تركيا والأونروا وصفقة القرن

قرار الولايات المتحدة الامريكية الخاص بوقف دعمها المالي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين ” الأونروا ” لا يستهدف فقط القضاء على حق العودة للفلسطينيين الذي يعرقل إتمام صفقة القرن التي يروج لها دونالد ترمب الرئيس الامريكي لإنهاء الصراع في الشرق الاوسط ، وإنما يستهدف أيضا النيل من مكانة الحكومة التركية لدى دول وشعوب العالم الإسلامي، ووضعها في موقف حرج كونها تتولى حاليا رئاسة اللجنة الاستشارية للأونروا ، كما أنها رئيس منظمة التعاون الاسلامي، إلى جانب تزعمها لمجموعة الدول الرافضة لبنود صفقة القرن، وتصديها الدائم لأية محاولات تستهدف تمرير تلك الصفقة التى تراها ظالمة ومجحفة في حق الشعب الفلسطينى.

 المواقف والتحركات

إذ رفضت تركيا بصورة مطلقة قرار ترمب باعتبار القدس الشرقية والغربية عاصمة للكيان الصهيوني، كما دانت بشدة مسألة نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس في الذكرى السبعين لقيام دولة إسرائيل على أرض فلسطين المحتلة عام 1948. وسارعت إلى عقد قمة استثنائية لمنظمة التعاون الإسلامي في ديسمبر / كانون الأول الماضي، دعت خلالها الدول الإسلامية ودول العالم الحر إلى الاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، ردًا على قرار نقل السفارة الأمريكية للقدس.

 كما تقدمت للجمعية العامة للأمم المتحدة بالاشتراك مع اليمن بمشروع القرار الذي تم اعتماده وإقراره من جانب المنظمة الدولية، وينص على أن القدس هي إحدى قضايا الوضع النهائي التى يجب حلها عن طريق المفاوضات ووفق قرارات سابقة لمجلس الأمن.

تلك التحركات أثارت غضب الرئيس الأمريكي وأوغرت صدره على القيادة السياسية التركية، ودفعته إلى اتخاذ العديد من القرارات ضد أنقرة، التي اعتبرها عدوا له، بعد أن كانت حليفا استراتيجيا مهما لبلاده على مدى عقود طويلة، حيث أوقف تسليمها صفقة صواريخ ” f35 ”   المعروفة باسم المقاتلة الشبح بحجة إصرار أنقرة على إكمال صفقة شراء منظومة صواريخ الدفاع الروسية” s400 “.

 وإمعانا في الكيد لتركيا، أصدر أوامره لتقديم دعم عسكري ولوجيستي لعناصر حزب العمال الكردستاني والفصائل الكردية المسلحة في شمال سوريا، وعرقل كافة محاولات تركيا التي استهدفت إنهاء ذلك الوضع الذي يهدد أمنها القومي، كما احتضن زعيم جماعة الخدمة فتح الله غولان وعددًا من قيادات جماعته، ورفض تسليمهم لتركيا التى تتهمهم بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة التى تعرضت لها.

 إلى جانب فرضه عقوبات اقتصادية عليها وشنه حربا مستعرة ضد عُملتها المحلية، وسعيه الدائم لإضعافها سياسيا وإقتصاديا، وتحطيمها معنويا، من خلال فتح العديد من الجبهات ضدها في وقت واحد، وإشعال الفتن الداخلية، وتأجيج العداءات الاقليمية، حتى تنشغل بما لديها من أزمات وقضايا، وتتقوقع داخل حدودها كما كانت سابقا، ليتم إخراجها من المعادلة السياسية للشرق الاوسط، حتى تصبح الساحة خالية تماما أمام تحركاته وحليفته تل أبيب لفعل مايرونه مناسبا لهما، ومحققا لمصالحهما من دون رقيب ولا حسيب.

   مواجهة المؤامرات

أنقرة من جانبها فطنت للهدف الذى يسعى الرئيس الأمريكي لتحقيقه، لذا لم تستسلم لتلك الحرب التى أعلنها الرئيس الأمريكي عليها ، ولم ترضخ لمحاولات تكبيل قرارها السياسي، أو إلهائها وإحراجها أمام الشعوب الإسلامية التي نظرت اليها كزعيمة للعالم الإسلامي، إذ فور الإعلان عن قرار وقف المساعدات الأمريكية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين أصدرت الخارجية بيانا حذرت فيه من تداعيات قطع المساعدات الأمريكية المالية عن الأونروا، مؤكدة أن ذلك سيؤثر سلبا على حياة أكثر من 5 ملايين فلسطيني، ومعربة عن قلقها إزاء تصريحات واشنطن بشأن قطع مساعداتها المالية عن اللاجئين وتشكيكها في أعدادهم، وكذا التصريحات الإسرائيلية التى تعتبر الأونروا أساس مشكلة اللاجئين، ووصف البيان تلك التصريحات بأنها “مثيرة للقلق” .

كما أكدت الخارجية في بيانها دعم تركيا المطلق للشعب الفلسطيني على كافة الاصعدة، مؤكدة أنها “ستواصل بقوة بذل كافة الجهود بهدف تقديم الدعم والمساندة للأونروا “. التى وصفتها في البيان بأنها ” أصبحت من الرموز المهمة التي تشير إلى تضامن المجتمع الدولي مع الشعوب المظلومة “.

التحرك دبلوماسيا

وأعادت الخارجية التركية تحذيراتها من أن تلك التوجهات غير المسؤولة ستزيد الأمور تعقيدا بصورة قد تقوض جهود حل الدولتين، الأمر الذي سينعكس سلبا على الاستقرار الإقليمي والسلام العالمي.

وشددت على أن الأونروا التى لعبت تركيا دورا فاعلا فيها منذ تأسيسها، وتتولى حاليا مهام رئيس اللجنة الاستشارية فيها، وفرت ولاتزال توفر الكثير من الخدمات للاجئين الفلسطينيين في مجالات التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية والبُنى التحتية والسكن وتمويل المشاريع الصغيرة وحماية حقوق اللاجئين، وتعد مؤسسة ضرورية لتحسين ظروف حياة الفلسطينيين، والحفاظ على حقوقهم وعلى هويتهم من الاندثار.

وأشارت الخارجية التركية إلى أن اجتماعا سيعقد في مدينة نيويورك الأمريكية في السابع والعشرين من الشهر الجاري لبحث أزمة وكالة الأونروا المالية، وسبل حلها بعد القرار الأمريكي بقطع المساعدات عنها، وشروطها التي فرضتها على الدول الأخرى الداعمة للأونروا كالسعودية والإمارات للسماح لها بالاستمرار في دعم الوكالة، والفترة الزمنية التى منحتها لهم للقيام بذلك، والتى لاتتعدى نهاية العام الحالي.

وأوضح البيان أن الاجتماع الذي سيترأسه كل من تركيا والأردن واليابان والسويد والاتحاد الأوربي سيعقد على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وسيشارك فيه أمين عام الأمم المتحدة والمفوض العام للأونروا.

دعم مطلق  

من جانبة أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان أن بلاده ملتزمة بشكل كبير تجاه الأمم المتحدة ومؤسساتها، ومن ضمنها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين التى تأسست بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1949، وأنها لن تدخر جهدا في سبيل دعم لاجئي فلسطين.

قائلا ” نحن سنقف بقوة مع الأونروا في هذا الوقت الحرج الذي تمر به، وسنعمل على حشد آلياتنا الوطنية من أجل مساندتها ودعمها حتى النهاية، كما أننا سنواصل دعوة المجتمع الدولي، بمن في ذلك الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي لزيادة تمويلهم للأونروا حتى تستطيع الوفاء بالتزاماتها تجاه إخواننا الفلسطينيين”.

وتعهد أردوغان بضمان أن تظل الأونروا قادرة على تقديم خدماتها الحيوية في مجالات التعليم والرعاية الصحية والإغاثة الطارئة سواء داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، أو في الدول التى تستضيف اللاجئين الفلسطينيين على أراضيها.

لم ترضخ تركيا إذا ولم تنسحب من المشهد الإقليمي، كما لم تتخاذل عن الوقوف في وجه قرارات الرئيس الامريكي المجحفة، بل كانت عند حُسن ظن الشعوب الإسلامية التى راهنت عليها، وعلى وقوفها إلى جانب الضعفاء في العالم الاسلامي، رغم الضغوط الشديدة التى تتعرض لها، والمؤامرات التى تحاك ضد نخبتها السياسية بهدف الخلاص منها وإزاحتها عن المشهد السياسي حتى تتمكن القوي الاستعمارية الجديدة من استكمال مخططاتها الرامية إلى تفتيت المنطقة لصالح ضمان أمن الكيان الصهيوني، عبر تصفية القضية الفلسطينية وتفريغها من مضمونها  وتهيئة الساحة الدولية لتنفيذ باقي بنود صفقة القرن، في وقت غابت فيه القيادة الوطنية الفاعلة عن الساحة العربية التى باتت شعوبها ترزح تحت وطأة نخب سياسية إما ديكتاتورية عميلة أو ضعيفة لاحول لها ولاقوة .

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه