ترحيل “الحالمين” من أمريكا، ترمب يُحقق وعده

مقطع الفيديو المذكور قابله تعاطف كبير في المجتمع الأمريكي، واستغلّته منظمات المجتمع المدني لتهييج الرأي العام ضدّ سياسات ترمب الجائرة.

تداولت وسائل التواصل الاجتماعي مؤخرا مقطع فيديو قصير لعائلة أمريكية في مطار ديتروا ، تُودّع أباها على إثر تنفيذ قرار ترحيله إلى بلده الأصلي، المكسيك.

 الأب يُدعى خورخي غارسيا (40 سنة)، كان قد وصل الولايات المتحدة منذ ثلاثين سنة كمهاجر غير شرعي مع والديه ولم يتمكّن من الحصول على إقامة دائمة، رغم أنّه تزوّج من أمريكية وأنجبا طفلين، فبقي واحدا من “الحالمين” (كما يُسميهم الأمريكيون)، الذين يلهثون وراء حُلم الإقامة الدائمة.

حُلمٌ حوّله ترمب إلى سراب منذ حملته الانتخابية للرئاسة ونسفه في سبتمبر/ أيلول2017 بإسقاط العمل ببرنامج DACA الذي كان يحمي أصحاب هذا الحُلم.

    مقطع الفيديو المذكور قابله تعاطف كبير في المجتمع الأمريكي، واستغلّته منظمات المجتمع المدني لتهييج الرأي العام ضدّ سياسات ترمب الجائرة والتنديد بالنهج العنصري الفجّ الذي ما انفك يلتصق باسم بلدهم. إذ احتشدت الكاميرات لتُصوّر بكاء الزوجة وطفلَيها مقابل وُجوم خورخي وتسليمه بالأمر الواقع.

خورخي حالة من الحالات التي تقول الجمعيات الحقوقية أنها تُشارف على أربعة ملايين “حالِم”، لا 800 ألف حسب برنامجDACA .

سياسة أوباما

    وبرنامج DACA هذا هو منظومة إجرائية أرستها حكومة أوباما منذ يونيو/حزيران 2012 لتأجيل ترحيل الوافدين القاصرين غير الشرعيين، بهدف تجنيبهم حالة الخوف المزمنة من الترحيل المحتمل ومنحهم في الأثناء فُرص الحياة الفعلية في المجتمع الأمريكي بحقوق مدنية مؤقتة. من ذلك، الحق في التعليم العمومي (بشروط) والانتفاع بعقود العمل القصيرة والحصول على رخص القيادة وبطاقات التغطية الاجتماعية.

 وبدافع تحفيز هذه الفئة الشبابية على الإضافة النوعية للمجتمع من أجل توفير حظوظ الفوز بالإقامة الدائمة، اشترط البرنامج نقاطا وجب توفرها في الأشخاص المعنيين بهذه الحقوق، من ذلك أن يكون الشخص قد قدِم إلى أمريكا قبل بلوغه السبعة عشرة سنة، وأن يكون عمره لا يتجاوز الـ 31 في 12 يونيو/حزيران 2012 (تاريخ انطلاق تفعيل برنامج DACA). علاوة على أن يكون الشخص حاضرا عند تقديم الطلب ومقيما على التراب الأمريكي بصفة مستمرة منذ يونيو/حزيران2007، وأن يكون مُسجلا بأحد المؤسسات التعليمية الأمريكية أو حاصلا على شهادة منها. مع التأكيد ألّا يكون صاحب أيّ سوابق إجرامية.

  ورغم أن خورخي غارسيا لم يكن من المنتفعين ببرنامج DACA بسبب العمر، لكنه يُمثّل واحدا من الـ 76% من المهاجرين المكسيكيين من مجموع المهاجرين الذين جلبهم آباؤهم إلى أمريكا أطفالا، بطرق غير شرعية وزجّوا بهم في هذه المغامرة.

    يجدر التذكير هنا أنّ برنامج داكا لم يكن لا قانونا ولا حقّا من حقوق المهاجرين، بل كان إجراء تنفيذيا بادر به أوباما في عهده، من ناحية، لمحاولة إدماج فئة كبيرة من المهاجرين الشبان في الدورة الاقتصادية والاجتماعية وتقليص إمكانية عيشهم كعبء أو انحرافهم. ومن ناحية أخرى، غلق باب خوض المغامرة أمام “حالمي” المستقبل، باعتبار اعتماد هذا البرنامج شروطا حاسمة ومُضيّقة على شريحة مُعيّنة من المهاجرين الموجودة بطبعها في أمريكا. وقد تقدمت حكومة أوباما في 2014 بمبادرة قانونية لتوسيع دائرة المنتفعين إلا أن المحكمة الفدرالية رفضتها آنذاك رفضا قاطعا.

الكابوس

    المشكل أنّ ملف الهجرة في أمريكا غالبا ما مثّل كابوسا للسياسيين أكثر منه رصيدا انتخابيا، على الأقل في العشريات الخمسة الأخيرة، لكن من الواضح ان ترمب هو أكثر رئيس أمريكي أساء التصرف في هذا الملف، فقد سبّبت زلّاته وأخطاؤه الفاضحة أزمات دبلوماسية وسياسية واجتماعية حادة. بل يبدو أنّه راهن على بلطجته الفجّة كنقطة قُوة لمزيد استمالة ناخبيه الذين يشبهونه. فالرجل يُفاخر بتحقيرهِ للمهاجرين ويسعى لغلق باب الهجرة غير الشرعية وحتى الشرعية تأكيدا لناخبيه أنّ الولايات المتحدة تحتاج رئيساWASP مثله، وهذه التسمية هي اختصار لمجموعة تعريفات “الأبيض، الأنغلوسكسوني، البروتستانتي” ويُطلقها الأمريكان على الأمريكيين العنصريين. 

    قد يعتقد الكثيرون أن ملف الهجرة يعيش أظلم فتراته مع ترمب، إلّا أنّ الماضي الأمريكي القريب يُفصح عن ظلمات أشدّ. فالولايات المتحدة إجمالا، لم تشتهر بدور البلد الحاضن للمظلومين أو الهاربين من لظى الطغاة والحروب. زِد على ذلك أنّ المهاجرين الحاصلين على تأشيرتها، لا يهنؤون بالاطمئنان على شرعية إقاماتهم هناك في حالات كثيرة مهما مضت السنين باعتبار أن شروط تجديد الإقامات القانونية مُجحفة وحاسمة. ولعلّ أبرز حدث عنصري سجّلته قوانين الهجرة الجائرة هو ما حصل من ترحيل جماعي في 1931، حين هجم البوليس الأمريكي على المهاجرين من ذوي أصل مكسيكي من أحياء وساحات تَعوّدوا التجمع فيها. و”شحنتهم” بالآلاف في قطارات مباشرة إلى المكسيك، بتِعلّة أنهم يحرمون “أصحاب الأرض” من فرص العمل الشحيحة آنذاك.

  

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه