بوتفليقة وفرعنة الاستحمار

 

إنّ الرّوح الفرعونيّة تسري في أجساد الطّغاة وما تفتأ تفاجئنا بكلّ جديد مع كلّ طاغيةٍ رعديد.

وروح فرعون تنتفض الأن في الجسد الملقى على الكرسيّ ينظر إلى الشّعب الهادر في شوارع الجزائر تدورُ عيناهُ كالذي يغشى عليه من الموت.

في الجزائر اليوم نوعُ جديدٌ من الفرعنة يقدّمه بوتفليقة هي “فرعنة الاستحمار”؛ هذه الفرعنة تلبسُ ثوب الطّغيان الذي يبالغ في ازدراء وإهانة عقول الجماهير، وإشعارهم بالمهانة التي لا يمكن لعاقلٍ أن يمرّ دون أن ينفجرَ غضبًا أو يموت كمدًا.

كانت بداية الاستحمار عندما قررّت الجثّة المحنّطة على الكرسيّ المتحرّك خوض “الانتخابات” الرّئاسيّة!

أيّ استحمارٍ أكبرَ من أن تقولَ جثّةٌ للشّعب الذي قدّم ستّة ملايين شهيد في مواجهة الاستعمار الفرنسيّ: سأحكمكم؟!!

وأيّ استحمارٍ أعظم من أن يقالَ للشّعب الذي يتفجّرُ حياةً وقوّةً وحيويّةً وطاقة ستحكمكم جثّةٌ لا تقوى على غسيل وجهها صباحًا؟!!

وأيّ ازدراءٍ للإنسانِ يُقدِمُ عليه فرعون المرميّ على كرسيّه جسدًا بلا حراك حين يظنّ أنَّ استحماره لشعبٍ عظيمٍ سيمرّ بصمتٍ دونَ أي ردّ فعل؟!!

ثمّ يبلغ الاستحمار الفرعونيّ للشّعب ذروته حين يعلنُ بوتفليقة أنّه سيحكم سنةً واحدة بعدها يتمّ الإعلان عن انتخاباتٍ مبكّرةٍ لا يشاركُ فيها!!!

هذه الطّبقة التي تقرّر عن فرعون المنتهية صلاحيته في الجزائر بالله عليكم من أين تفكّر؟!!

إنّ الاستحمار الفرعونيّ بهذا السلوك يصبّ الزّيت على النّار المشتعلةِ ويجعل الجماهير الهادرة تزيدُ من تشبّثها بالشّارع وتعمّق مطالبها وترفع سقفها وتمضي في طريقها بلا التفاتٍ إلى الوراء.

بوتفليقة .. أو نحرق البلد!!

تقوم الرّوح الفرعونيّة على تأليه الحاكم الذي يستحقّ بل يجبُ أن يضحَّى بكلّ شيءٍ في سبيله؛ بالوطن وبالشّعب وبالتّاريخ والمستقبل.

ففي سوريّة رفع نظام بشّار الأسد شعار “الأسد أو نحرق البلد” في رسالة واضحةٍ بأنّ الشّعبَ بين خيارين؛ إمّا بقاء فرعون رئيسًا أو يتم حرق البلد بمن فيها.

وفي مصر أعلن السيسي في أكثر من موطن بصراحةٍ لا لبس فيها “يا أحكمكم يا أقتلكم”، في تخييرٍ صريحٍ بين الخضوع لفرعون أو الموت قتلًا.

وكانَ ما أعلنه الفراعنة فعلًا؛ فاحترقت سورية بشكلٍ لم يكن يتخيّله أحدٌ في أبشع الكوابيس قسوةً وفظاعة، ليستقرّ فرعونها على عرشها الملطّخ بالدّماء مهينًا ذليلًا تتلاعبُ به روسيا من جهة وإيران من جهةٍ أخرى.

وها هو فرعون مصر يحكمُ أرض الكنانة بالقتل والإعدام تنفيذًا لوعيده ليستقرّ على عرشه مرتعدةً فرائصه لا تخطئ العين نظرات الرّعب التي يوزّعها يمنةً ويسرةً كلّما أرغى وأزبد بغبائه المعهود.

وفي الجزائرِ اليومَ يتصدّر هامان ليحذّر الجماهير التي انتفضت في وجه الاستحمار الفرعونيّ بمصيرٍ لا يختلف عن مصير سورية!.

ويقول هذا الهامان الذي يتولّى منصب رئيس وزراء بوتفليقة: “المواطنون قدّموا الورود إلى أفراد الشّرطة وهذا أمرٌ جيّد، ولكنّني اتذكّرُ أنَّ الأمر بدأ في سوريا على هذا النّحو بتقديم الورود”

هذا هو الاستحمار الفرعونيّ في إحدى حلقاته التي لا تنتهي، فهو يعدّ الذين يقدّمون الورود لرجال الشّرطة السبب في الحريق وليس الذين أطلقوا النّار إلى صدور من حملوا هذه الورود واقتلعوا حناجرهم واقتلعوا أظافرهم!!

إنَّ ما يفعله فريق بوتفليقة من الإصرار على انتخاب جثّةٍ هامدةٍ لحكم بلدٍ يضجّ بالحياة لا يعني سوى أنّ هذا الفريق مصمّمٌ على المضيّ في طريق الفرعنة ولو أحرق في سبيل ذلك كلّ شيء!

هل يقلب الجزائريّون الصّورة؟!

وإنّ ثباتَ هذه الجماهير الهادرة على مطلبها في إسقاط “العهدة الخامسة”، وثباتها على هذه الدرجة العالية من الوعي والانضباط والسلميّة.

وكذلك ثباتها على الحراك السّلميّ وعدم انجرارها إلى ما يحقّق مبتغى الفراعنة في الانزلاق إلى مواجهاتٍ مسلّحة.

واتّساع رقعة الحراك وديمومته ووضوح الخطاب ورشد التّحرّك والحذر من انتهازيّة المتسلّقين والتّيقّظ لتسرّب أتباع فرعون إلى صفوف الجماهير لحرف بوصلتها

 كلّ ذلك كفيلٌ بأن يقلب الشّعب الجزائريّ الهادر الطّاولة على فرعون الذي ما فتئ يستحمرُ الجماهير بلا رادعٍ هو وحاشيته.

وقلبُ الطّاولة لا يعني أن تسقط “العهدة الخامسة” وحسب، بل يعني سقوط منهج الاستحمار الفرعونيّ في الجزائر حيث سيخضع الحاكم القادمُ أيًّا كان للتّعامل مع هذا الشّعب على مبدأ “فهمتكم” التي سيقولُها قبل أن يفكّر بازدراء عقول الجماهير التي سيزيدُها انتصارُ إرادتها تيقّظًا وحيويّةً وقوّة.

كما أنَّ الشّعب الجزائري حين يسقط “العهدة الخامسة” فإنّه سيقلب الطّاولة على الفراعنة الذين حسبوا أنَّ الأمر قد استقرّ لهم لا سيما في مصر وسورية.

ستنقلب الطّاولة فبدل أن يكون ما هدّد به رئيس وزراء بوتفليقة من تحويل الجزائر لسورية؛ سيكون قلب الطّاولة بقناعة الشّعوب المقهورة بإمكان تحوّلها وأوطانَها إلى حال الجزائر التي تحرّكت فأثمرت وقالت ففعلت.

وعندها سيوقن الجميع أنّ مصر تستطيع وسورية تستطيع مهما حاول الفراعنة إقناعها بالعجز المهين وإخضاعها للبطش الوبيء.

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه