انتخابات تركية بنكهة كردية

تلون سماء مدن تركيا اليوم أعلام الأحزاب السياسية بمناسبة انطلاق الحملة الانتخابية للانتخابات البرلمانية رسمياً.
لكل انتخابات تركية مهما كان مستواها نكهة تميزها عن غيرها

*عبد القادر عبد اللي
تلون سماء مدن تركيا اليوم أعلام الأحزاب السياسية بمناسبة انطلاق الحملة الانتخابية للانتخابات البرلمانية رسمياً.
لكل انتخابات تركية مهما كان مستواها نكهة تميزها عن غيرها. للانتخابات السابقة نكهات مختلفة، مثلاً نكهة “المفتاحين” للرئيس التركي الأسبق سليمان ديميريل، والتي كان شعاره فيها: “لكل مواطن مفتاحان، واحد للسيارة وآخر للبيت”… وهناك في الأدبيات السياسية التركية “وعود جم أوظان” وهو رجل أعمال انخرط في السياسة، واشتهر بتقديم الوجبات والحفلات الغنائية في اللقاءات الجماهيرية، ومن وعوده دخول الطالب إلى الجامعة التي يريد دون امتحان.
 غابت تلك الطرافة عن الدعاية الانتخابية في السنوات الأخيرة، وباتت الوعود أكثر منطقية، ولكن الأمر لا يخلو تماماً من الطرافة، لأنها إن خلت فلن يبقى لها طعم. فما هي نكهة الانتخابات الحالية؟
عقدت الأحزاب الأربعة الرئيسة اجتماعات كبرى قدمت خلالها برامجها ووعودها الانتخابية، وبذل المخرجون وخبراء المشهد جهودهم من أجل تقديم مشاهد مؤثرة على الناخبين، ومع ارتفاع قعقعة المعركة الانتخابية يتأجج غبار معركة استطلاعات الرأي العام التي تجريها الأحزاب، والتي تعلنها، والتي تجريها شركات تسمى مستقلة.
تخفيض مستوى الطموح:
هناك دائماً أرقام تدلل على الواقع، وأخرى تشير إلى الطموحات، فأرقام حزب العدالة والتنمية بحسب المصادر المسماة مستقلة هي في حدود 47 نقطة، ويدعي بأن طموحه يصل إلى 55 نقطة، ولكن الأحزاب المنافسة تخفض هذه النسبة لتصل إلى ما دون الثلاثين في بعض الأحيان. الغريب أن حزب المعارضة الرئيس حالياً -حزب الشعب الجمهوري- الذي يعتبر نفسه الوريث الشرعي الوحيد للجمهورية الأتاتوركية، ويعلن في كل مرة أن الانتخابات محسومة، وسيكون في الحكم بعد هذه الانتخابات، خفّض هذه المرة من طموحاته كثيراً وقال إنه سيتجاوز الخمس وثلاثين نقطة. وعندما طرح صحفي على رئيس هذا الحزب كمال قلتشدار أوغلو سؤال: “هل ستستقيل من رئاسة الحزب فيما لو نزلت أصواتكم إلى مادون 35%؟” يبدو أن الجواب كان جاهزاً، وهو مستعد له لأنه يعرف بأن هذه النسبة لا تتطابق مع المعطيات الرائجة، فقال: “لقد وصل حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عام 2002 بهذه النسبة، فلماذا أستقيل؟” نعم، طموح حزب الشعب الجمهوري انخفض هذه المرة إلى 35 نقطة، وتشير الاستطلاعات إلى أنه في حدود الخمس وعشرين نقطة.
بالنسبة إلى حزب الحركة القومية، فهو لم يغير من طموحه الذي يتجلى بجذب أصوات حزب العدالة والتنمية، والحصول على بعض النقط على حساب هذه الحزب الذي تشير التوقعات إلى حصوله على 17-18 نقطة، أي أن أقصى طموح له هو مشاركته في حكومة ائتلافية مع أي حزب أو أحزاب أخرى، وبقي في الدرجة الثالثة بالنسبة إلى غالبية استطلاعات الرأي.
الأكراد بهويتهم القومية:
تخفيض مستوى الطموح ليست السمة أو النكهة الوحيدة لهذه الانتخابات، بل هناك أهم منها بكثير، فهي المرة الأولى التي يدخل فيها الأكراد الانتخابات ضمن تنظيم سياسي حزبي، وليس كأفراد. يعتبر حزب الشعوب الديمقراطية هو الحزب الممثل للأكراد، ودخل هذه المرة الانتخابات بصفته الحزبية، وليس كأعضاء مستقلين كما كان يفعل سابقاً. فالقانون الانتخابي التركي، وتحت اسم تحقيق الاستقرار السياسي وضع عتبة عشرة بالمائة من أصوات الناخبين كشرط لدخول أي حزب إلى البرلمان، وبالطبع فإن هذه مغامرة غاية في الجرأة، فإذا لم يحصل الحزب على النقط العشر، سيخسر أصواته كلها، وتُقسم بين الأحزاب الفائزة لكل حزب بحسب نسبته التي حصل عليها، وهذا ما سيفيد الحزب الأكبر، لأنه سيحصل على حصة الأسد من أصوات هذا الحزب.
يخشى كثير من أنصار هذا الحزب من عدم حصوله على عتبة العشرة بالمائة، وتشير استطلاعات الرأي إلى تجاوزه هذه العتبة، ولكن تجاوزه هذه العتبة سيكون على حساب حزب الشعب الجمهوري، لأن هناك غاضبين من حزبهم، ويصوتون لحزب آخر عقوبة له على عدم ممارسة سياسة صائبة، وستذهب أصوات هؤلاء بغالبيتها إلى هذا الحزب، ولعل هذا ما دفع حزب الشعب الجمهوري إلى تخفيض مستوى الطموح.
احتمالات محدودة:
صرح السياسي المخضرم ورئيس الجمهورية السابق عبد الله غول وهو المؤسس لحزب العدالة والتنمية مع شريكه رجب طيب أردوغان لجمع من الصحفيين بمناسبة انطلاق الحملة الانتخابية: “ستفقد الأحزاب كلها شيئاً من أصواتها في هذه الانتخابات!” وإذا صدقت نبوءة غول فإن هذا لا يغيّر المشهد السياسي القائم، والتوزيع البرلماني، فلابد أن يفقد حزب سياسي أصواته لحساب حزب سياسي آخر من أجل تحقيق التغيير، وهكذا تبقى الاحتمالات بحسب الصورة المرسومة محدودة جداً، بل هي في إطار احتمالين فقط، الأول أن يحظى حزب العدالة والتنمية بما تشير إليه التوقعات، أي يبقى في حدود ما دون الخمسين نقطة، ويشكل الحكومة وحده، ضارباً رقماً قياسياً ببقائه في السلطة، أو يخسر بعض النقط، وتتشكل حكومة ائتلافية من ثلاثة أحزاب متناقضة تسيّر أعمال المؤسسات لفترة محدودة…
يطمح العدالة والتنمية إلى زيادة عدد مقاعده البرلمانية من أجل تسهيل الانتقال إلى النظام الرئاسي، وتطمح المعارضة إلى أن تشكل حكومة من أطيافها كافة، وإن كانت هكذا حكومة لا تستطيع أن تقدم شيئاً

_________________________

*كاتب سوري متخصص في الشؤون التركية

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه