تعديل الدستور ليَحكُم أم يُحَاكَم؟

وكأن الدستور ملك خاص لكل رئيس مقدر للشعب المصري أن يحكمه، فيتعرض الدستور المصري الذي تتم الموافقة عليه شعبيا في كل مرة لتمرير تعديلات جذرية لمواد دستورية لصالح الحاكم دوما بما يمكنه من الاستمرار في الحكم مدي الحياة، فإما ينزعه الموت، أو تخلعه ثورة نادرا ما تحدث في تلك البلاد. 
تبدأ المطالبات بالتمديد على استحياء عبر وسائل الإعلام المصرية المختلفة، كل يدلي بدلوه خاطبا ود النظام بينما يقترب نصف المدة الثانية لحكم الانقلابي عبد الفتاح السيسي علي الانتهاء، ليضمن الاستمرار من دون أن يخرج أحدهم محتجا بالدستور الذي يحدد فترة حكم الرئيس بمدتين رئاسيتين لا أكثر، في الوقت الذي تكمم فيه كل الأصوات المعارضة ولا يسمح لأحد بالاعتراض داخل البلاد.
فما الذي قدمه النظام الانقلابي برئاسة السيسي للبلاد حتى يتم تعديل الدستور من أجل التمديد له فترات أخري؟ كيف تسلم السيسي مصر وأين انتهت اليوم ليجرؤ أحدهم على المطالبة بتعديل الدستور الذي أشرف عليه بنفسه بعد الانقلاب؟
ما هو البرنامج الذي تم اختياره على أساسه خلفا لأول رئيس منتخب انقلب عليه؟ وما هي الإضافات والتعديلات على هذا البرنامج والمسوغة للتعديل ليعطي فرصة ثالثة ورابعة بالمخالفة للدستور؟

مشاريع بغير جدوى ورئيس بلا برنامج 

مشاريع مثيرة للجدل، بإدارة تتعمد الفشل، هذا هو باختصار الوصف الدقيق لجملة المشاريع التي نفذتها إدارة السيسي منذ قدومه رئيسا بغير برنامج رئاسي تحميه الدبابة ليجيب علي إعلاميين يسألونه عن برنامجه الاقتصادي والسياسي فيجيب (لم نتفق علي هذا)، فالرجل منذ اليوم الأول لا يعرف ما هو البرنامج الرئاسي الذي يجب أن يتقدم به للمواطنين كمسوغ لانتخابه بعد عام علي الانقلاب. 
فبعد تخريب صناعة السياحة بالحملات الزائفة ضد الإرهاب الذي يصنعه نظامه، والدعاية السوداء علي المستوي العالمي لمصر حاضنة الإرهاب علي حد زعمه، وغلق المصانع التي يدعي خسارتها وتسريح العمال، والتفريط في مياه النيل في احتفالية شهدها العالم، وبيع أراضي الدولة للأجانب وأكبر مثال فيها مثلث ماسبيرو وجزيرة الوراق، والتنازل عن الجزر ذات الموقع الاستراتيجي، وتجريف آثار مصر، وإهمال التعليم لتحتل مصر المراتب الأخيرة عالميا، وإهمال الطرق، ومنافسة التجار والزراع في السيطرة علي الأسواق، وأخيرا المشاريع ذات التكلفة العالية التي جففت البلاد من العملة الصعبة مثل حفر تفريعة قناة السويس لتكون نموذجا  للمشاريع التي تتم بغير جدوي بامتياز، ثم العاصمة الإدارية الجديدة التي يصنع بها عالما مختلفا ليقسم بها البلاد لطائفتين، واحدة من الأسياد والأخرى من العبيد ليختم بها السيسي مشروعاته التي يقوم بها بفوضى معترفا بعدم جدوى أي دراسة للجدوى ، وأنها معطلة لقيام المشاريع ومكبلة لها، وأن تلك السياسة الفوضوية هي التي تناسب العقلية المتخلفة في أفريقيا، فنحن لسنا في أوربا، ولسنا في آسيا ، فتكون النتيجة النهائية لمشاريعه ـــ الكبرى ـــ القضاء علي مصادر الدخل فلا يكون أمامه إلا الاستدانة من البنوك داخليا وخارجيا لتصل للبنك الأفريقي الذي لم يفوت النظام فرصة الاقتراض منه.
والحقيقة التاريخية قديما وحديثا أنها المرة الأولي التي يقف فيها شخص من المفترض أنه رئيس البلاد والمسؤول الأول عن رعاية الشعب وتوفير الحياة الكريمة له، والحقيقة أيضا أنها المرة الأولي ربما عالميا والتي يقف فيها رئيس لدولة بحجم مصر استطاع في سنوات معدودة أن يقزمها داخليا وخارجيا ويحط من قدر أفرادها، ليواجه شعبه بالإفلاس الحضاري الذي تسبب فيه بسياسته وإدارته الجاهلة ليكون كل خطابه: أنتم فقراء، أنتم كسالي، مصر بلد فقيرة، قليلة الموارد، ليكون الرد السريع للمنتفعين من استمراره والمتقوتين علي فقر الشعب وامتصاص دمائه هو المطالبة بتعديل الدستور ليسمح له بالبقاء في منصبه فترات متعددة، وقد كان حريا بالجميع ألا يطالب برحيله فحسب، وإنما بمحاكمته علي جرائمه في حق البلاد والعباد وهو الذي فشل في توفير الحياة الكريمة لمواطنيه بعد ثورة عظيمة كثورة يناير، بل لقد قضي علي كل أمل في أي حياة كريمة مستقبلا لشباب مصر وأحرارها.
لقد بدأت مصر نهضتها الحديثة في التوقيت نفسه الذي بدأت فيه نمور آسيا بعد تحررها من الاستعمار منذ بداية الخمسينيات وها هو العالم اليوم يواجه عمالقة الصناعة والتجارة في آسيا مثل سنغافورة وماليزيا، بينما مصر ما زالت ترزح تحت استعمار محلي من نوع جديد، استعمار يحمل نفس اللون ويتحدث نفس اللغة، لكنه يرتدي زيا مختلفا، يرتدي بيادة انتشرت في مؤسسات البلاد فحولتها لثكنات عسكرية، المشاريع فيها تدار بعقلية عسكرية لا تعرف سوي (تمام يا أفندم).
مشروعات محصلتها الديون، وعائدها على الشعب جوع ومرض وجهل، وما زال يصر أنه الأفضل لإدارة البلاد، وما زال يصر من حوله على الاستهانة بالشعب بمحاولات لتغيير الدستور ومد فترات الرئاسة لأجل غير مسمي لتظل البلاد في فقرها المصنوع، وتظل العصابة الحاكمة تعادي الشعب الذي فقد رغبته في الحياة، فصار بيع الأم لأبنائها لعدم قدرتها على إطعامهم، أو قتل الأب لأولاده لعجزه عن توفير احتياجاتهم ظاهرة تستحق الدراسة في مصر
البلاد التي تتميز بخصوبة أرضها، وتقع بين بحرين، وبها ثلث آثار العالم، وتتميز بطبيعة ساحرة، وغارقة في بحر من المعادن الثمينة والتي لا يعرف عنها شيء سوي العسكر الذين يستخرجونها ويصدرونها من دون علم مؤسسات الدولة، البلاد التي بها جامعة من أقدم الجامعات في العالم الإسلامي، تعاني اليوم الفقر والجهل تحت إدارة الفوضى والفشل التي أقرها الرئيس الانقلابي وتفاخر بها أمام العالم وكأنه يقدم كشفا جديدا عن الشخصية الأفريقية المتخلفة على حد قوله.

خطاب عنصري واحتلال مقنع 

وعلي مدي حقب عانت فيها الشعوب العربية الاستعمار الغربي الذي أوقف التاريخ عند بداية احتلاله لها، فتسبب في تأخرها عشرات من السنوات الفارقة من عمر البشرية، تلك السنوات التي استطاع فيها الغرب أن يتقدم سنوات ضوئية ويقفز قفزات هائلة علي طريق العلم ورفاهية الشعوب التي تثور اليوم لأن دخلها لا يكفي للسياحة خارج البلاد كل عام، تسببت باستعمارها لبلادنا وما زالت بإصرارها علي دعم حكام يمثلونها، ويمثلون مصالحها وينتمون إليها في نفس سياسة تجريف العقلية العربية لتظل علي قناعة بأنها الصنف الثالث من البشر، وأن سبة ( العالم الثالث ) ستظل لصيقة بها، ليس لرغبة لديها أو عدم استطاعة للخروج منها، وإنما لأن حكامها يصرون علي ذلك في مقابل المكوث أطول فترة ممكنة جاثمين علي رقاب شعوبهم 
إن الديمقراطية والحرية والعدالة، التي تسبب الاستعمار في حرمان الشعوب العربية والإسلامية منها، ما زالت مطالب وأحلاما تصرخ بها الشعوب العربية ثورة حينا، وجهادا حينا آخر لنكتشف أن الاحتلال لم يرحل بعد، والعنصرية هي التي تحكم، والتفريق بين الشعوب ما زال ثقافة توجه سياسة العالم تجاه منطقتنا 
إن بلادنا ما زالت ترزح تحت العقلية الاستعمارية، تلك العقلية التي تحدد للشعب ما يلزمه وتمنع عنه ما لا تريد، تلك العقلية التي تفرق بين إنسان وإنسان، وبين شعب وشعب، وبين مشروعات علمية تقام على دراسات الجدوى هناك، وتقام على الفوضى هنا. 
ومن هنا فإنه علي الشعوب أن تدرك حجم الكارثة التي تحياها، إننا أيها الأحرار لا نخضع لحكم مستبد يجب الخلاص منه، بل نخضع لحكم استعماري وعقلية محتلة يجب التحرر منها، وفي مقابل تلك الدعوات التي تطالب بتعديل دستوري يعد له منذ شهور، وربما يمرر، يجب أن تكون هناك دعوات أخري بمحاكمة ذلك الرجل الذي ضيع البلاد وأخرها عشرات السنوات إلي الخلف، يجب إسكات تلك الأصوات بتحرك شعبي واع علي كل المستويات الثورية، ولا تستطيع أية قوة مهما بلغت أن تسكتهم وتمرر عليهم مؤامرتهم من دون ظهير شعبي قوي ، فصوت الشعب هو وحده القادر علي إسكات كل صوت آخر ، هو وحده القادر علي انتزاع حقه السليب.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه