انتخابات بوليفيا الرئاسية: فوز نزيه أم تزوير مُحكم؟

خرج الرئيس موراليس لتهنئة أنصاره وإعلان اعتباره أن الاحتجاجات المستمرة التي تعيشها شوارع بوليفيا مؤشر انقلاب عسكري، مدعوم من أمريكا والاتحاد الأوربي

 

 

     قد لا تعني بوليفيا للعرب الكثير، لكن رئيسها إيفو موراليس يعني لليسار العربي على الأقل، الكثير الكثير. كيف لا؟ ونظامه يمثل امتدادا لفكر الزعيم تشافيز. بل إن بوليفيا أصبحت معه، ثالث معاقل اشتراكية القرن الحادي والعشرين، إزاء خسارة رفاقه مناصبهم في بلدان الجوار أمام أدوات الفكر النيوليبرالي الفتاكة في المعارك الانتخابية. إيفو موراليس استمات في الدفاع عن منصبه في الرئاسة، وهاهو يفوز برئاسة رابعة وسط تنديد بعدم نزاهة الانتخابات، وبفوز شابته خروقات فاضحة، وضعت مصداقية هذا النظام في الميزان.

   إيفو موراليس، رئيس بوليفيا منذ 2006 تقدّم لهذه الانتخابات عن حزبه “التحرك نحو الاشتراكية” مع ثمانية مرشحين آخرين، على رأسهم خصمه، الرئيس السابق كارلوس ميسا عن تحالف “المجتمع المواطَني”. ودارت الانتخابات يوم الأحد 20 من أكتوبر/تشرين الأول وسط متابعة وترصّد دقيق من قبل أنصار ميسا لتخوّفهم من تلاعب الحزب الحاكم بعمليات التصويت. ويبدو أن هذا التخوّف كان مشروعا لحصول أحداث مشابهة سابقة بهدف ترسيخ موراليس في موقعه.

 العملية الانتخابية تمت تحت أنظار مراقبين دوليين وتابع الجمهور من داخل بوليفيا وخارجها نتائج 83% من الفرز الأولي على وسائل الإعلام ليلتها، وكانت الأرقام تشير الى تقدّم موراليس بـ45.3% وحصول ميسا على المرتبة الثانية بـ 38.2% ثم انقطع البث فجأة لتشير الهيئة الرسمية للانتخابات الى أن هناك عطلا فنيا يحول دون متابعة بقية عمليات الفرز، ودام العطل 24 ساعة.

وضوح مؤشرات التزوير

  خلال تلك المُدّة ثارت ثائرة أنصار ميسا وعاشت المدن البوليفية حالة من الاحتجاجات في الشوارع مصحوبة بحالات عنف. وخرج فيها ميسا نفسه في مقطع فيديو مندّدا بهذه “الألاعيب” كما وصفها ودعا أنصاره الى التأهب للاحتجاج، كما تحدث عن إخلال المراقبين الدوليين بالمسؤولية التي حضروا من أجلها وسط وضوح مؤشرات التزوير. وفي الحقيقة يأتي هذا الخوف من التلاعب بما تبقى من نتائج لمعطيات خاصة بالدستور البوليفي. إذ إن الانتخابات الرئاسية التي تتم على دورتين طبقا للقانون الانتخابي البوليفي، يمكن أن تُحسم فيها النتائج منذ الدورة الأولى إذا فاز أحد المترشحين بأكثر من 50% من الأصوات أو حصل على أكثر من 40% من الأصوات بشرط الحصول في نفس الوقت على نسبة تفوق 10% كفارق عن المترشح الثاني.

ما حصل في الدور الأول يوم 20 من أكتوبر/تشرين الأول إذن كان بمثابة المأزق لموراليس الذي بشّرته مكاتب سبر الآراء بفوز ساحق قبل الانتخابات، لكن النتائج الأولية ليلتها أثبتت أن الرجل سيحتاج للمرور الى الدور الثاني (وهو ما يتحاشاه هو وحزبه) باعتبار أن الفارق كان 7% وما تبقى من صناديق للفرز لم يكن من المضمون أن تحسم حصوله على فارق إضافي بـ3% الباقية لحسم الفوز وتحقيق الفارق الجملي بأكثر من 10% كما أشرنا سابقا.

    خلال تلك الليلة وحتى استئناف البث المباشر لعمليات نشر النتائج المتبقية وتأكيدها، لم تتجاوز تصريحات المحكمة العليا للانتخابات وهيئات الرقابة الدولية صيغة التعبير عن القلق، لكن ردة الفعل الدولية تغيرت مع مرور الأيام والإفصاح عن النتائج النهائية لفرز الأصوات بعد خمسة أيام، والتي أفضت الى فوز موراليس بـ47.8% مقابل 36.51% لخصمه كارلوس ميسا. وهو فوز يعفي موراليس من المرور الى الدور الثاني وينصبه رئيسا لبوليفيا للمرّة الرابعة باعتباره متقدما على ميسا بفارق 10%.

رغبة الأنظمة الرأسمالية:

    في الحقيقة، لاشيء يثير الاستغراب من رد فعل ميسا وأنصاره الذين يواصلون الاحتجاجات في الشوارع والإصرار على عدم نزاهة الانتخابات، بل وصل الأمر بسياسييهم إلى تحذير الموقف الدولي من نوايا موراليس الديكتاتورية في الاستئثار بالحكم. وهو تنديد تطرب له الحكومات المعادية لموراليس ومادورو ومن والاهم. لكن، وإن تغاضينا عن رغبة الأنظمة الرأسمالية المتنامية في تركيع كل الأنظمة التائقة الى حرية القرار وسيادة أوطانها، هل من المنطق أن نقرّ بفوز موراليس في هذه الانتخابات إذا أخذنا بعين الاعتبار كل مافعله سابقا بتطويعه للدستور البوليفي من أجل احتكاره لمنصب الرئاسة؟

   لإنصاف موقف الغاضبين من النتائج، وجب توضيح ماضي موراليس الذي يتجاوز الصورة الإيجابية التي يتسلح بها أنصاره. فالرجل فاز بالرئاسية الأولى في 2006 وقبل التقدم للثانية في 2010، كان هو نفسه قد سنّ قانونا لطمأنة الرأي العام، لا يسمح بفترة ثالثة لأي رئيس. وفعلا فاز لتكون تلك فترته الثانية والأخيرة. رغم ذلك وقبل حلول الفترة الثالثة، توصّلت المحكمة الدستورية مع أغلبية برلمانية الى منحه التقدم لرئاسية 2014 بسبب ثغرة قانونية مُضحكة يطول شرحها. وبالفعل تقدم وفاز أيضا. كان من الممكن أن يكتفي موراليس في هذا المستوى بثلاث رئاسيات أو على الأقل أن يترك لحزبه حق ترشيح أحد رفاقه، لكنه أصرّ على الترشح لرئاسية رابعة هذه السنة وفاز “حسب قوله”. العجيب في الأمر أنه، وأمام فضيحة ترشحه للرئاسية الثالثة، انصاع موراليس لمطلب إجراء استفتاء  في 2016  يستشير البوليفيين في مدى موافقتهم على ترشح الرئيس ونائبه لدورة ثالثة؟ فجاءت النتيجة بـ”لا” بنسبة 51.3%. مع هذا، توصّلت المحكمة الدستورية في 2018 مرة أخرى لإيجاد ثغرة قانونية، تمكّن بفضلها موراليس من الترشح لهذه الفترة الرابعة.

قادر على التلاعب

     لهذه الأسباب وغيرها، شكّك خصوم موراليس في فوزه واستدلّوا بأن من تمكّن من تطويع القضاء والدستور لاستمراره في منصب الرئاسة، قادر على التلاعب بنتائج التصويت حتى في حضور المراقبين الدوليين، وما العطل الفني الذي دام 24 ساعة في خضم نشر النتائج، وتأخر الإفصاح عن النتائج الرسمية إلا دلائل على التدخّل في جعل الفارق بين المترشحين يتجاوز العشرة في المئة لتجنب مواجهة ميسا في الدور الثاني.

     خلال كل هذه التطورات، خرج الرئيس موراليس لتهنئة أنصاره وحزبه واعتباره أن الاحتجاجات المستمرة التي تعيشها شوارع بوليفيا منذ ليلة الانتخابات هي مؤشرات انقلاب عسكري، مدعوم من طرف أمريكا والاتحاد الأوربي خصوصا وأن المتحدثين باسم بعثة منظمة الدول الأمريكية والاتحاد الأوربي وبعض المراقبين الدوليين الآخرين دعوا للمرور إلى دورة ثانية وعدم الاعتراف بالفوز النزيه لموراليس في هذه الدورة.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه