تركيا والتحقيق الدولي في قضية خاشقجي

 

عادت قضية جمال خاشقجي الكاتب والصحفي السعودي الذي تم اغتياله داخل قنصلية بلادة في الثاني من شهر اكتوبر/تشرين الثاني الماضي، لتتصدر واجهة اهتمامات الأوساط الدبلوماسية والإعلامية التركية والعالمية، وذلك بعد التصريح الذي أدلى به وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو، معلنا أن الوقت قد حان لبدء تحقيق دولي في القضية، بعد أن تقاعست السعودية عن التعاون مع المحققين الأتراك للتوصل إلى كافة الحقائق والملابسات المرتبطة بها، وعلى الأخص هوية الشخص الذي أمر بتنفيذ تلك الجريمة البشعة.

تعليمات رئاسية بتدويل القضية

تشاوش أوغلو أوضح أن التحرك التركي جاء بناء على تعليمات مباشرة من الرئيس أردوغان الذي أمر بالتوجه صوب تدويل القضية، بعد ان استنفذت أنقرة كافة السبل الدبلوماسية والقانونية لإقناع المملكة السعودية بإجراء تحقيق مشترك في الجريمة التي هزت تفاصيلها الرأي العام العالمي الذي لايزال ينتظر الاعلان رسميا عن أجوبة لجملة التساؤلات التي أطلقها المسئولون الاتراك وفي مقدمتهم الرئيس أردوغان شخصيا: أين الجثة؟ من هو المتعاون المحلي؟ من الذي أصدر أوامر القتل لفريق الاغتيالات الذي جاء خصيصا إلى اسطنبول لتنفيذ تلك الأوامر؟

الرئيس أردوغان أعلن أن المملكة السعودية ملزمة بالإجابة على كافة التساؤلات، وانه ليس من حق أحد خداع الآخرين، مرجحا ان تكون إقالة عادل الجبير وزير الخارجية السعودي سببها حديثة عن وجود متعاون محلي تم تسليمه جثة خاشقجي دون أن يستطيع الكشف عن هوية ذلك المتعاون، الأمر الذى أكد على سياسة الإنكار الدائم التي يتبعها الجانب السعودي في هذه القضية، مشيرا إلى أن ولي العهد محمد بن سلمان سبق وأن صرح في بداية تلك الأزمة بأن خاشقجي غادر القنصلية ولا يعرفون عنه شيئا، لكن مجريات الأحداث كشفت الكثير من تفاصيل الجريمة التي تمت داخل جدران القنصلية السعودية، واتهم أردوغان ولي العهد السعودي ووزير خارجيته بالكذب علنا.

التكتم على أسماء المتهمين

تصريحات الرئيس أردوغان كانت بمثابة الإعلان رسميا عن تدشين حملة تركية جديدة تستهدف كشف بقية الحقائق التي ترتبط بالقضية، واستئناف الجهود المبذولة من أجل تحقيق العدالة والقصاص ممن يقفون خلفها ولايزالون يتحصنون بمكانتهم العائلية ومراكزهم السياسية.

خصوصا وأن السعودية التي أعلنت عن اعتقالها 21 سعوديا متهمين بالضلوع في قضية مقتل خاشقجي، وإحالة 11 شخصا منهم للمحاكمة، ومطالبة الادعاء السعودي بتطبيق عقوبة الإعدام على خمسة منهم، ترفض بصورة قاطعة الإفصاح عن أسماء هؤلاء المعتقلين وهويتهم ودور كل منهم في جريمة قتل خاشقجي، إلى جانب تواتر المعلومات حول أن سعود القحطاني المستشار بالديوان الملكي السعودي الذي اٌقيل من منصبه العام الماضي على خلفية جريمة مقتل خاشقجي لايزال يتمتع بنفوذه ضمن الدائرة المقربة من ولي العهد محمد بن سلمان.

ووفقا لما تناقلته وكالة رويترز فإن القحطاني الذي يٌعد الذراع اليمنى لولي العهد” لايزال حاضراً، وحراً، ومرضيا عنه، وولي العهد لايزال متمسكا به ولا يبدو مستعدا للتضحية به”، وهى المعلومات التي يؤكد صحتها عدم الإعلان عن بديل رسمي له منذ أن تمت إقالته العام الماضي وحتى الآن.

وهو الأمر الذي يعني أن هناك الكثير من الحقائق التي ترتبط بتلك الجريمة، والتي ترغب السعودية في التستر عليها، وعدم الكشف عنها، في إطار حمايتها لشخصيات معينة مرتبطة بصورة مباشرة بالجريمة.                          

الإعلان عن تفاصيل المؤامرة

تركيا التي بدأت الإعلان جزئيا عن تفاصيل المؤامرة التي استهدفتها من خلال عملية قتل خاشقجي، أعلنت على لسان فخرالدين ألتون رئيس دائرة الاتصالات في الرئاسة التركية ان بلاده  أحبطت بالأدلة الدامغة محاولات توريطها في مقتل خاشقجي عبر قيامها بحشد كل إمكاناتها من أجل الكشف عن جريمة قتل الصحفي السعودي، بعد أن اتضح لها منذ اللحظات الأولى لوقوع الجريمة، محاولات بعض الدول ووسائل إعلامها والمنظمات التابعة لها طمس جريمة القتل، وتوريط تركيا فيها، وتشويه صورتها أمام الرأي العام العالمي، مشيرا إلى أن ذلك كان أحد أهداف عملية القتل تلك.

 لذا فإن أنقرة، وفي إطار بحثها عن الحقيقة الكاملة حول تلك الجريمة البشعة ماتزال تبحث عن الجهة التي أصدرت أمر قتل خاشقجي، وعن هوية المتعاون المحلي الذي تولي مهمة إخفاء الجثة، لان الاجابة عن هذه الاسئلة سيكشف الكثير من خيوط المؤامرة.

وأوضح ألطون أن المشاركة الشفافة للتفاصيل المتعلقة بجريمة القتل من خلال القنوات الدبلوماسية ووسائل الإعلام الدولية، أدت إلى إثارة الجريمة لدى الرأي العام العالمي وشكلت ضغوطاً دولية على السعودية. ولفت إلى أن “تركيا التي تتحرك من دافع إحقاق العدل في جريمة قتل خاشقجي، أثبتت أنها تمتلك قدرة توجيه وسائل الإعلام والمؤسسات الدولية باستراتيجية الاتصال الصحيحة.

السياسة التي تتبعتها تركيا في هذا المجال اسفرت عن تشكيل لجنة تحقيق اممية أولية من مكتب حقوق الانسان لإجراء تحقيق دولي مستقل في مقتل خاشقجي، والوقوف على طبيعة وحجم المسؤوليات الواقعة على الدول والافراد فيما يتعلق بعملية القتل، وهو الوفد الذي ضم كل من أغنيس كالامارد مقررة الامم المتحدة المعنية بالقتل خارج نطاق القضاء والإعدام الفوري والتعسفي، وهيلينا كيندي المحامية البريطانية، ودوارتي نونو فيرا خبير علم الامراض والاستاذ في قسم الطب الجنائي بجامعة كويمبرا في البرتغال.

تركيا تنتظر تحقيقا موسعا

الوفد الأممي الذي زار تركيا التقى كلا من وزير الخارجية ووزير العدل والمدعي العام والمستشار السياسي لرئيس حزب العدالة والتنمية، وخديجة جنكيز خطيبة جمال خاشقجي، وقام بمعاينة مقر القنصلية السعودية ومنزل القنصل السعودي من الخارج بعد ان رفضت السلطات السعودية السماح لهم بالدخول لايا من المقرين، وأعرب عقب مغادرته عن تأكده من إن الحكومة السعودية قوضَت بشدة جهود تركيا للتحقيق في مقتل الصحفي السعودي.

 وأوضح في بيان نشره على موقع مفوضية الأمم المتحدة العليا لحقوق الانسان أن الأدلة التي جمعها فريق التحقيق في تركيا “تظهر أن خاشقجي وقع ضحية قتل وحشي متعمد تم التخطيط له وارتكابه من قبل مسؤولين سعوديين” وأنه لم يتم منح المحققين الأتراك الوقت الكافي والإمكانات اللازمة لإجراء فحص وبحث مهني وفعال لمسرح الجريمة وفقًا للمعايير الدولية للتحقيق”.

الحرص على العلاقات الدبلوماسية

وتعول تركيا بشدة على أن يفضي التقرير الذي سيصدر عن لجنة التحقيق الأممية، إلى تبني الامم المتحدة نفسها تحقيقا دوليا موسعا، لأن ذلك سيمنح لسلطات التحقيق لديها حقا امميا بدخول مسرح الجريمة كون السعودية عضوا في الامم المتحدة وعليها الانصياع لقراراتها، إذ انه في المرة الوحيدة التي سٌمح للمحققين الاتراك بدخول مبنى القنصلية ومقر إقامة القنصل كان ذلك بحضور ممثلين سعوديين مقابل كل محقق تركي، الأمر الذي أعاق حركة المحققين الأتراك ومنعهم من أداء عملهم بشكل متكامل.

 حيث لم يسمح لهم بتفتيش مقر إقامة القنصل بدقة، كما عارض الجانب السعودي بشدة تفتيش بئر قديمة مغطاة بالرخام موجودة داخل مقر إقامة القنصل السعودي رغم تقدم المحققين الأتراك بطلب رسمي لتفتيشها وإفراغها لفحصها بشكل دقيق، وهي البئر التي يٌعتقد أن جثة جمال خاشقجي وضعت فيها.

ورغم إصرار تركيا على الكشف عن كافة الحقائق المرتبطة بتلك الجريمة وأسبابها، فإنها لاتزال تؤكد حرصها الشديد على علاقاتها الدبلوماسية والسياسية التي تربطها مع السعودية، التي تكن لها ولشعبها كل الود والاحترام، مطالبة الجميع بعدم الربط بين إصرارها على كشف ملابسات القضية وعلاقاتها مع المملكة السعودية. 

كتابان عن خاشقجي

 التحركات السياسية والدبلوماسية من جانب تركيا، تزامنت مع صدور كتابين يتحدثان عن تلك الجريمة أحدهما عن الأناضول وكالة الأنباء التركية الرسمية، والذي يرصد تفاصيل تلك الجريمة خطوة بخطوة، والأدلة والمستندات التي بحوزة الأتراك، كما يتحدث عن الصعوبات التي واجهت المحققين أثناء تأدية عملهم والعراقيل التي وضعها في طريقهم الجانب السعودي لإعاقة التحقيقات وإفشالها. والثاني تروي فيه خطيبته خديجة جنكيز عن علاقتها بجمال خاشقجي وطريقة معرفتها به وعلاقته الصداقة التي جمعتهما والتي تطورت إلى علاقة عاطفية كادت أن تتوج برابطة الزواج لولا مقتله على أيدي فريق اغتيال سعودي،  والجانب الإنساني الذى لمسته خلال تلك الفترة في جمال خاشقجي. 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه