ترمب الحزم

يبدو أننا في مرحلة دفع الثمن وأن الشقي الأصهب مصر على حلب الضرع إلى آخر قطرة…. قبل تمزيق جسد البقرة.

 

هل أصبح لزاما علينا سداد ديون كانت على أسلافنا؟

ألح على هذا السؤال وأنا أتابع على مدار ثلاثة أيام متتالية خطابات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بين جماهيره الغفيرة موجها كلامه في كل مرة إلى المملكة السعودية وعاهلها الملك سلمان بن عبد العزيز بعبارات فجة وكلمات فظة لا تليق بما قدمته وتقدمه السعودية ماديا ومعنويا للبيت الأبيض إيمانا واحتسابا!

ولو ضربنا لكل بمثال لأغنى عن بقية الكلام

على الصعيد المادي: دفعت السعودية أربعمئة وستين مليار دولار ابتهاجا بقدوم ترمب إلى الرياض كأول وجهة بعد انتخابه رئيسا وعربونا لأحداث وقعت وصفقة قرن يعد لها وآمال على قائمة الانتظار.

ومعنويا: أعلن الأمير محمد بن سلمان ولي العهد أن آباءه وأعمامه تبنوا المدرسة الوهابية وعملوا على دعمها ونشرها تنفيذا لرغبة حلفائهم الغربيين، ولما قضى العلج منها وطره قلبوا لها ظهر المجن، وقرروا استبدال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بهيئة الترفيه مع سجن الدعاة والهداة واستقدام المغنين والمهرجين!

ادفع

كان التاجر الأصهب قبل أن يصل إلى سدة الحكم يرى المملكة السعودية بقرة حلوبا ولو تمكن من ضرعها فلن يتركه حتى يجف! قد يقبل هذا في روايات رعاة البقر أما أن يستمر خطة عمل معلنة في خطابات رئيس أكبر دولة في العالم تجاه دولة حليفة أليفة فهذا يعني أن الرجل قرر أن يعلن على الملأ ما كان يدور قبل ذلك في الغرف المغلقة، ولا يجد ما يدعوه إلى استخدام دبلوماسية السياسة أو ألفاظ الكياسة.

فهو يقول بمنتهى الوضوح والفضوح “ادفع بالتي هي أحسن فلولا حمايتنا لك ما استطاعت طائراتك أن تحلق في السماء” ثم أردف بعدها بيوم لولا ما نوفره لك من حماية ما بقيت على عرشك أكثر من أسبوعين! والغريب عدم وجود أي رد على المستوى الرسمي أو الشعبي مع أن كتائب المغردين تملأ الدنيا طنينا.

وعدت إلى نفسي لأجيب عن تساؤلها هل أصبحنا بصدد تسديد فاتورة السابقين يوم أن أرسل سعد بن أبي وقاص خال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابي ربعي بن عامر لمقابلة رستم قائد الفرس تلبية لطلبه قبل موقعة القادسية حتى إذا وصل الفارس العربي خيمة الزعيم الفارسي طلب الحرس منه نزع سلاحه وعدم الدخول على أميرهم به فقال هو من طلب لقائي ولن أترك سلاحي، فسمح له! ولما بادره رستم ما الذي جاء بكم إلى بلادنا؟ قال: إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى سماحة الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.

وبعدها في دولة بني أمية لما شرع يزيد بن معاوية في دفن الصحابي الجليل أبي أيوب الأنصاري عند أسوار القسطنطينية حسب وصيته بعدما استعصت على الفتح، أرسل إليه قائد البيزنطيين يستفهم عن ذلك فأجابه: هذا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أوصى أن يدفن في آخر ما تصل إليه خيول المسلمين من بلادكم والله لو نبشت قبره لنبشت عن عينيك.

فما مسه أحد حتى فتحت بعد عدة قرون على يد السلطان محمد الفاتح الذي بنى مسجدا بجوار القبر وأصبح سلاطين بني عثمان يبدأون حكمهم بالصلاة فيه والسلام عليه وهو من المعالم المشهودة في مدينة إسطنبول الآن.

خيل الله البلق

وفي زمن الخلافة العباسية تجهز الخليفة المعتصم لفتح عمورية أمنع عواصم الفرنجة استجابة لنداء امرأة من المسلمين فزعها عسكر الروم فاستغاثت به وامعتصماه، فسخر أحدهم قائلا: غدا يأتيك المعتصم على خيل الله البلق!  فأصر المعتصم أن يخرج بنفسه واجتهد في التماس البلق من الجياد وركب واحدا منها حتى فتح عمورية وأتى المرأة المستنصرة وقال: قد جاءك المعتصم على خيل الله البلق.

أما أخبار سلاطين بني عثمان في تعاملهم مع الأسبان والألمان والطليان فما زالت غصتها في حلوقهم إلى الآن، فهذا سليمان القانوني الذي لقب بسلطان البر والبحر الذي بلغت سفنه المجر وأخذ منهم الجزية كان لا يصافح سفراء أوربا بيده وإنما يسمح لهم بلمس ذيل ثوبه!

يبدو أننا في مرحلة دفع الثمن وأن الشقي الأصهب مصر على حلب الضرع إلى آخر قطرة، قبل تمزيق جسد البقرة.

وإني لا أعجب من قساوة الجزار بقدر عجبي من استسلام الضحية. وقد أبدع الشاعر السوري عمر أبو ريشة في رسم المشهد قديمه وحديثه في أبيات من العذب الزلال، والسحر الحلال فقال:

رب وامعتصماه انطلقت *

ملء أفواه الصبايا اليتّم

*لامست أسماعهم لكنها

لم تلامس نخوة المعتصم.

*أمتي كم صنم مجدته

لم يكن يحمل طهر الصنم.

*لا يلام الذئب في عدوانه

إن يك الراعي عدو الغنم.

*فاحبسي الشكوى فلولاك لما

كان في الحكم عبيد الدرهم.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه