بعد ٤٠ عاما: رصاصات “عمر” في قلب المعاهدة

حياد مصر هو بمثابة نزع قلب الأمة من جسدها وهو ما تحقق نتيجة مغامرة لرجل عشق المغامرات التي قد تؤدي إلى كوارث.

أربعون عاما مضت منذ غُرِس سكين حاد في قلب وجسد الأمة ومنذ تلك اللحظة التي وقع فيها أنور السادات اتفاقيته مع الكيان الصهيوني في رعاية الولايات المتحدة الأمريكية في ١٩ مارس/آذا ١٩٧٩ والجسد العربي ينزف، يتمزق، ويتحول من أمة مترابطة الدول والشعوب إلى دول متفرقة، ثم أقاليم متفرقة حتى صار الحلم الآن ألا تتقاتل شوارع المدينة الواحدة!

السادات …خروج من أزمة داخلية وقرار فردي

اختار النظام المصري بعد الانتصار في معركة أكتوبر (رمضان) تحولا في  حياته الاقتصادية واعتمد سياسة الانفتاح الاقتصادي،  وهو التحول الذي بدأ عشية ١٤ مايو ١٩٧٤ ..

وبدأ السادات ونظامه في  بث تطلعات اقتصادية للشعب المصري قيل إنه سيجنيها بعد سنوات قليلة، نتاج هذا التحول ومرت السنوات وفي يناير ١٩٧٧ ثار الشعب المصري على  السياسات الاقتصادية القائمة، وشعر الرئيس  بأزمة كبيرة تهدد شرعيته فقد كان يشعر أنه قائد النصر الذى يجب على الجميع أن يعترف له بعبقريته ويدين له بالفضل ..
فكانت غضبة الشعب في ١٨و١٩ يناير 1977 هزة كبيرة  للسادات، والذي كان يجيد الخروج من أزماته إلى آفاق أخرى لا يشعر فيها بالهزيمة أو الانكسار؛  فكان أن أعلن منفردا عن أمته العربية زيارة القدس المحتلة، وبدأ مباحثات سلام مع الكيان الصهيوني ..
هكذا في لحظة واحدة عابره منكسرة  غير قواعد لعبته ودخل مجالا جديدا يشعر معه بالتفرد والتميز الذي يفتخر به مهما كانت نتائجه!

تصرف فردي واعتراف طال انتظاره من الصهاينة

لم يشاور السادات شركاء النصر ولا شركاء الأمة في قراره، فالأمة التي توحدت كاملة من خليجها إلى محيطها أثناء الحرب وقدمت من المال والسلاح والرجال الكثير، فُوجئت بقرار مصري بالاعتراف بالكيان الصهيوني، والدعوة إلى التصالح معه بلا مشورة وحتى حينما ذهب السادات إلى الرئيس السوري حافظ الأسد ليتشاور معه بعد الإعلان عن زيارة القدس في نوفمبر ٧٧ كان السادات يردد أنه اتخذ القرار ومن يريد المشاركة معي فليأتي ليشارك!

ولعل فكرة أن الفلسطينيين لهم مكان في فندق مينا هاوس أثناء المباحثات، وهي الكلمة التي ترددت كثيرا عبر مشوار طويل من الانكسارات العربية طوال الأربعين سنة الماضية، كان الهدف منها الادعاء أن من تخلى هم الفلسطينيون، ولكن الحقيقة أن الذي تخلى هو النظام المصري، وكان قرار السادات بالاعتراف والصلح منفردا مع العدو هو أول مسمار في نعش الوطن العربي.

الكيان الصهيوني يحقق أسمى أمانيه

كان توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين النظام في مصر والكيان الصهيوني هو أهم أهداف إسرائيل بعد هزيمتها المذلة في أكتوبر ١٩٧٣.
وجاءت ها الفرصة على طبق من ذهب ومع الخلاف الذي حدث بين القادة العرب حول الخطوة المنفردة حقق الكيان الصهيوني أول أهدافه في شق الأمة، وكان من نتيجة ذلك أن خرج الجيش الأكبر عربيا من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي، ثم كان التغول في مصر بدءا من سفارة على النيل ومقرات في أحياء ومدن أخرى، وهي مكاسب لا تقدر بالنسبة للكيان الصهيوني.

إن حياد مصر هو بمثابة نزع قلب الأمة من جسدها وهو ما تحقق نتيجة مغامرة لرجل عشق المغامرات التي قد تؤدي إلى كوارث لا يزال شعبنا العربي يعاني منها من المحيط إلى الخليج

 ومنذ توقيع الاتفاقية في ٧٩  وحتي الآن والدم العربي والفلسطيني ينزف في كل الانحاء من لبنان ٨٢  إلى تونس، ثم صبرا وشاتيلا، ومن حرب العراق وإيران إلى حرب الخليج الأولى ثم سقوط بغداد.. 
وصارت العراق أقاليم، وبعدها تتمزق سوريا، ثم  تنقسم فلسطين بين القطاع والضفة: من في صف التصالح والقبول، ومن في صف المقاومة والتمسك بوحدة التراب الفلسطيني.
ونحن على أعتاب العقد الخمسيني للمعاهدة يتجول الصهاينة بكل أريحية في قلب القاهرة، ونتابع أخبارا متناثرة نحاول تجميعها بشأن صفقة القرن تحت ادعاء حل القضية، وتميل أطراف عربية كثيرة إلى توفير أمان للعدو الصهيوني، وميل غير طبيعي للدفاع عنه بينما هؤلاء لا يخجلون حينما يرفعون أصواتهم منددين بالمقاومة وعملياتها البطولية في الأرض المحتلة.

العملية العظيمة

تأتي  مناسبة مرور أربعين عاما على أول تفريط عربي بالاعتراف الرسمي للنظام في  مصر بالكيان الصهيوني متواكبة مع هذه العملية العظيمة التي قام بها الشاب الفلسطيني الشهيد عمر أبو ليلى والتي أثبت فيها أن سلاح الحق قوى مهما بلغ سلام الباطل والاغتصاب ..
فسكين صغير صار سلاحا، والسلاح صار بالتخطيط حركة، والحركة تجولت في أرضها لتقول للمغتصب: لن تكون لك أرض في  وطني، وفلسطين وحدة واحدة ..  ومهما كانت الأحوال الآن سواء انقسام أو اختلاف أو بعد فنحن جيل آخر يحلم بوطن محرر كاملا رغم أنف من ذهبوا للصلح منذ أربعين عاما ومن ذهبوا  من بعد ذلك ومن يقدم لكم خدماته الآن.

فحتما وصدقا كما قال فؤاد حداد:

غير الدم محدش صادق

من أيام الوطن اللاجئ

لأيام الوطن المنصور

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه