرية، والتي تعاني من مشكلات كثيرة، ولم تستفد خلال الفترة الماضية من تراجع قيمة الجنيه، وبلا شك فإن رفع قيمة الجنيه أمام العملات الأجنبية سوف يضعف تنافسية الصادرات المصرية، وعلى الجانب الآخر سيخفض من قيمة فاتورة الواردات، مما يؤدي إلى زيادتها، وهو تحد آخر للصناعة في مصر. 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه