تقلبات السياسة الألمانية تربك حسابات المهاجرين

كل تلك الأعمال مجتمعة جعلت الشعور بالراحة بين الجاليات الأجنبية مفقودا، وأوصلت لهم رسائل عديدة مفادها أنهم غير مرحب بهم

 

ثمة تقلبات حادة في المشهد السياسي الألماني الآن، شملت تعيينات وزراء جدد، خاصة وزير الداخلية “هورست زيهوفر” المعروف بتشدده تجاه اللاجئين، وعودة ألمانيا إلى توقيع عقود صفقات أسلحة جديدة مع دول متهمة بانتهاكات حقوق الإنسان، أيضا من أبرز تلك التقلبات  مشاهد  تصاعد العنف ضد المهاجرين واللاجئين من قبل المتطرفين العنصريين.

الوزير المناهض للاجئين

تعيين وزير الداخلية الجديد “هورست زيهوفر” أثار مخاوف عديدة عند الأقلية المهاجرة، فهو نفسه كان رئيسا للحزب الاجتماعي المسيحي البافاري الذي عارض سياسة ميركل المنفتحة تجاه اللاجئين، ووجهت آنذاك له  انتقادات واتهامات كثيرة بأنه مناهض للاجئين والأقليات المهاجرة، بيد أن الحزب نفى تلك الاتهامات، وأكد أن سياسته تقوم على العمل من أجل خدمة المصالح الألمانية.

الأمر المؤكد أن اختيار وزير داخلية من الصقور جاء إرضاء للأحزاب المعارضة لسياسة ميركل، رغم أن زيهوفر هو نفسه حليف ميركل في الانتخابات الماضية، لكن اختلاف الآراء في الديمقراطية الألمانية لا يمنع الاتفاق حول ما يصب في المصلحة العليا للبلاد.. فالوزير الألماني لديه خطط  جاهزة تتعلق بترحيل اللاجئين المخالفين إلى بلدانهم، كذلك الذين يثبت تورطهم في جرائم، أما قضية لم شمل الأسر فلن تكون بالسهلة، فهو كما تشير التوقعات سيحاول تأجيلها أو عرقلتها من جديد، وجعلها أكثر صعوبة، أيضا من خطط الوزير المستقبلية كذلك تسليح الشرطة بأسلحة ومعدات متطورة، والتوسع في أعمال المراقبة بما في ذلك زرع كاميرات تصوير في مناطق التوتر وفق وجهات النظر الأمنية.

نشطاء حقوق الإنسان والجماعات الداعمة للاجئين حاولت طمأنتهم بتذكرتهم بأن ألمانيا دولة قانون ومؤسسات، ولا يمكن لأي وزير أن يقوم بعمل منفرد يضر بالأقليات أو الجماعات العرقية من دون مراجعة الدستور والقانون، فلا زيهوفر، ولا حزبه يمكنه أن يقوم بأي شئ إلا بعد الرجوع إلى الحكومة.

هجمات الكراهية

في نفس الوقت الذي انشغلت فيه الأوساط السياسية بتشكيل الحكومة الجديدة، كانت جماعات المتطرفين المناهضة للأجانب تنتهز هي الأخرى الفرصة، وقامت بشن سلسلة من الهجمات بقنابل حارقة على مساجد، ومراكز ثقافية إسلامية في العاصمة برلين، ومدن ألمانية أخرى، وفي غضون يومين متتاليين تحديدا في نهاية الأسبوع الماضي أحرق المتطرفون مسجدين، ومبني تابعا لجمعية الصداقة التركية الألمانية مما زاد في إرباك وحيرة المسلمين في ألمانيا.

أيضا ما زالت تتواصل هجمات الكراهية عبر الإنترنت ضد المسلمين، وضد النساء اللواتي يرتدين الحجاب، ويلاحظ أن هناك نشاطا كبيرا في التهديدات الشخصية عبر الخطابات التي يرسلها المتطرفون إلى المسلمين في منازلهم، أو القيام بأعمال أكثر عدوانية مثل تلطيخ المنازل والمساجد برموز نازية وعنصرية.

كل تلك الأعمال مجتمعة جعلت الشعور بالراحة بين الجاليات الأجنبية مفقودا، وأوصلت لهم رسائل عديدة مفادها أنهم غير مرحب بهم، ولاعجب في ذلك عندما نعرف أن الخارجية الألمانية أصدرت تقريرا في العام الماضي، تضمن عدد الهجمات التي تعرض لها مسلمون ومساجد في ألمانيا، وذكر انها بلغت 950 هجوماً على الأقل، وكلها هجمات تحمل بصمات الجماعات النازية المتطرفة.

إذا كان هذا عن حال العرب والمسلمين في ألمانيا في الوقت الراهن.. فإن واقعهم بعيدا عن الأراضي الألمانية لم يسلم أيضا من تقلبات السياسة الألمانية،   فبعد أن أقرت  الحكومة الألمانية وعدا بعدم بيع الأسلحة إلى الدول التي تستخدمها في حروب تزيد من تفاقم الأضطرابات في العالم  وتضر بالابرياء كما يحدث في حرب اليمن،  عادت وأخلفت وعدها خاصة مع دول عربية مثل مصر التي عقدت معها صفقة تصل إلى  285 مليون يورو، والجزائر بواقع 261 مليون يورو وبعدها الولايات المتحدة الأمريكية بقيمة 167مليون يورو، كما شملت العقود الهند وباكستان،  وبلغ حتي الآن إجمالي قيمة ما وقعته حكومة ميركل لتصريف الأعمال مليار ي يورو اغلبها مع دول  سبق وأن امتنعت عن مدها بالسلاح من قبل بسبب سجلها في حقوق الإنسان.

معجزة ألمانيا

واقع الحال غير المرئي في ألمانيا،  يبدو مختلفا كثيرا عن كل هذه العواصف السياسية التي مركزها  الوحيد مشكلة اللاجئين و الهجرة في ألمانيا،  فالحقيقة أن ألمانيا  بلد صناعي من الطراز الأول، وعماد ثروته الصناعية يتوقف على وفرة العمالة الماهرة ،  وبدون تلك العمالة ـ فإن ألمانيا لن تستطيع تحقيق أي تفوق صناعي،  حتي إن البعض يري أن معجزة ألمانيا الصناعية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية كانت تكمن في العمالة  التي تدفقت علي البلاد،  وساعدت في نهضتها، هذا يعني باختصار أن كل تلك الصراعات السياسية من أجل اللاجئين والمهاجرين ستذهب أدراج الرياح لأن الشركات  الألمانية في حاجة ماسة إلى ما يقرب من مليون ونصف المليون عامل في غضون السنوات القليلة القادمة حتي تستمر في التفوق .. وهذا خير دليل علي أن ألسنة السياسيين لا تنطق دائما بالصدق لأنهم يثيرون القلاقل والمخاوف من أجل مصالح انتخابية واستمرار الاحتفاظ بالكرسي.

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه