المواجهة أقرب الطرق للقضاء على الوهم

أحيانا يصنع الإنسان وهما في خياله قد يكون هذا الوهم خيرا أو شرا ويظل يعيش فيه طويلا.

حين يصنع الإنسان ذلك فإنه يحول أحلامه الي حقيقة يعيش من خلالها متصورا أنها أصبحت حياته والعكس عند آخرين يصبح خيالهم كابوسا والأخطر هنا أن يتصور الناس أو مجموعة كبيرة منهم أنهم لا يستطيعون الخلاص من هذا الكابوس.

في بعض الأحيان تصبح صناعة الوهم أو العدو الوهمي موجهة لأناس آخرين، بمعني أنه قد يصنع النظام المستبد أو الحاكم الديكتاتور عدوا وهميا للشعوب ليخافوا منه فيسيطر عليهم، وقد نجح النظام في مصر خلال سنواته الست في صناعة عدد من الأعداء الوهميين للشعب لإحكام سيطرته علينا.

الإرهاب أول أوهام النظام

استطاع النظام أن يخلق حالة من الخوف الشديد لدي عموم المصريين من الإرهاب وخاصة الإخوة الأقباط من المصريين وبدأ ذلك مبكرا منذ التفويض الذي طلبه السيسي من المصريين بعد ٣٠ من يونيو/حزيران 2013 مباشرة، حينما خرج في بيان للمصريين وهو وزير للدفاع ( أطلب من المصريين تفويضا لمواجهة الإرهاب المحتمل ) كان الطلب لمواجهة الإرهاب الذي كان محتملا رغم عدم معقولية الطلب من رجل مهمته مواجهة كل الأخطار، فهذه وظيفته مع وزارة الداخلية إلا أن الغريب بالفعل هو أن الإرهاب الذي كان محتملا صار إرهابا حقيقيا وأصبح خوف المصريين من الإرهاب الحقيقي بعد التفويض مَرَضِيا، خصوصا مع كل الأحداث التي كانت تجد طريقها للمصريين في مناسبات وأعياد خاصة جدا وربما كانت تحمل بين جوانبها ما يؤكد فكرة تعمدها من جانب النظام ومع مرور الوقت صار هذا العدو الوهمي الذى صنع فكرة غير مقبولة فكان على النظام صناعة وهم آخر للشعب.

حتى لا تصبح مثل سوريا والعراق

تحولت ثورة يناير في فكر النظام عبر سنواته من ثورة تنبأ بها السيسي نفسه في تقرير له حسبما قال ذات يوم لمبارك، إلى ثورة عظيمة أدى المجلس العسكري لشهدائها التحية العسكرية وقبل النظام بها في ديباجة دستور ٢٠١٤، إلى أحداث يتم التحذير منها دوما في أحاديث السيسي فمرة يقول (اللي حصل من سبع سنين مش ها يتكرر تاني) أو يقول إن “اللي عايزين يكرروا اللي حصل ده عايزين مصر تبقي زي سوريا والعراق”. أو يهدد السيسي بقدرته على نشر الجيش في ست ساعات في طول مصر وعرضها، حتى تحذيره الأخير في دمياط حينما قال “الحقيقة الخطر الحقيقي مش من بره مصر الخطر الحقيقي من جوه مصر. ها تقولوا لي أنا بقول الكلام ده ليه وأكرره هو في حاجة، لا مفيش بس أنا هاقول وأقول وأقول” هكذا يصنع السيسي ونظامه وهما أو عدوا جديدا ويصر عليه حتى يرسخ في وجدان الناس أن الثورة علي نظامه أو الاحتجاج عليه هو خطر علي مصر ويؤدي بها إلى طريق سوريا والعراق، والحقيقة أن ما يمر به المصريون من غلاء وأحداث فاق ما يحدث هناك، ولعل حالات الانتحار الأخيرة التي بلغت ٢١ حالة في أسبوع واحد تؤكد ذلك.

المعارضة جزء من صناعة الوهم في الحالتين

سلوك المعارضة المصرية سواء داخل مصر أو خارجها خلال تلك الفترة لم يستطع أن يحلل تلك الاوهام التي صدرها النظام للمصريين بل إن أغلب المعارضة وخاصة في داخل مصر تماهت مع هذه الأوهام التي كان بعض أفرادها يعترف بزيفها وعدم حقيقتها، ولكن كان التفكير والتحليل فيها يأتي فرديا في الغالب فلم تستطع المعارضة ككتلة أو مجموعة أيا كان شكلها أن تصدر بيانا أو تحليلا يدفع إلي تكذيب الأوهام الكثيرة التي صدرها النظام للمصريين، بل صدقت عليها، أو على الأقل صمتت علي نشرها وتصديرها و صار الخوف يلف الجميع: الكتل المعارضة و النخبة المثقفة  والطليعة الثورية.

قد يكون للبعض مبرر في ظل الخوف الذي نشره النظام لكل المصريين من خلال عدد من

اعتُقلوا خلال السنوات الست، والذي تصاعد إلى القوى المدنية في آخر سنتين بعد أن كان مقتصرا في أول سنتين من عمر النظام على التيار الإسلامي. 

 لم يحاول أي من قوى المعارضة أن يدفع تلك الأوهام عنها وعن المواطنين العاديين فصارت المسألة معقده جدا في مواجهة النظام.

من أين نبدأ؟

هذا هو السؤال الذي يجب البحث عن إجابته الآن في ظل هذه الأوضاع المتردية لجماعات المعارضة في مصر. فقد تهلهلت المعارضة بما يكفي لدرجة جعلت أقصى طموح لها أن يمر لها بيان ورقي من دون اعتقالات. لم يعد من طموحاتها أن تعقد مؤتمرا صحفيا أو جماهيريا أو تنظم وقفة احتجاجية، بينما صار التظاهر والدعوة إليه في الشارع حلما صعب المنال. هذا حال كل الكتل المعارضة للنظام في مصر شبابيه وسياسية وحزبية. 

الخوف المزعوم هيمن على كل القوى وأن ظلت بعض المحاولات الفردية تطل أحيانا من هنا أو من هناك لكن كل ذلك لا يمكن أن يكون طريقا للتغيير.

الاعتراف بداية الحل

على قوى المعارضة المصرية أن تعترف بضعفها وعدم قدرتها على التنظيم والمشاركة والتوافق على صيغ مستقبلية. عليها أن تعترف بأخطائها في مواجهة أوهام النظام. تقصيرها في التوحد والتنسيق والتعاون من أجل الخروج بمصر من مأزقها الحالي وهو الوضع الأسوأ للمصريين عبر تاريخهم الحديث على الأقل. 

 لقد صارت أيام مبارك رغم جرائمه الكثيرة والتي لا تغتفر حلما للمصريين ولك أن تتخيل ما وصلنا إليه الآن.

إن اعتراف المعارضة والقوي الشبابية والثورية بالضعف والتخاذل والتشرذم بداية الطريق الصحيح للقضاء على كل الأوهام المصنوعة وعلى وهم عدم القدرة على مواجهة النظام نفسه فالاعتراف بخطيئة المعارضين هو الخطوة الأولي لهدم الأوهام.

حالة الرعب

حالة الرعب التي تعيش بها مصر ذكرني بها الأسبوع الماضي رحيل المخرج السينمائي سمير سيف. ورغم أن سمير سيف قدم عددا هائلا من الأفلام السينمائية فقد توقفت عند فيلم “الهلفوت” تلك الشخصية التي قدمها عادل أمام في بداية التسعينيات. ويحكي الفيلم عن رجل ضعيف  ولكنه صنع لنفسه هالة كبرى عند أهل منطقته، وصار الجميع يخاف منه حتي صار الحاكم بأمره بينهم ولكن يكتشف الهلفوت الذي لا يعيره أهل المنطقة أي اهتمام خواء الرجل، فيقرر أن يواجهه متخطيا خوفه وضعفه وهوانه الذي يتعامل به الناس معه، ويدخل معركة مع الرجل الوهم ويستطيع أن يتغلب عليه وسط ذهول ودهشة الجميع، وإن كان قد أشار إلى ضعف الرجل حينما قال ( راجل مخوخ من جوه وراعب البلد بحالها ).  

 أولى خطوات عبورنا إلى مستقبل أولادنا أن نعترف جميعا بأخطائنا عبر سنوات الثورة المصرية الثماني، ثم نواجه أنفسنا بحالة الضعف التي نمر بها، ثم السعي إلى طريق يوحدنا معترفين بالأخطاء والضعف، ثم علينا جميعا حينها أن نواجه كل الأوهام التي صدرت لنا عبر تلك السنوات وأهمها فكرة النظام المرعب للجميع. ترى هل يكون هذا مستحيلا؟ هل نستطيع أن نواجه الوهم الذي يردده النظام والسيسي بأن الخطر الحقيقي على مصر هو من الداخل ونتأكد أن الثورات طريق للبناء والمستقبل وليست طريقا للهدم ولن تكون خطرا أبدا على المستقبل؟

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه