انتخبوا “الشخص الاجتماعي”

أخيرا فإن السيسي الذي يهدم الإنسان ويحط من قدر ومكانة مصر، لن يبنيها.. الباني هو الشعب.

(1)

فُتِحَ المَزَادْ

ألا أونا

ألا دو

ألا ثري

أبو زيد يسيطر ولا وجود لهريدي في السوق، لذلك تبدو “صفقة القرن” مضمونة لذئاب المزادات، لا خوف من العمالة والخيانة وتسمية الأشياء بغير حقيقتها، لأن فرق “الطبلخانة” تمارس ضجيجها بأعلى مستوى لتجرف العوام في زفة المواكب الكاذبة، حتى أن المتنازل المُفَرِّط صار في أعين العبيد هو الحامي الأمين.. صار الفاشل بينهم في مقدمة طابور الناجحين، وصاروا يتوسلون إلى الهادم المُخَرِّب: أرجوك ونتذلل إليك “اقبل بترشيحنا لك فترة ثانية “علشان تبنيها”!

(2)

هذه الصورة البائسة تدفعني للتوقف لحظة عن نقد السلطة الغشيمة وبطانتها “البهيمة”، وتدعوني للسؤال عن مقدرة الرافضين على التصدي لهذا العته السياسي والإعلامي الذي يدوس في طريقه كل منطق، وكل أمل قريب في الخلاص من هذه المصيبة التي حطت على مصر وعلى المنطقة كلها: إذا كان السيسي يتجه إلى فترة رئاسية ثانية عبر انتخابات يتم تصنيعها على المقاس لرجل واحد، فما هو العمل؟

هل نترك لها الساحة يفبرك فيها، ويسيطر عليها: يصول ويجول، يحذف ويضيف، يقص ويرص، يفرط ويبيع ويهدي ويقايض، بينما نرضى نحن بالحجب والقهر، والنفي والفقر؟   

(3)

المحزن أن الإجابات التي تقدمها معارضة السيسي لا ترقى إلى مستوى الأمل الذي يتطلع إليه شعب الثورة، فالحاكم الذي هبط على صدر مصر كعقاب أسود ينهش فيها بلا رحمة، حتى تراجعت مستويات العيش والحرية والكرامة والعدالة والأمن إلى أدنى مستوى عرفته مصر في العصر الحديث، فالديون تتزايد والحرية تتناقص، والكرامة تضيع، والعدالة تغيب، والأمن يموت على الحدود، كما يموت في الداخل: من المنيا إلى سيدي براني، ومن سيناء إلى الواحات، ومع ذلك يتبجح الخصيان والغلمان والمنادون وعازفو فرق الطبلخانة فينشدون الأغاني الكاذبة في مآثر السلطان الذي انتزع رجولتهم جهاراً، وجعل منهم “خدماً طائعين” حسب التعريف الذي قدمه واحد منهم لواحدٍ منهم على الهواء مباشرة، (راجعوا حديث يوسف زيدان مع عمرو أديب فصل العين راء صاد في تعريف الشخص الاجتماعي، وملحق الخاء واو لام في تعريف الخادم المطيع)

(4)

لا تخشوا من دخول المقال إلى غرفة “جلد الذات”، لأنني لا أستهدف تصدير التهمة إلى الغير، فأنا منكم ومثلكم من جنود الثورة، ولهذا يحضرني مناجاة الصديق ابراهيم عبد الفتاح لثورته العصية: (مش جاي الومك ع اللي فات/ ولا جاي أصحي الذكريات/ أنا بس بشتاق لك ساعات/ لما الشتا يدق البيبان)

أتفق مع ابراهيم في عدم اللوم، واختلف في تجنبه إيقاظ الذكريات، لأنني مصمم أصّحي الذكريات، ومصمم أقطع طريق الشوق ليتحول إلى وصال مع الثورة وحبايبها، خاصة وأنني أتعرف في الطريق على كثير من عشاق الثورة، الذين غادروا خنادق الأحزاب والتحصينات الفئوية، وخرجو إلى فضاء العمل الوطني المنفتح على الآخرين، صحيح أن كثرة الحديث عن الجبهات تؤكد أن غول التشتت والتفتت لا يزال يشغل العقول ويتحكم في اتجاهات ونتائج الفعل السياسي، ويحاصره أحيانا في “رد الفعل” وليس في قيادة حركة أو إبداع أسلوب عمل جديد، لكن تزايد عناوين الجبهات يشير إلى وجود رغبة صادقة لدى الكثيرين في التوحد والاصطفاف الوطني، وهذا من نفحات وعلامات ثورة يناير التي ندور حولها من الخارج، ولا نعرف كيف نصل إلى مفاتيح تشغيلها. 

(5)

إحساسنا بالأمل لا يكفي.. إذ لابد من ترجمته إلى جدول عمل، انشغالنا بالحركة لا يكفي.. إذا لابد من تحديد الاتجاه، كي تتحول الحركة إلى مسار مدروس نحو أهداف إستراتيجية متفق عليها، مع معرفة كافية بمعوقات الطريق، وأماكن المتربصين، وكذلك بمواقع محطات الخدمة، وفرص التزود بالرفاق والمؤن، ولهذا فإنني أطمح في تفكير جماعي يتجاوز الانغماس في انتخابات 2018 باعتبارها حلاً يكفي للخروج من المعضلة، لكنها مجرد خطوة تكتيكية في معركة إستراتيجية طويلة، يجب ألا نهدرها في تحقيق هزيمة جزئية للأوغاد، ونصر نسبي لفريق الثورة، نكمل بعده الطريق إلى معركة أخرى، ولهذا أريد أن نخرج من أسر فكرة إسقاط النظام بضربة قاضية، مع ترك المجال مفتوحاً لهدايا القدر (فالإصابات والانزلاقات جزء من أي لعبة) ما يهمنا أن توازنات القوى وقراءة مستوانا ومستوى الخصم بشكل موضوعي، يدعونا للتفكير في الفوز بالنقاط، وهذه الطريقة تحتاج إلى وعي تاريخي.. إلى نفس طويل.. إلى الاستفادة من كل محطة، ومن كل جولة، ومن كل ثغرة، كما تحتاج إلى بناء فريق يؤمن بعطاء الشباب، ويمتلك إرادة النصر، ويتصالح مع روح الفريق متجاوزا أمراض الفردية والتشاحن الذي يضر بتجانس الفريق، ومن هنا يبدو لي أن النظرة لسؤال انتخابات الرئاسة 2018 يجب أن تتغير من “انتخابات تحبس نفسها في الصراع على السلطة” وتقيس أداءها على اأساس هذه النتيجة، إلى “انتخابات تسهم في إشعال الثورة”، وهذا يعني أن “النتيجة الإجرائية” للانتخابات ليست هي الأساس الذي نقيس عليه، بل “النتيجة الثورية”، وهذا يعني أن نسأل أنفسنا: كيف ستسهم الانتخابات في تكوين كتلة سياسية متماسكة تمارس المعارضة بتجانس ووعي وطني مؤثر؟، وكيف يمكن فتح الملعب السياسي مع النظام، بحيث لا يبقى في المنطقة الأمنة التي يسيطر عليها في الداخل.. وهذا يقتضي التعامل مع أطراف الملعب، ومع الجمهور في المدرجات، ومع الإعلام الخارجي، ومع المنظمات الدولية، فالمباريات في هذا الزمن لم تعد داخل دائرة (أو مستطيل مغلق) يتبارز فيه العبد مع الوحش ليسعد أمراء روما، لكنها مباريات محكومة بقواعد دولية، وذائقة جمهور، وهوس إعلامي، ومنظمات راعية أو مسيطرة تتدخل في تفاصيل اللعبة ونتائجها، ولابد لأي فريق محترف أن يدرس كل هذه العوامل ويستفيد منها، وقد لمست بنفسي أن كثيرا من الشباب الواعي لديهم أفكار مفيدة جدا في مباراة الانتخابات بعيدا عن ثنائية: (نخوض أم نقاطع؟)

(6)

لقد أخطأ “الخادم المطيع” من بطانة “الشخص الاجتماعي” عندما دفعته الغطرسة فأطلق حملة “علشان تبنيها” في توقيت مبكر، لأن الحملة المتبجحة (التي تريد أن تلهيك وتجيب اللي فيها فيك) استفزت جموع الشباب الرافضين لحكم “زَوَّجتُك نفسي”، فأطلقوا حملات مضادة وسريعة، نجحت بإمكاناتها البسيطة في مواجهة حملة الغلمان، وتفوقوا عليها إعلامياً (حسب مقاييس الهاشتاجز)، ومع ذلك أقر بكل موضوعية أن الصراع بين “الثورة المستعدة” و”الدولة المستبدة” لن يتم حسمه افتراضياً على صفحات التواصل الاجتماعي، لذلك فإن ترجمة حلم الثورة في حالة اصطفاف وطني منفتح، تظل هي الخطوة العملية الأكثر قدرة على إحراز هدف واقعي في مرمى الأنظمة التابعة التي تحتمي بحصونها العتيقة وتبعيتها الموزعة عبر التاريخ بين الفرس والروم.

(7)

أخيرا فإن السيسي الذي يهدم الإنسان ويحط من قدر ومكانة مصر، لن يبنيها.. الباني هو الشعب/ ولا في قوة.. ولا في صعب/ يصد زحف الشعب.. الشعب

#التقوا_ترتقوا

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه