المنطقة الآمنة والمخاوف الامريكية – الكردية

 

ازدادت مؤخرا وتيرة التحركات السياسية والدبلوماسية التركية، التي تعمل من أجل حلحلة الأوضاع على الساحة السورية، والدفع باتجاه الانتهاء من العقبات التي تحول دون اتمام تشكيل اللجنة الدستورية، من أجل التوصل لحل نهائي للأزمة السورية عبر المباحثات السياسية، والتي كان آخرها الاجتماع الثلاثي الذي عٌقد في سوتشي الروسية، وضم إلى جانب الرئيس أردوغان، الرئيسين: الروسي فلاديمير بوتين، والإيراني حسن روحاني.

أسباب إقامة المنطقة الامنة

التحركات التركية تسعى لتحقيق عدة أهداف أولها وأهمها ضمان عدم حدوث فراغ أمنى عقب الانسحاب المنتظر للقوات الامريكية من الأراضي السورية، والحفاظ على الأمن .القومي التركي من التهديدات الإرهابية التي يواجهها في مثلث المنطقة الحدودية مع كل من العراق وسوريا.

 إلى جانب الرغبة في ضمان سلامة ووحدة الأراضي السورية والتصدي لمحاولات تقسيمها، وخلق كيانات سياسية جديدة، وفرض الأمر الواقع على دول الجوار، خصوصا تركيا وإيران، بصفتهما أكثر المتضررين من أية تغييرات يمكن ان تحدث في الخريطة الجغرافية للمنطقة.

ومن أجل ذلك تٌصر أنقرة على إقامة منطقة آمنة، تتولى بنفسها مهمة إدارتها، بدعم لوجيستي من موسكو وواشنطن، من أجل ترسيخ دعائم الأمن والاستقرار، والقضاء على كافة التنظيمات الارهابية التي لاتزال تعبث بمقدرات السكان المحليين هناك، مثل داعش وغيره.

ضمان عودة ملايين السوريين

كما تهدف تركيا من وراء تأسيس تلك المنطقة الآمنة إلى ضمان عودة 4 ملايين سوري ممن يقيمون لديها إلى بلادهم، بعد أن تمت إعادة نحو 300 ألف سوري إلى قراهم وأراضيهم عقب العمليات العسكرية التي قام بها الجيش التركي، وأدت إلى تطهير كل من اعزاز وجرابلس والباب وعفرين من العناصر الإرهابية المسلحة، ما يعني فعليا أن إقامة المنطقة الآمنة داخل الأراضي السورية المقابلة للحدود الجنوبية لتركيا سيكون كفيلا بزيادة أعداد العائدين من اللاجئين السوريين إلى مدنهم وقراهم.

 سوريا للسوريين لا للإرهابيين

ورغم حدة الانتقادات التي وجهت لتركيا بشأن المنطقة الآمنة التي تريد إقامتها تحت سيطرتها في الداخل السوري بعمق 30 كيلو مترا، فإن المسؤولين الأتراك أكدوا رفضهم القاطع لترك الساحة السورية مفتوحة أمام الإرهابيين ليعيثوا فيها فسادا بعد انسحاب القوات الأمريكية، وأنهم لن يقبلوا بإقامة منطقة آمنة من شأنها أن تتحول إلى مستنقع ضد بلادهم مثلما حدث من قبل في شمال العراق، حيث لاتزال تركيا تواجه بسبب ذلك العديد من المشاكل هناك.

 وذلك تعقيبا على ادعاءات قيادات التنظيمات الكردية المسلحة في شمال سوريا، التي وصفت المنطقة الآمنة التي تتحدث عنها أنقرة، بأنها احتلال تركي للأراضي السورية، مطالبة الأمم المتحدة بالتدخل لمنع إقامتها.

موقف التنظيمات الكردية المسلحة ورد فعلها على التحرك التركي، دعمه الموقف الأمريكي، الذي وإن كان هو أول من اقترح إقامة هذه المنطقة الآمنة، فإنه عاد للحديث عن رغبته في عدم انسحاب تلك التنظيمات المسلحة الكردية من المنطقة، وعدم سحب السلاح الامريكي الذي بأيدي عناصرها، بل وأفصح عن رغبته في الحصول على ضمانات من تركيا لحمايتهم وتأمين سلامتهم كشرط لإتمام انسحاب القوات الامريكية من سوريا، وضمان دعمها لإقامة المنطقة الآمنة برعايتها وتحت إشرافها!!! الأمر الذي أكد بوضوح للقيادة السياسية التركية عدم ثبات مواقف الادارة الامريكية، وتأرجحها بصورة تثير القلق، خصوصا وأنها لا تراعي في ذلك مصالح شركائها الاستراتيجيين.  

أطروحات الحل السياسي

تغير الموقف الامريكي ، وتباينه دفع تركيا – على ما يبدو – إلى زيادة قدراتها العسكرية في المناطق الحدودية مع سوريا، إذ تم خلال الأسبوعين الماضيين الدفع بالعديد من الآليات العسكرية المدرعة وزيادة عدد القوات الخاصة المتمركزة في المحافظات التركية الحدودية خصوصا في هطاي، كما نقلت وكالة أنباء الأناضول أخبارا عن قيام المؤسسة العسكرية التركية بعمل تغييرات دورية للقوات الموجودة في المنطقة الحدودية مع سوريا، وهى التحركات التي تشير إلى الاستعدادات التركية للدخول إلى الأراضي السورية  لإخراج عناصر التنظيمات المسلحة منها عقب خروج القوات الامريكية، والعمل على إنشاء المنطقة الآمنة.

 خصوصا بعدما تم التوافق على تفاصيل إقامة تلك المنطقة مع كل من روسيا وإيران خلال اجتماع سوتشي الأخير، وتوافق الدول الثلاث على طروحات الحل السياسي في سوريا، باستثناء مسألة بقاء الرئيس بشار الأسد في منصبه، حيث تدعم كل من روسيا وإيران الأسد بينما تطالب تركيا برحيله. 

ماهية المنطقة الآمنة

وتشير المصادر السياسية والإعلامية إلى أن مشروع المنطقة الآمنة المتفق عليه من قبل بين تركيا والولايات المتحدة، وتدعمه حاليا روسيا وإيران، بعد التعهدات التي قدمتها تركيا في هذا الشأن، سيبدأ في غضون فترة زمنية قصيرة، بالتزامن مع بدء عملية الانسحاب الأمريكي من الاراضي السورية، وستضم مدن وبلدات ثلاث محافظات سورية، هى حلب والرقة والحسكة، وان تنفيذها سيتم بصورة تدريجية تتوافق وعمليات تطهير تلك المناطق من عناصر التنظيمات الإرهابية – وفق تصنيف أنقرة – وتشمل حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب وداعش، وسيتم تشكيل مجالس محلية من السكان المقيمين فيها، وستقوم تركيا من ناحيتها بتأمين كافة الاحتياجات الاساسية لهم، مثل الغذاء والكهرباء والصحة والتعليم والطرق، إلى جانب تنظيم دورات تدريبية أمنية للعناصر المؤهلة منهم لذلك، مع إنشاء وحدات لحماية حدود المنطقة، لضمان أمنها وسلامتها ومنع أية محاولات إرهابية لاختراقها فضلا عن وحدات شرطية داخل المدن لتنظيم حياة المواطنين فيها. 

التضحية بالشعب السوري

إصرار تركيا على إقامة المنطقة الآمنة، ورغبتها في إعادة سكان تلك المناطق إلى قراهم وبلدانهم التي هجروا منها رغما عنهم، يأتي نتيجة إدراكها الكامل لتفاصيل المخطط الذى يستهدف أمنها ووحدة أراضيها في المقام الاول، بعد ان اصبحت على يقين من أن هناك قوى دولية هي من قامت بجلب التنظيمات الإرهابية، وتدريبها وتسليحها ووضعها في مواجهة حدودها، لتصبح بمثابة الشوكة في ظهرها، وليتم تحريكها ضدها في الوقت الذى تراه تلك القوى، التي جاءت بها، حتى وإن كان وجودها في المنطقة يعني التفريط في وحدة وسلامة الأراضي السورية، والتضحية بالشعب السوري.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه