امرأة هزت سجون السيسي

 

اهتزازات وربكة واضحة في السجون المصرية، حالة طوارئ قصوى منعت الزيارات العادية لأهالي السجناء،  تحديثات ودهانات وتلميعات على وجه السرعة، مطابخ 5 نجوم، أسرة (جمع سرير) تنافس أسرة الفنادق، ملاعب رياضية تنافس نظيرتها الأولمبية، رجال من النيابة العامة ووفود إعلامية تفقدية يستقبلهم جنرالات لطفاء وديعون يوزعون ابتساماتهم المغشوشة في كل مكان، وأذرع إعلامية تتبارى في نقل التصريحات الكاذبة، ماذا حدث حتى يتم تغيير شكل السجون (ظاهريا ) خلال ساعات محدودة من مقابر للموت إلى مقصد سياحي عالمي (وهمي بطبيعة الحال)؟! في تكرار سمج لمشهد سابق مصطنع أيضا خلال زيارة وفد مجلس حقوق الانسان الحكومي للسجن في 2016 ظهر خلالها قيادات المجلس منبهرين بطعام السجن وطباخيه رغم ان عددا منهم كان سجينا سابقا، كما أن هذا المشهد المصطنع يحاكي ما شاهده المصريون من لقطات عن عظمة مطاعم السجون ومكتباتها وأسرتها وحدائقها وملاعبها في فيلم البريء بطولة الراحل أحمد زكي وإخراج عاطف الطيب.

وفاة مرسي

كلمة السر فيما جرى هي (كالامارد)، وأنييس كالامارد هي المفوضة الأممية المعنية بالقتل خارج نطاق القانون، وقد ترأست فريقا من الخبراء التابعين للأمم المتحدة اصدر تقريرا حول وفاة الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي، وأوضح أن وفاة مرسي لم تكن طبيعية بل جاءت نتيجة ما تعرض له من انتهاكات قاسية خاصة في الدواء والعلاج في محبسه، كما اتهم التقرير نظام عبد الفتاح السيسي بالمسئولية عن قتل الرئيس مرسي، ولم يكتف التقرير بذلك بل إنه حذر من وفيات محتملة لسجناء مصريين آخرين يعانون من انتهاكات بالغة خاصة في غياب الرعاية الطبية في السجون المصرية.

لم تكن قيمة التقرير فقط في مضمونه الصادم للنظام بل في توقيته أيضا حيث صدر التقرير قبيل موعد المراجعة الدورية لملف حقوق الإنسان في مصر في الأمم المتحدة،( الأربعاء 13 نوفمبر) وقد بررت كالامارد السرعة في إعلان التقرير قبل موعده بعدة أيام بالرغبة في إنقاذ من هم في السجون المصرية حاليا من مصير مشابه لمصير مرسي.

ما إن ظهر التقرير الأممي الذي تزامن مع المراجعة الدورية لملف مصر في الأمم المتحدة حتى ارتعدت فرائص نظام السيسي، وجلاديه في السجون المصرية، فسابقوا الزمن في إظهار صورة فندقية خيالية للسجون المصرية، بدأت بترتيب زيارة مصطنعة لوفد من النيابة العامة لأحد سجون طرة، وترتيب مقابلة مع بعض السجناء المعروفين، وتم نقل تصريحات على ألسنتهم تشيد ببعض المعاملات في السجون وتحسنها، وإذ نقدر الحالة النفسية لهؤلاء السجناء التي دفعتهم للمشاركة في هذه الهزلية، والتي قد تكون إكراها أو إغراء بوعد الحرية، فإن المؤكد أن ما نقل على السنتهم ليس هو الحقيقة التي يعرفها الجميع عن السجون وما يجري فيها، كما قامت الهيئة العامة للاستعلامات بترتيب زيارة أخرى لوفود إعلامية ضمت صحفيين مصريين ومراسلين أجانب، لتظهر هذه التطورات العاجلة في السجون المصرية !!! والتي مات فيها تحت التعذيب أو نتيجة الإهمال الطبي مئات السجناء منذ انقلاب الثالث من يوليو وحتى الآن ( بلغ العدد 823 وفقا لمنظمة كوميتي فور جستس) وبخلاف الرئيس مرسي كان من أبرز القتلى في السجون  مهدي عاكف المرشد السابق للإخوان وعصام دربالة رئيس مجلس شورى الجماعة الإسلامية والناشط النوبي جمال سرور والقيادي الجهادي مرجان مصطفى  سالم والنائب والقيادي بحزب الحرية والعدالة فريد إسماعيل وغيرهم).

ليس الأول

تدرك المرأة التي هزت سجون السيسي أن تلك السجون تضم  أيضا العشرات من بنات جنسها اللاتي يتعرض لانتهاكات بالغة وحرمانهن من أطفالهن ناهيك عن تعرضهن أيضا للموت وقد وثق مركز الشهاب لحقوق الانسان في تقرير السنوي  وجود 69 سيدة بعضهن محكومات بالسجن 5 سنوات بسبب تعبيرهن عن آرائهن أو لنشاطهن الحقوقي، وقد مرت 26 سيدة بتجربة الاختفاء القسري لمدد متفاوتة قبل ظهورهن في مقار التحقيق، ومن أبرز السجينات حاليا السيدة هدى عبد المنعم الناشطة الحقوقية وعلا القرضاوي وعائشة خيرت الشاطر وماهينور المصري وإسراء عبد الفتاح ، وعلياء عواد وسامية شنن وبسمة رفعت الخ.

التقرير الأخير حول ملابسات  جريمة الوفاة غير الطبيعية للرئيس مرسي واتهام الحكومة المصرية بالضلوع فيها، ليس الأول من نوعه (فقد سبقه العديد من التقارير كان أهمها تقرير التعذيب) وليس جديدا على مسيرة حياة المناضلة الحقوقية أنييس كالامارد، فهي التي أصدرت تقريرا حول جريمة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي حملت فيه ولي العهد محمد بن سلمان المسئولية عن تلك الجريمة، وهي أي كالامارد تصنف وفقا لشبك “ifex” العالمية لحرية التعبير بأنها “بطلة جريئة، ومدافعة صلبة عن حقوق الإنسان بصفة عامة، والحق في حرية التعبير والإعلام بصفة خاصة”.

تاريخ حافل:

وللسيدة كالامارد تاريخ حافل في الدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان، فقد أسست في عام 2003 الشراكة الإنسانية للمحاسبة، وهي أول هيئة تنظم عمل المنظمات الإنسانية، كما كانت منسقة أبحاث السياسات في منظمة العفو الدولية، وعملت في مركز دراسات اللاجئين في تورنتو.، وكانت المديرة التنفيذية لمنظمة “المادة 19” المختصة بالدفاع عن حرية التعبير والإعلام بين الأعوام 2004 – 2013، وهي حاصلة على درجة الدكتوراة في العلوم السياسية من المدرسة الجديدة للبحوث الاجتماعية في نيويورك.، وفي العام 2014 تولت إدارة برنامج حرية التعبير العالمي في جامعة كولومبيا الذي أُطلق في عام 2014، من قبل رئيس الجامعة لي بولينغر، وفي أول أغسطس 2016 تم تعيينها كمقرر خاص للأمم المتحدة لمتابعة عمليات الإعدام، مع تفويض “لدراسة حالات الإعدام خارج نطاق القضاء أو بإجراءات سريعة أو تعسف في كل الظروف، ولأي سبب كان”.، كل التحية والتقدير لهذه السيدة العظيمة وهي تغادر موقعها في الأمم المتحدة لتكمل مسيرتها عبر المجتمع المدني.

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه