برشلونة تفتح أبوابها للسوريين

هذا اللّقاء الذي عُقد مساء الجمعة، والذي التحمت فيه هذه الشّخصيات السياسيّة بجانب من ناخبيها، يُعتبر خطوة فعليّة في تجسيد ما وعدت به من تفاعل إيجابي مع القضايا الإنسانية.

عبير الفقيه*
 يبدو أنّ احتداد وتيرة التّخريب و التقتيل في سوريا و هروب السّوريين من الموت نحو أيّ أمل  في الحياة، قد ترجم مواقف سياسيّة لم ننتظرها.

فقد دغدغ دعم أنجيلا ميركل المستشارة الألمانية مثلا  قلوب ضحايا الأزمة السورية  والمتعاطفين معهم من العرب و الغربيين و الحقوقيين إجمالا. 

تلاها تصريح رئيس وزراء فنلندا يوها سيبيلا بعرْضِ بيته لاحتضان بعض اللّاجئين السوريين في استمالةٍ لقلوب الفنلنديّين للنّهج على منواله. ناهيك عن تعزيز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان  لموقف حكومته في مواصلة دعم ضحايا الأزمة السّورية المتواجدين على التراب التّركي.

 وتناغما مع هذه  المواقف (و بعيدا عن موقف المجرّ و بعض الدّول العربيّة) جاء التّعزيز مساء الجمعة 4 آب/ سبتمبر من إسبانيا و تحديدا برشلونة في لقاء رسمي جمع رئيسة بلديّة المدينة آدا كولاو بثمانية رؤساء بلديّات مُدُن أخرى، استجابَت لمبادرة  “مدن اللّجوء”، و هي مبادرة تترجم الموقف الإنساني للوقوف إلى جانب السّوريين الباحثين عن حياة، وفتح أبواب بيوت المواطنين الإسبان لهم.

 و للتذكير فإنّ رؤساء البلديات  الثّمانية: برشلونة، مدريد، بادالونا، ثاراغوثا، آ كورونيا، سانتياغو دي كومبوستيلا، إيرونيا، كاديث. يمثّلون نهجاً جديداً في المشهد السياسي الإسباني، إذ مثّل فوز الأحزاب التي ينتمون إليها في الانتخابات البلديّة الماضية في شهر مايو/ آذار في عدة مدن، وخصوصا في العاصمة مدريد و برشلونة، زلزالا سياسيّا على المنافسين العريقين (الحزب الشعبي والحزب الاجتماعي الاشتراكي) اللّذين استأثرا بحصيلة الانتخابات بدءا من البلديات ووصولا إلى الحكومة و الرّئاسة على مدى ثلاثة عقود  متتالية.

وباعتبار انتماء قائمة الأحزاب الفائزة إيديولوجيّا لحزب ” بوديموس” الذي يعتبر الثّمرة السياسيّة لحراك 15 مايو 2011 (الحراك الشبابي المتأثّر بثورات الرّبيع العربي) فقد سُمّيت بأحزاب الغضب، لأن برامجها الانتخابية جاءت ساخطة على سياسات الحزبين المتواترين على السلطة سابقا.

 هذا اللّقاء الذي عُقد مساء الجمعة، والذي التحمت فيه هذه الشّخصيات السياسيّة بجانب من ناخبيها ، يُعتبر خطوة فعليّة في تجسيد ما وعدت به من تفاعل إيجابي مع القضايا الإنسانية، وعلى رأسها الإعلان رسميّا عن طاقة احتواء كل بلديّة من الحاضرين لعدد من اللّاجئين السّوريّين من جهة (حسب ما يسمح به نصيب إسبانيا من الهِبة التي يضعها الاتحاد الأوربي لدعم ضحايا الأزمة السّوريّة)، وإعطاء تأشيرة القبول للمبادرات التي تقدّمت بها الهيئات الحقوقية، والجمعيات والعائلات في رغبتهم في إيواء البعض، وتقديم ما أمكن من  الخدمات المُستحقّة. 

وعلى عكس الموقف السياسي الذي توصّلت له الحكومة الإسبانيّة الأسبوع الماضي في تخفيض العدد الذي  خصّه بها الاتحاد الأوربي من وجوب احتضان 5849 لاجئا إلى 2749، جاء هذا ” اللّقاء الحيوي”  كما وصفته بعض الصّحف، إنسانيّا بامتياز، و تعبيرا واضحا عن مدى المجازفة التي تلعبها هذه الشّخصيات المكتسحة حديثا لحلبة القرار السّياسي.
و جدير بالذّكر انّ اعتبارها مجازفة يعود لسببن، أوّلها انّ الانتخابات البرلمانية و الرّئاسية على الأبواب ( ديسمبر/ كانون الأوّل)، وهذه الخُطوة الحماسيّة لموضوع اللّجوء، والبلد يعاني من أزمة اقتصاديّة لا يضمن استقطاب أصواتٍ انتخابية إضافية. و ثانيها انّ المجتمع الإسباني كغيره من المجتمعات الأوربية لا يجتمع جميع مواطنيه على الجانب الإنساني، وخصوصا نُصرة الآخر، والوقوف إلى جانبه مالم يكُن قبوله في النّسيج الاجتماعي سيُجدي نفعا مادّيّا سريعا، وهم الذين ضاقوا ذرعا بالهجرة غير الشّرعية للعرب، والأفارقة  من  الحدود الجنوبية مع المغرب. 

وفي الحقيقة يحضُرني مثال الجهد الإعلامي الذي قامت به هيئات تطوّعيّة ألمانية بدعم من حملة أنجيلا ميركل. إذ انتشرت فقرات إعلامية على شاشات القنوات التلفزيونية، ومواقع التواصل الاجتماعي تُذكّر بمساهمة المهاجرين، وعلى رأسهم المهاجر السّوري بتعزيز المشهد العلمي الألماني، وتميّزهم الفكري وثفوّقهم في الجامعات، من ذلك أنّ هناك 18 ألف طبيب سوري في ألمانيا. وهي أمثلة مهمّة قادرة على امتصاص غضب قطاع كبير من المجتمع رافض لاستقبال مزيد من المهاجرين.
     و أُسْوةً بالتفاعل الإيجابي الألماني مع حملة الإيواء، مضَتْ أحزاب الغضب في إسبانيا قُدُمًا بزعامة آدا كولاو بدون ضمانات، لا إرث سياسي ولا مصادر دعم مادّيّ من رجال أعمال عُرفوا بسخائهم في المشاريع السّياسيّة الكبرى. هي فقط مبادرات إنسانيّة بعيدة جدا عن القرارات السيّاسية الرّسمية التي تتمخّض عن مداولات برلمانية مازالت هذه الأحزاب اليافعة لا تملك فيها شيئا. و قد عبّرت عنها رئيسة بلديّة برشلونة كولاو صراحة يوم الجمعة الماضي فقالت ” الحلّ لهذه الأزمة، بين يدي الحكومات، لكن اذا واصلوا تخفّيهم، نحن كمواطنين سنخطو خطوة الى الأمام” .
و أردفت بين موجات التّصفيق الحارّ من طرف الحضور ” يا للخجل، يا للخجل” في إشارة لسياسات الحزب الشعبي الحاكم طبعا الدّاعم خفية لبشّار و جهراً للموقف الأمريكي المتلوّن.
ورغم أنّ هذا الحماس و التّعاطف الذي قاد  آدا كولاو وبقيّة رؤساء البلديّات الحاضرين؛ وخصوصا رئيسة بلديّة مدريد مانويلا كارمينا، التي تستأثر بالجانب الأوفر من النّقد باعتبارها تتواجد في معقل الحزب الشعبي (المهيمن على العاصمة الإسبانية لأكثر من عقدين)  أسال حبرا كثيرا و بحث في أرشيف مواقف هؤلاء من الهجرة غير الشرعية  على أساس أنها مواقف نفوس حالمة لاتمتّ للواقع المحلّي الصّعب بصلةٍ.  إلّا  أنّه أحْرج الأطراف السياسيّة الفاعلة، والحكومة أساسا بالتّركيز على أنّ هذه الخطوات لا يمكن اعتبارها فضْلا ولا هبةً، بل واجبٌ ومسؤوليّة أخلاقيّة تجاه مايجري، مُذكّرين في كلّ مناسبة بمواقف الدّول التي وقفت الى جانب إسبانيا  باستقبال مواطنيها الهاربين من نيران الحرب الأهليّة في الثلاثينات.

__________________________

*كاتبة تونسية تقيم في برشلونة 

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه