النفط الإيراني والدور الإقليمي له

وهكذا أتاحت تلك الفوائض لإيران القيام بدور إقليمى في العراق وسوريا واليمن ولبنان لى جانب البحرين سواء بالمساعدات الاقتصادية أو العسكرية

                            

فى عام 2018 وحسب بيانات أوبك إحتل إنتاج النفط الخام الإيرانى المركز السادس دوليا بنحو 3.553 مليون برميل يوميا، اتجه منها حوالي 1.854 مليون برميل يومي للطلب المحلى، واتجه 1.850 مليون برميل يوميا للتصدير، لتحتل إيران بذلك المركز التاسع دوليا بتصدير الخام.

أما إنتاج المشتقات البترولية فبلغ 1.691 مليون برميل يوميا خلال العام، لكنه لم يتم تصدير سوى 272 ألف برميل يوميا من المشتقات، لتحتل المركز الرابع والعشرين بين دول العالم في تصدير المشتقات. وعلى الجانب الآخر بلغت كميات وارداتها من المشتقات خاصة البنزين 101 ألف برميل يوميا.

وهكذا ساهمت قيمة صادرات النفط الخام البالغة 60.2 مليار دولار بنسبة 56 %، من مجمل الصادرات السلعية البالغة 107 مليارات دولار، واتجهت نسبة 76 % من صادرات الخام إلى دول آسيا والباسفيكى ، ونسبة 24 % لدول أوربية ، بينما كان نصيب آسيا من صادرات المشتقات نسبة 99.5 % .

ونظرا إلى امتلاك إيران الإحتياطى الرابع دوليا من النفط الخام بعد فنزويلا والسعودية وكندا، فإن صادرات النفط سيظل لها نصيب ملحوظ في الصادرات الإيرانية، خاصة مع بلوغ عمر الإحتياطى أكثر من 90 عاما بمستويات إنتاج عام 2018.

أما مع الغاز الطبيعى فلقد إحتلت إيران المركز الثالث دوليا فى إنتاج الغاز المسوق عام 2018، بنسبة 6.3 % من الإجمالي الدولي بعد الولايات المتحدة وروسيا، بنحو 248.5 مليار متر مكعب سنويا، إلا أن الطلب المحلى المتزايد على الغاز الطبيعي الذي يمثل نسبة 68 % من موارد الطاقة داخل إيران، قد جعل السوق المحلى يستهلك نسبة 97.5 % من الكميات المنتجة.

 مما تسبب فى تدنى صادرات الغاز الإيرانى لتصل 12.3 مليار متر مكعب سنويا، بنسبة 1 % فقط من الصادرات الدولية للغاز الطبيعى وبالمركز التاسع عشر دوليا. واتجهت معظم كميات الغاز إلى تركيا والعراق وكميات قليلة الى أزربيجان وأرمنيا. كما تسعى إيران لتصدير الغاز الى باكستان وكذلك الى سلطنة عمان مستقبلا.

   فائض تاريخى بالحساب الجارى

وكل صادرات الغاز الإيرانى عبر خطوط أنابيب تربطها بالدول المستوردة، وعلى الجانب الآخر تستورد إيران كميات من الغاز الطبيعى بلغت 6 مليارات متر مكعب من تركمستان عبر خط أنابيب.

وخلال السنوات الماضية ظلت صادرات النفط الايرانى تتسبب فى فائض في الميزان التجارى السلعى، أمكنه إستيعاب العجز المزمن في الميزان الخدمى الإيرانى بسبب العجز السياحى وبالخدمات المالية والإتصالات والخدمات الحكومية، وساعد الفائض المستمر الأقل قيمة بميزانى الدخل والتحويلات، فى حدوث فائض مزمن بالحساب الجاري، الذي تمكن عادة من إستيعاب حدوث عجز في الحساب الرأسمالى والمالي، مما أتاح تكوين إحتياطيات من النقد الأجنبى بلغت 132.6 مليار دولار بنهاية عام 2017، كما قلل من الحاجة الى الإقتراض الخارجي.

وهكذا أتاحت تلك الفوائض لإيران القيام بدور إقليمى في العراق وسوريا واليمن ولبنان الى جانب البحرين سواء بالمساعدات الاقتصادية أو العسكرية، إلا أنه بعد إلغاء الولايات المتحدة للإتفاق النووى مع إيران وقيامها بالتهديد بفرض عقوبات على الدول التى ستستورد النفط والمنتجات الإيرانية، يصبح السؤال عن مدى تأثر الإنتاج النفطي الإيراني بالعقوبات الأمريكية.

حيث تشير بيانات أوبك التاريخية الى ارتفاع الإنتاج اليومى للنفط الايرانى من 2.8 مليون برميل عام 2015 الى 3.5 مليون برميل يومي عام 2016، ثم زاد متوسط الإنتاج اليومى إلى 3.8 مليون برميل يوميا عام 2017، لكن العقوبات الأمريكية تسببت في انخفاض الإنتاج الإيراني منذ النصف الثاني من عام 2018.

 حيث انخفض متوسط الإنتاج اليومى من 3.8 مليون برميل يومىا في الربع الثاني من عام 2018، الى 3.8 مليون برميل بالربع الثالث من العام، ثم استمر الانخفاض إلى أقل من 3 مليون برميل في الربع الرابع من 2018.

تراجع 24 % بإنتاج النفط فى 2019

وخلال عام 2019 استمر التراجع بالإنتاج من 2.7 مليون برميل في الربع الأول، إلى 2.4 مليون برميل في الربع الثاني، ثم الى أقل من 2.2 مليون برميل في الربع الثالث من العام، واستمر الانخفاض للإنتاج ب في الربع الأخير من العام الى 2.1 مليون برميل.

الأمر الذي تسبب في تراجع ترتيب إيران في الإنتاج بين دول منظمة أوبك الأربع عشرة، من المركز الثالث عامى 2017 و2018 بعد السعودية والعراق، الى المركز الخامس فى عام 2019 بإضافة الإمارات والكويت أيضا.

وتوضح خريطة كميات الإنتاج الإيرانى من الخام خلال شهور عام 2019، تراجع الإنتاج منذ شهر فبراير/ شباط وحتى شهر ديسمبر / كانون أول بلا انقطاع خلال تلك الشهور، لينخفض متوسط الإنتاج اليومى من 2.743 مليون يومىا فى فبرايرم شباط، إلى 2.092 مليون برميل يومى فى ديسمبر/كاون أول، بنسبة تراجع 24 % ما بين الشهرين.

الأمر الذي يدعو إلى التساؤل عن إمكانية تراجع الإنتاج خلال شهور العام الحالي، إضافة الى توقع البنك الدولى إنخفاض متوسط سعر النفط إلى 58 دولار للبرميل في العام الحالي، مقابل 64 دولار لخام برنت بالعام الماضي، وتوقعه كذلك استمرار السعر عند 59 دولار للبرميل عام 2021، و60 دولار عام 2022 وأقل من 64 دولار للبرميل عام 2025.

ولعل هذا كان سببا فى توقع صندوق النقد الدولى تحول الفائض التاريخي بالحساب الجاري الإيراني، إلى عجز من العام الماضى بنسبة 2.7 % من الناتج المحلى الإجمالي، وتوقعه كذلك زيادة نسبة العجز به في العام الحالى إلى 3.4 % واستمرار ذلك العجز حتى عام 2024.

كما توقع صندوق النقد الدولى استمرار الإنكماش الذي حدث فى عام 2018 خلال العام الماضي، وعدم تحقق نمو في الناتج المحلى خلال العام الحالي، كذلك توقع الصندوق ألا يفى سعر البترول وإيرادات الكميات المُصدرة منه بمصروفات الموازنة الإيرانية، التي تحولت إلى العجز منذ عام 2012 وحتى العام الماضي، وأن يستمر العجز في الموازنة مع الإرتفاع التدريجى لنسبته حتى عام 2024.

الى جانب نسب التضخم المرتفعة التى تخطت نسبة الثلاثين في المائة خلال العامين الماضيين والمتوقع ارتفاعها عن نسبة العشرين في المائة حتى 2024، وكذلك نسب البطالة المرتفعة التى تخطت نسبة 15 % في العام الماضي، وتوقع صندوق النقد تخطيها نسبة 16 % في العام الحالي، مما يزيد من الضغوط المحلية التى زادت حدتها بعد حادث سقوط الطائرة المدنية الأوكرانية ومقتل كل ركابها بصاروخ إيراني.

من كل ما سبق تبدو صعوبة إستمرار الدور الإقليمي الإيراني المُكلف بنفس اتساع نطاقه خلال السنوات الأخيرة، إلا أن وجهة نظر أخرى ترى أن إيران قد اعتادت على العقوبات الأمريكية منذ بدايات ثورتها، وأصبحت لديها خبرة فى التحايل على العقوبات والتصدير للنفط مع استمرارها، كما أن لديها إحتياطيات كبيرة من العملات الدولية، وتنوع فى صادراتها وعلاقات اقتصادية مع دول الجوار وغيرها، ودين خارجى ضئيل، كذلك فإن دورها الإقليمى يعزز مكانة النظام الحاكم بها، كما أن استمرار العقوبات يوحد صفوف الداخل الإيراني.

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه