تصميمات سد النهضة خاطئة واستمرار المفاوضات خطيئة

اعتراف رئيس وزراء اثيوبيا بارتكاب أخطاء في التصميم ومشاكل في بناء السد لا تعني تخليه عن المشروع كما تحاول أن تصوره أبواق الإعلام الموالي للجنرال السيسي

في أول مؤتمر صحفي له بعد توليه السلطة في أبريل/نيسان الماضي كشف رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، عن ارتكاب أخطاء في تصميمات سد النهضة الكبير، والذي بدأت بلاده البناء فيه على النيل الأزرق في عام 2011، وقال: “هناك مشكلات تتعلق بالتصميم، لقد سلمنا مشروع سد مائي معقد إلى أشخاص لم يروا أي سد في حياتهم”، يقصد شركة المعادن والهندسة التابعة للجيش الإثيوبي.

ونقلت وكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية عن رئيس الوزراء أن وزارة المياه والطاقة الإثيوبية كشفت في بيان لها عن إدخال تعديلات في تصميمات السد، وفشل في تركيب التوربينين الأولين اللذين كانا يخطط لهما بدء توليد الكهرباء هذا العام وحتى عام 2020، بالرغم من التغيير في التصميم وطاقة توليد الكهرباء.

اتهم رئيس الوزراء الإثيوبي إدارة شركة المعادن والهندسة التابعة لجيش بلاده بأنها: “غير ناضجة وتفتقر إلى الخبرة وتتمسك بثقافة عمل غير لائقة”، لكنه لم يكشف عن حجم الأخطاء الفنية في تصميمات السد، ومدى خطورتها على الإخلال بالمواصفات والمعايير الدولية للسدود، الأمر الذي يعرض سلامة السد ومعامل الأمان فيه للخطر والانهيار، مخلفًا تسونامي يغرق مدينة الخرطوم بمياه يصل ارتفاعها إلى 10 أمتار، ويعرض السد العالي في أسوان للانهيار ثم تغرق المدن المصرية على ضفاف النيل.

إدانة دولية موثقة

اعتراف رئيس الوزراء بارتكاب أخطاء وتغيير في تصميم السد، أكد ما ورد في تقرير لجنة الخبراء الدولية المعنية بمشروع سد النهضة الصادر في 31 من مايو/أيار 2013، بأن التصميمات الإنشائية التى قدمتها إثيوبيا عن السد هي تصميمات أولية وسطحية، ولا تختص بالمشروع نفسه ولا موقعه الحالي، ولا ترقى لمستوى الدراسات المطلوبة لسد بهذا الحجم الضخم، وأن بعضها وضع بعد البدء في بناء السد، وأن حكومة إثيوبيا تخفي كثير من المعلومات الحيوية عن السد وتتعامل معها بسرية تامة.

وأوصى خبراء اللجنة الدولية بوضع تصميمات جديدة للسد، وبإتاحة كل المعلومات المتعلقة ببناء السد، وإجراء دراسات إنشائية وبيئية واقتصادية جادة وحديثة، وهو الطلب الذي أغضب إثيوبيا ورفضت استمرار الخبراء الدوليين ضمن اللجنة وأوقفت عملها، وغيبت رأيهم المحايد في حسم النزاعات.

تمسك مصر بوجود الخبراء الدوليين كان جديرا بدعم المفاوض المصري في اثبات أخطاء التصميم بحيادية، وبالضغط على إثيوبيا وحملها على التزام الجدية وتصحيح حجم السد الذي لا يضر بأمن مصر، أو إحراجها أمام المجتمع الدولي وبالتالي تبرير لجوء مصر للمؤسسات الدولية وحفظ حقوق مصر المائية.

ولكن السيسي تنازل عن شرط استمرار الخبراء الدوليين، وتحولت لجنة الخبراء الدولية إلى لجنة ثلاثية ذات طبيعة وطنية، وتحولت المفاوضات الثلاثية إلى مسرحية عبثية استمرت من منتصف 2014 حتى الآن، وكافأت إثيوبيا السيسي على تنازله عن وجود الخبراء الأجانب بعودة مقعد مصر إلى الاتحاد الأفريقي بعد تجميد عضويتها بسبب الانقلاب العسكري الذي قاده الجنرال منتصف 2013.

خطيئة الجنرال

وقع الجنرال السيسي اتفاق مبادئ مثير للجدل في مارس/آذار 2015 مع اثيوبيا والسودان، وتنازل بمقتضى الاتفاق عن سيادة مصر التاريخية على نهر النيل لصالح القوة الاثيوبية الناهضة، وفرط في حق مصر في الحفاظ على حصتها القانونية من مياه النهر، وأعطى شرعية للسد كان محرومًا منها.

وقال السيسي في كلمته خلال حفل توقيع إتفاق مبادئ سد النهضة: “في أول لقاء مع رئيس الوزراء الإثيوبي، أخي ديسالين، أنا قلت له إحنا ما عندناش أبدًا أي تحفظ على إن أنتم تنموا وتطوروا من أجل الشعب الإثيوبي، لأن احنا نتمنى لكم كل الخير، لكن خلي بالك إن فيه في مصر شعب بيعيش فقط على المية” ولكن أليس من السذاجة أن ينتظر السيسي من إثيوبيا أن تحافظ على حقوق مصر المائية بعد أن فرط هو فيها ووقع اتفاق غير ملزم لها؟

الفريق سامي عنان، وهو رئيس أركان حرب القوات المسلحة الأسبق، اعتبر توقيع السيسي اتفاق المبادئ خطيئة، وكتب بيانا على صفحته على “فيسبوك قال فيه إن: “الحكومة فشلت فشلاً ذريعاً في إدارة ملف سد النهضة، فشل يصل إلى حد الخطيئة، بدأ منذ أن وقّعت مصر على إعلان الخرطوم في مارس/آذار عام 2015، مؤتمر حسن النوايا، ورفع الأيدي”.

وطالب عنان بمحاسبة النظام بقوله: “يجب محاسبة كل مَن أوصلنا إلى هذا الوضع الكارثي المهين وقيام مؤسسات الدولة وأجهزتها بدراسة كافة الحلول المتاحة لإصلاح هذا الموقف السيئ للحفاظ على حقوق مصر التاريخية في مياه النيل، ويجب إعلام الشعب بكافة الأمور والمستجدات بشفافية كاملة، وعلى الدولة أن تعلن أن كل الخيارات متاحة للدفاع عن الأمن القومي لمصر وحقوقها التاريخية في مياه النيل”، فكان عقابه أن يعتقله الجنرال السيسي بعد تصريحه بشهر واحد فقط.

وزير الموارد المائية والري المصري الأسبق، محمد نصر الدين علام: وهو أحد المسؤولين السابقين عن ملف حوض النيل، قال عن اتفاق المبادئ الذي وقعه السيسي: “مصر تنازلت عن النص على الحصة المائية فى إعلان المبادئ وتنازلت عن النص على التفاوض على سعة السد، فلم يتبق إلا الإقالة الفورية لكل من شارك فى هذا التهريج ومحاكمتهم وتغيير مسار المفاوضات قبل حلول الخراب”، وفق تصريحه لصحيفة اليوم السابع في ديسمبر 2015، فكان عقابه السجن سبع سنوات قضى منها سنة ونصف ثم برأته المحكمة لاحقًا.

وبالرغم من أن التعديلات الإثيوبية المنفردة في تصميمات السد تخالف اتفاق المبادئ الذي وقعه السيسي في المبدأ الأول والذي ينص على التعاون والتفاهم وحسن النوايا، والمبدأ السادس الخاص ببناء الثقة، والمبدأ السابع الذي يلزم الأطراف بتبادل المعلومات والبيانات بروح حسن النية وفي التوقيت الملائم، لم يغير السيسي من منهجية ادارة الأزمة حتى الآن.

مخاطر السد

كل مليار متر مكعب من المياه تفقده مصر يعني فقدان 200 ألف أسرة لمصدر رزقها، ويعرضهم لأخطار التطرف، وفق تصريح وزير الري الحالي، محمد عبد العاطي أمام غرفة التجارة الأمريكية بالقاهرة.

وعند اكتمال باء السد وفق المخطط المرسوم، وإذا أقدمت إثيوبيا على ملء خزان سد النهضة خلال 5 سنوات، وهو أكثر السيناريوهات تفاؤلًا، فإنها سوف تقتطع 20 مليار متر مكعب من حصة مصر السنوية. هذه الكمية سوف يتم تعويضها من المخزون الحي لبحيرة ناصر والبالغ 60 مليارا، بفرض امتلائها، ويتم تفريغها تماما بعد 3 سنوات وتتوقف توربينات توليد الكهرباء تماما.

وفي السنة الرابعة تكون حصة مصر 30 مليارا فقط، ويتم تبوير 4 إلى 5 ملايين فدان، ما يعني تشريد 25 مليون مصري، هم نصف عدد الريفيين، البالغين 57 مليون نسمة. ويؤدي ذلك إلى موجات من هجرة المزارعين داخليًا من الريف إلى المدن، وخارجيًا إلى الدول العربية، وإلى دول الاتحاد الأوربي، في موجات هجرة غير شرعية يتعرض أصحابها للغرق في البحر المتوسط، ويضرب الغلاء في البلاد، ويزيد الطلاق وتتفكك الأسر ويتشرد الأطفال وينهار مستقبل البلاد.

السيسي يرد

اعتراف رئيس وزراء إثيوبيا بارتكاب أخطاء في التصميم ومشاكل في بناء السد لا تعني تخليه عن المشروع كما تحاول أن تصوره أبواق الإعلام الموالي للجنرال السيسي، ولكن آبي أحمد يؤكد عزم بلاده المضي قدمًا حتى إنجاز السد بقوله: “إن حكومته تسعى جاهدة لإنجاز مشاريع ضخمة بما في ذلك سد النهضة الإثيوبي الكبير في غضون فترة قصيرة من الزمن”، ويرد أحمد على الواهمين بقوله: “لا يشكّل سد النهضة الكبير مجرد مشروعًا عاديًا، بل هو مشروع ملهم لجميع الإثيوبيين”.

في نوفمبر/تشرين الثاني 2015 طالب خبراء “مجموعة حوض النيل”، وهي تضم 15 أستاذًا وخبيرًا وسفيرًا مصريًا، السيسي باللجوء إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي واستصدار قرار يلزم إثيوبيا بوقف أعمال البناء في السد لحين إتمام الدراسات الفنية المعيبة.

وبعد اعتراف آبي أحمد بأخطاء في تصميم السد، وعلى غير المتوقع، لم يستغل السيسي الفرصة ويطلب تدخل دولي لوقف البناء في السد، وانتداب لجنة خبراء دولية محايدة للوقوف على كفاءة التصميمات والتفتيش على سلامة الانشاءات، ومراجعة حجم السد المبالغ فيه وحماية الدولة المصرية من أخطار العطش والجوع والتهجير، أو كابوس الغرق والدمار الذي قد ينتج عن انزلاق السد وانهياره بسبب أخطاء التصميم وفساد في الانشاءات.

وجاء رد السيسي بعد ساعات من اعترافات آبي أحمد برسالة مع وزير الخارجية المصري، سامح شكري، ومدير الاستخبارات العامة المصرية، عباس كامل، إلى رئيس الوزراء الإثيوبي يحثه على استئناف المفاوضات المتعثرة، ويرتب على عجل لاجتماع مسرحي لوزراء الري في الدول الثلاث، عُقد لاحقًا في أديس أبابا لمدة يومين ثم انفض بفشل كالعادة.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه