انهيار أسعار النفط.. كيف حدث؟ وماذا يعني؟!

وقد تجبر الأزمة الاقتصادية الآتية إلى المنطقة العربية، الفصائل المتناحرة عسكريًا، وكذلك الحروب البينية في المنطقة، على التوجه نحو الحلول السياسية، بسبب نضوب الموارد النفطية

 

في مشهد صادم لكثير من المتابعين لأداء الاقتصاد العالمي، في ظل أزمة كورونا، تصلبوا أمام انهيار أسعار خام النفط الأمريكي، حيث وصل مساء الاثنين 20 أبريل 2020، إلى سالب 37 دولار، أي إن البائعين مطالبون بدفع نقود مقابل أن يستلم نفطهم المشترون، فكيف حدث هذا؟

بداية هناك أنواع متعددة من النفط في السوق العالمي، منها خام برنت القياسي، وهذا أفضل أنواع النفط، وكان سعره اليوم 20 أبريل نيسان 2020، أقل من 23 دولار للبرميل، والخام الثاني هو الخام الامريكي –غرب تكساس- الذي فجر الأزمة، بانهيار أسعاره بصورة سالبة، كما أشرنا أي أن أسعاره أقل من الصفر.

والنوع الثالث، وهو خام سلة أوبك، وهو خليط بين كثافات بترولية مختلفة، نظرًا إلى أن أوبك تضم أكثر من دولة، وتختلف الأنواع المنتجة بها، ولذلك يتم تحديد أسعار أوبك بناء على متوسط أسعار سلة منتجات المنظمة، وكان سعره اليوم الاثنين 20 أبريل نيسان 2020،  أيضًا أقل من 17 دولار للبرميل.

كيف انخفض الخام الأمريكي

على ما يبدو، أن دروس الماضي لا تستوعب، فالسبب الرئيسي في أزمة الكساد العالمي 1929، كان بسبب قانون اقتصادي خاطئ، مضمونه أن العرض يخلق الطلب، وتم العدول عنه منذ تلك الأزمة، وأصبح المسلم به في عالم الاقتصاد اكاديميًا وعمليًا، أن الطلب هو من يخلق العرض.

ولكن شركات إنتاج النفط في أمريكا، استمرت في انتاج النفط، في ظل ظروف تراجع الطلب في الاقتصاد العالمي بشكل عام، وفي الاقتصاد الأمريكي بشكل خاص، دون اعتبار لما يمر به الاقتصاد من تداعيات سلبية، تشير إلى حالة من الركود، وفي القريب سيدخل الاقتصاد العالمي في مرحلة كساد، ما لم يتم التوصل لمخرج من أزمة كورونا.

ولعل الدافع للسلوك الخاطئ لشركات النفط الأمريكية، يرجع إلى تصورهم أن حزمة التحفيز التي طرحها ترامب، بنحو 2.2 تريليون دولار، قادرة على تحريك النشاط الاقتصادي بأمريكا، أو أن دعوة ترامب إلى فتح الاقتصاد الأمريكي، سوف تدخل حيز التنفيذ قريبًا، وبالتالي يمكن استيعاب ما ينتجونه من نفط، وهو ما لم يحدث.

وهذا يجعلنا، نتوقع أن الاقتصاد الأمريكي الذي يمثل نحو 25% من الاقتصاد العالمي، بصدد الدخول في مرحلة أعمق من الركود، وقد تصل إلى الكساد، وهو ماستكون له عواقب وخيمة، على أمريكا ومستقبل الاقتصاد العالمي.

عجز منصات التخزين

منصات التخزين في السوق نوعان، النوع الأول منصات التخزين الاستراتيجي وهي مملوكة للدول، وهي تعاني من تخمة، وتحاول الدول الكبرى، وذات الاستهلاك المرتفع من النفط، أن تستوعب بعض الكميات ولكن بعد يونيو 2020حزيران، والنوع الثاني من منصات التخزين، هي المملوك للقطاع الخاص.

ومنصلت التخزين لللقطاع الخاص، وجدت نفسها أمام كميات تفوق قدرتها، وهي ملتزمة باستلام كميات متفق عليها، بناء على الصفقات التي تم التعاقد عليها، عقب انهيار الأسعار، بسبب حرب أسعار النفط بين السعودية وروسيا، وساعد على تفاقم أزمة التخزين، أن اتفاق “أوبك +” الذي تم إقراره  بضغط من الرئيس الأمريكي ترامب، سوف يُفعل في مايو  آيار ، ويونيو حزيران  2020، إن كُتب له النجاح.

وبالتالي أصبحت أي كميات يعرضها المنتجون في السوق، تحتاج إلى تخزين، بسبب عدم وجود طلب مناسب، وبالتالي أصبح المشترون الذين يمتلكون منصات التخزين، في موقف قوي، يسمح لهم أن يفرضوا ما يشاءون من أسعار، حتى ولو كانت، أن يتحمل البائعون دفع أموال نظير ذلك، أو يلقون به على الأرض أو البحر، بديلا لعدم تحمل التكلفة، ولكن هذا الخيار له تبعاته التي تعمل على تلوث البيئة.

التداعيات على السوق العالمي

سوف تشهد أسواق المال في أمريكا والأسواق الكبرى في دول العالم، المزيد من الانهيارات، بسبب ما آلت إليه أسعار الخام الأمريكي، وباقي أنواع الخام الأخرى، من تراجع ملحوظ. كما ستُلقي بظلالها السلبية على البنوك، التي قدمت قروضها للشركات العاملة في المجالات المختلفة في التعامل على النفط، استكشافًا وإنتاجًا ونقلًا، وتجارة، وهو ما يعني الدخول في دوامة جديدة من الأزمة المالية، كسبب للتداعيات الاقتصادية السلبية لأزمة كورونا.

ولن يتوقف تراجع أسعار النفط في السوق الدولية، خلال الأيام المقبلة، بسبب حالة الهلع التي أحدثتها، أسعار خام النفط الامريكي، ما لم تتخذ الحكومات، قرارات مؤلمة، تتعلق بإلزام شركات النفط عن وقف الإنتاج فورًا، فلم يعد مبرر الإنتاج بغرض الحفاظ على حصص الإنتاج مقبولًا في ظل هذه الخسائر الهائلة، التي لا يُعرف لها سقفًا، بسبب الضبابية التي تحيط بمستقبل الطلب الهش داخل الاقتصاد العالمي.

ويُنتظر أن يشهد السوق الأمريكي وغيره من الأسواق الدولية، حالات إفلاس كبيرة داخل الشركات العاملة في مجال النفط، وهو أمر سيتسبب حسب حجمه، في الدخول في دوامة جديدة لتكرار الأزمة المالية العالمية لعام 2008، ولكن بحجم أكبر هذه المرة.

لأن إفلاس شركات النفط بشكل كبير من شأنه، أن يؤدي إلى انهيار بنوك، وشركات تأمين، وليس بمستبعد أن تتدخل البنوك المركزية، أو الحكومات لتأميم شركات النفط، كما حدث مع مؤسسات أخرى في أزمة عام 2008.

التداعيات على الدول العربية

تعيش دول العربية بشكل عام، والدول العربية المنتجة للنفط بشكل خاص، سلسلة من المشكلات، منذ أزمة انهيار أسعار النفط في يوليو 2014، ومرورًا بحرب أسعار النفط في مارس آذار  2020، وانتهاء بالسيناريوهات المفتوحة بشكل سلبي لأزمة كورونا.

وإذا ما تناولنا الدول المنتجة للنفط، وهي دول الخليج الست، والعراق وليبيا والجزائر، فسنجد أننا أمام شواهد فعلية منذ ما يقرب من 6 سنوات، وميزانيات هذه الدول تعيش حالة من العجز، وكذلك اتجاه المديونية العامة للارتفاع، واتخاذها بلا استثناء إجراءات اقتصادية تقشفية، اتسمت بتخلي هذه الدول عن نموذج دولة الرفاه، وبدأت في تحميل المواطنين بها بأسعار العديد من السلع والخدمات التي كانت تدعمها من قبل.

وفي ضوء الأرقام والتقديرات المنشورة، فقد تأثرت اقتصادات الخليج بخسائر نتيجة تراجع أسعار النفط خلال الفترة من 2015 – 2018 بنحو 300 مليار دولار، وهناك تقديرات أخرى تخص الخسائر المتوقع بصناديق الثروة السيادية لدول الخليج في ظل أزمة كورونا، بنحو 300 مليار دولار.

ولم تكن كل من ليبيا والعراق والجزائر بأحسن حال من دول الخليج، وبخاصة أن كلا من ليبيا والعراق يخوض حربا أهلية. وقد تعرضت الاحتياطيات من النقد الأجنبي في كل الدول العربية النفطية لمزيد من التراجع، وهو ما جعل صندوق النقد الدولي يتوقع مطلع عام 2020، أن تفقد صناديق الثروة السيادية الخليجية أرصدتها خلال 15 عامًا، ما لم تتجه بشكل جدي إلى التنوع الاقتصادي بعيدًا عن النفط، ولا نحسب أن الأوضاع الاقتصادية الحالية لدول الخليج في الأجل المتوسط (من 3 – 5 سنوات) تسمح لها بذلك، ولكن لعل قسوة الأوضاع الاقتصادية الآتية على المنطقة، تجعل الدول النفطية العربية بشكل عام، ودول الخليج بشكل خاص، تسارع بسياسة التنويع الاقتصادي.

قد يكون التنبؤ بتوقف المزيد من الاستثمارات العامة في دول الخليج، وباقي الدول النفطية العربية، لا يحتاج إلى دليل، وبخاصة، بعد اتخاذ السعودية، عبر قرار وزير ماليتها في مارس آذار 2020، بتخفيض حجم انفاقها لعام 2020 بنحو 13.6 مليار دولار، ووعده بمراجعة الانفاق مرات أخرى حسبما تقتضي الظروف.

وقد تجبر الأزمة الاقتصادية الآتية إلى المنطقة العربية، الفصائل المتناحرة عسكريًا، وكذلك الحروب البينية في المنطقة، بالتوجه نحو الحلول السياسية، بسبب نضوب الموارد النفطية، ولعل ما تم من خلال قرار وقف إطلاق النار من قبل السعودية والإمارات في اليمن منذ أيام قليلة خير دليل على ما نتنبأ به.

أما الدول العربية غير النفطية، فسيكون لديها فرصة لالتقاط الأنفاس في تدبير ميزانيات للحصول على الطاقة بشكل لا يمثل عبئا على موازناتها، ولكن للأسف، لا تمتلك هذه الدول، التمويل اللازم الذي يسمح لها بتكوين مخزونات استراتيجية، حيث تعتمد على القروض، أو الشراء عبر تسهيلات ائتمانية في تدبير احتياجاتها من النفط، كما أنها لا تمتلك البنية الأساسية اللازمة، التي تمكنها من وجود منصات لتخزين النفط لفترة طويلة.

ولكن من حق المواطن والمستثمر في الدول النفطية غير العربية، أن يحصل على النفط، وفق الأسعار الدولية، وبخاصة في الدول التي اتجهت لتبني أجندة البنك والصندوق الدوليين، برفع الدعم عن أسعار الوقود.. ولكذلك من حق المواطن تخفيض أسعار الكهرباء والنقل العام، بنسب تعادل الانخفاض الحادث في سوق النفط الدولية.

تدخل واجب

لم يعد مقبولًا، التسليم بآليات العرض والطلب، وإطلاق يد القطاع الخاص، في ظل هذه الأزمة، فالحلول أيًا كانت، كما يعلمنا التاريخ في الجانب الاقتصادي، تتحملها الحكومات، وبالتالي لابد من وقف إنتاج النفط، وفق حسابات تحمل أقل الخسارتين، وهما خسارة الاستمرار في الإنتاج، وخسارة توقف الإنتاج.

فالأمر لم يعد متعلقًا فقط باقتصاديات النفط، ولكن هناك تداعيات سلبية على باقي القطاعات، وسوف تكون معالجات الحكومات لقطاع النفط، مقدمة، للتغيير المرتقب في الاقتصاد العالمي، في مرحلة ما بعد كورونا، حيث ستعود الدول لإدارة الاقتصاديات، بشكل كبير، وسيكون دول القطاع الخاص، مدار بشكل يقلل من الوقوع في الأزمة الكبرى.

ولعلنا مع موعد لتراجع العولمة، وأنها ليست حتمية، وأن كثيرًا من مؤسساتها، ومبادئها الاقتصادية والاجتماعية في تراجع، ولكن تبقي التكنولوجيا وثورة المعلومات والاتصالات، تفرض علينا مزيد من التفكير حول مستقبلها، في ظل ترجيح، عودة الحكومات لقيادة الاقتصاديات، فثورة الاتصالات والمعلومات هي إبنة العولمة، وثمرتها البارزة، فكيف ستحيا؟ الله أعلم.  

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه